عاد 5 عمال مصريين اختطفوا على يد مسلحين في ليبيا إلى قريتهم في صعيد مصر بعدما دفعت أسرهم فدية إلى جماعة مسلحة قُدّرت بـ100 ألف جنيه (6368 دولاراً أميركياً) نظير إطلاق سراح كل منهم. وتعود أحداث الاختطاف إلى الأسبوع قبل الماضي، قرب مدينة بني وليد على بعد 180 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة طرابلس. وبعد 4 أيام من احتجازهم، دفعت أسرهم فدية مالية وتم إطلاق سراحهم، وعادوا إلى قريتهم في مركز منفلوط بمحافظة أسيوط بصعيد مصر.
عملية الخطف
روى محمد عبد النبي، أحد المختطفين العائدين، تفاصيل الواقعة لـ"اندبندنت عربية"، أنه "كان في مدينة بني وليد مع 4 من زملائه، وجميعهم من القرية ذاتها وتربط بينهم صلات قرابة، ودفع كل منهم لسائق السيارة الليبي 350 ديناراً ليبياً (76 دولاراً أميركياً وفقاً للسعر الرسمي) نظير توفير الحماية خلال الطريق إلى مدينة زليتن شرق طرابلس الذي يشهد مخاطر متعددة".
يضيف عبد النبي، "بعد نحو 100 متر من بوابات بني وليد، فوجئوا بإطلاق نار كثيف من جانب مسلحين ملثمين، فأصيب السائق وقاد السيارة أحد الملثمين إلى وجهة غير معلومة"، موضحاً أنهم "كانوا في حالة ذعر، وفوّضوا أمرهم لله".
قيمة الفدية
لا يزال محمد يشعر بالصدمة والذعر على الرغم من وجوده وسط عائلته حالياً، قائلاً إنه ظل لمدة 4 أيام في غرفة لا يرى الشمس وعلى الرغم من عدم التعرّض لهم بالضرب من جانب الخاطفين، لكن المختطفين الخمسة لم يتمكّنوا من إجراء سوى اتصال هاتفي واحد، بأحد أبناء عمهم الموجودين في ليبيا، وهو من أخطر أسرهم بخطف أبنائهم.
وتمثلت مطالب الخاطفين في 30 ألف دينار ليبي (6673 دولاراً أميركياً)، وهددوا بقتل المختطفين الخمسة إن لم يتم توفير الفدية قبل عصر اليوم التالي لإخبار أسرهم، ما اضطر بعضهم إلى بيع المواشي واقترض الآخر واستطاعوا توفير نحو 500 ألف جنيه مصري (32 ألف دولار أميركي) خلال ليلة واحدة لإنقاذ أبنائهم الخمسة، وتم إرسال الأموال إلى أبناء عم المختطفين في ليبيا، الذين "نفذوا تعليمات الخاطفين باستقلال سيارة تاكسي إلى مغارة جبلية، وترك الفدية هناك"، بحسب عبد النبي الذي توقع "أن يكون الخاطفون راقبوا الموقف من بعيد بنظارات مكبرة للتأكد من عدم وجود الشرطة، وبعد تسلّم الفدية بيوم، تم إطلاق سراح المختطفين وهم ملثمون".
العودة إلى مصر
بعد خروجهم من مكان الاحتجاز، لم يكن المصريون الخمسة يعلمون أين هم، ثم وجدوا مصنعاً سألوا من فيه عن عنوانه، واستطاعوا الاتصال بأبناء عمهم للحضور وإعادتهم لمكان سكنهم. وأوضح عبد النبي أن كلاً منهم دفع 2000 دينار ليبي للسماح لهم بالخروج من تلك المنطقة قرب بني وليد إلى مقر سكنهم في مدينة زليتن شرق طرابلس. وطالب المحررون الخمسة من أبناء عمهم إعادتهم إلى مصر بعدما فقدوا الرغبة في البقاء.
وأكد عبد النبي، "أنه لم يتم التواصل معه أو أي من المختطفين من جانب الجهات الرسمية المصرية، سواء خلال وجوده في ليبيا أو بعد عودته، باستثناء التحقيق معهم من جانب أحد المسؤولين في معبر السلوم الحدودي الذي يربط بين مصر وليبيا"، وأوضح "أنه لم يفكر حتى الآن في العودة إلى ليبيا في ظل استمرار شعوره بالصدمة والفزع من تجربة الاختطاف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عبد النبي علي، والد محمد، أكد ان حالة نجله النفسية أصبحت "تحت الصفر" بعدما عاد من الغربة التي استمرت عامين من دون مدخرات، ورجّح أن تكون عملية الاختطاف مدبرة. وحاولت "اندبندنت عربية" الحصول على تعليق من وزارة الدولة لشؤون الهجرة والمصريين في الخارج، لكن مها سالم، المتحدثة باسم الوزارة لم تردّ على سؤالنا حول الواقعة.
