لطالما اعتُبر الجمال عنصراً جاذباً للتغني به ومدحه منذ أقدم العصور وحتى اليوم، ما جعل الناس يسعون إليه بالوسائل كافة، كلّ بحسب مقومات عصره، وكثيراً ما قرأنا عن الاهتمام بالجمال من أيام كليوباترا وغيرها من ملكات اشتهرن بجمالهنّ وطقوسهنّ في الاهتمام به.
تغيّر التجميل ومعاييره ومفاهيمه عبر الزمن، وكذلك العمليات الجراحية وتقنياتها، وفي حين كانت أكثر أسباب العمليات التجميلية تنحصر بتصحيح مشكلة صحية أو خلل ظاهر، أصبحت في بعض الأحيان لتغيير ملامح ما، وللتشبه ببعض الشخصيات العامة أو لاتباع موضة جمالية معينة، وتحولت في أحيان أخرى إلى هوس شوّه كثيرات بدل تجميلهنّ.
ويعتبر الخضوع لعمليات تجميل حرية شخصية، فلكل شخص أسبابه التي تتعلق غالباً بشأن صحي أو نفسي.
معايير الجمال
يتحدث جراح التجميل اللبناني الطبيب ابراهيم الأشقر لـ "اندبندنت عربية" عن تحديد المفهوم العالمي للجمال عن أنه كُرّس، بعد أن أُحضرت ملكات جمال الدول، وأقيمت دراسة أرست بعض المعايير، بعد تقييم ما هو الأجمل للعينين، والأنف، والشفاه، وشكل الوجه، والحواجب، وكيف تتناسب مع العيون، ويشير إلى أنه تبقى لكل منطقة في العالم خصائصها، ففي أوروبا يحبون الجمال الطبيعي، وفي الشرق الأوسط يحبون المبالغة قليلاً، بمعنى إذا أرادوا تجميل الأنف يريدونه صغيراً جداً حتى لو كان لا يليق بالوجه، "ولا أعمم هنا، ولكن يوجد حوالى 50 في المئة من هذه الفئة، بينما 50 في المئة يفضلون أن يجمّل بشكل طبيعي وكأنه لم يخضع لتجميل"، ويضيف أنه لاحظ في الإمارات العربية أن الناس يفضلون الأنف القوي، وفي دول الشرق الأقصى والفيليبين وإندونيسيا وماليزيا يحبون تكبير عظمة الأنف لأنها صغيرة جداً، ويفضلون تغيير شكل العيون المشطوبة، في حين، يسعون في العالم العربي للعيون المشطوبة، على سبيل المثال.
ويعتبر الأشقر أن التناسق في الوجه هو معيار الجمال الأساسي، وأنه أحياناً يخشى من ذوق العالم الذي يتغير ويذهب باتجاه خاطئ، ويعطي مثلاً أنه في لبنان، كثيرات يصغّرن الأنف كثيراً، ويكبّرن الشفاه والخدود كثيراً، وكذلك الصدر والأرداف ويرفعن الحواجب، وهذا أصبح شكلاً غير طبيعي ومفهوماً غير مقبول برأيه ويحارب لتغييره.
تقليد الشخصيات العامة
ويعتبر الأشقر أيضاً أن مدوني وسائل التواصل الاجتماعي يؤثرون في ذوق من يتبعهم، يحاول الناس التشبه بهم من دون التفكير بما يليق بهم. ويعطي مثلاً أن العين يجب أن تكون موازية للحواجب، فإذا كانت مرتفعة يكون الحاجب كذلك، أما إذا كانت إلى الأسفل فيجب أن يكون الحاجب مثلها، ويقول أن صوفي مارسو (كاتبة وممثلة ومخرجة فرنسية)، خير دليل، إذ إن عينيها وحاجبيها إلى الأسفل وهي جميلة جداً، وهذا يدل إلى أن الحاجب المرفوع ليس هو دليل الجمال، ولكن المفهوم الذي يطغى هو رفع الحاجب بغض النظر عن شكل العين، وتصبح المسافة بين العين والحاجب كبيرة وبشعة، وهذا نجده أكثر لدى النساء اللواتي يؤخذن بوجوه المدونين والفنانين ويسعين لتقليدهم.
وينصح الأشقر "مرضاه" أن يفكروا أن لكل شخص جماله، وعلى الأطباء إظهار هذا الجمال لأن التقليد يبقى نسخة غير جميلة، "فإذا أتينا بأجمل عينين وأجمل حاجبين وأجمل أنف وأجمل فم، ووضعناها كلها في وجه واحد يصبح بشعاً. لذا يجب الحفاظ على هوية الشخص وإبراز جماله الخاص، وليس أن يكون نسخة عن شخص آخر"، ويقول إن نصف وقته يكون لنصيحتهنّ ماذا يفعلن وماذا يتجنبن، لدرجة أنه يرفض أحياناً إجراء التجميل، لكن البعض منهنّ يبقين على إصرارهنّ ويجرينها في مكان آخر.
أسباب عمليات التجميل وأنواعها
عن الأسباب التي تدفع الناس لعمليات التجميل، يقول الأشقر إن أكثر من يخضعون لها ليسوا من أصحاب التشوهات، وإن حوالى 70 في المئة يحتاجون إلى هذه العمليات بسبب عدم تناسق في الوجه، و20