وكان حسين سلامة، عضو المجلس البلدي لمدينة بني وليد الليبية، أعرب في تصريحات صحافية عن استنكاره وإدانته لتكرار حوادث اختطاف عمال من جانب عصابات لتهريب البشر في بني وليد وغيرها من المدن الليبية، وأشار إلى أن بني وليد تعتبر نقطة عبور تستغلها عصابات الهجرة غير الشرعية والتهريب في عملياتها.
تدفق العمالة المصرية بالرغم من الحظر
وقبل إطاحة نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011، كان عدد العاملين المصريين في ليبيا يقدر بنحو مليوني شخص، لكن مع تردي الوضع الأمني تراجع العدد كثيراً، وفي فبراير (شباط) 2015 حظرت الحكومة المصرية سفر مواطنيها إلى ليبيا، بعد اختطاف عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي عمالاً مصريين مسيحيين وإعدامهم. وعلى الرغم من الحظر، استمر سفر العمالة المصرية، ولا توجد إحصاءات رسمية حول أعدادهم حالياً.
وخلال العامين الأخيرين، تكررت حوادث اختطاف العمال المصريين، بخاصة في منطقة الغرب الليبي، وتدخلت الجهات الأمنية المصرية لإعادة 6 عمال كانوا قد اختطفوا قرب مدينة بني وليد في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وفي يونيو (حزيران) من العام ذاته، أعادت السلطات المصرية 23 عاملاً اختطفوا على يد جماعة مسلحة غرب ليبيا، وناشدت وزارة الخارجية حينها المواطنين المصريين الموجودين في ليبيا بتوخي الحذر، والابتعاد من مناطق التوتر والاشتباكات حرصاً على سلامتهم وذويهم، لا سيما مع تزايد أنشطة بعض العصابات المسلحة الخارجة عن القانون في بعض مناطق ليبيا.
وأكد حسام ماضي، عضو مجلس النواب عن محافظة أسيوط بصعيد مصر أن النواب والقيادات الشعبية تنصح شباب محافظات الصعيد بعدم السفر إلى ليبيا، في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة وسيطرة ميليشيات على مساحات كبيرة، بخاصة في غرب ليبيا، ووجود عصابات تهريب وإتجار بالبشر، لكن كثيراً من الشباب لا يستجيب لتلك التحذيرات والنصائح لرغبتهم في الالتحاق بفرص العمل داخل ليبيا، التي توفّر لهم مدخرات جيدة.
وأضاف أن سفر الشباب المصري إلى ليبيا كان معتاداً طيلة عقود خلال عهد معمر القذافي، واستمر السفر بمعدلات أقل في السنوات الأخيرة، بطرق غير شرعية أحياناً، مشيراً إلى ارتباط أهالي الصعيد بعلاقات جيدة مع الليبيين ووجود سمعة طيبة للعامل المصري في الأوساط الليبية، بفضل عشرات السنين من وجود العمالة المصرية هناك، إلى جانب وجود قبائل ترتبط بعلاقات مصاهرة ونسب مع بعض القبائل الليبية، ما يجعل الروابط متينة بين الشعبين.
وناشد الشباب المصري بالتريث وعدم السفر إلى هناك حتى تستقر الأوضاع، وفي ظل سيطرة ميليشيات على بعض المناطق الليبية، مشيراً إلى تلقّيه قبل أسابيع شكاوى عدة من أهالي تعرّض أبناؤهم للسجن في ليبيا، ونقل الشكوى إلى وزارة الخارجية، والتقى مساعد وزير الخارجية لشؤون ليبيا، وتم حل الأزمة وإخراج المواطنين المصريين من السجن.
وفي مارس (آذار) الماضي، عقد مسؤولو وزارتي العمل الليبية والقوى العاملة المصرية اجتماعاً في القاهرة لبحث تسهيل إجراءات دخول العمالة المصرية إلى ليبيا، وأكد الاجتماع ضرورة توفير قاعدة بيانات لمعرفة حاجات السوق الليبية من العمالة المصرية، وآليات دخولها بشكل شرعي بالتنسيق مع السلطات المصرية.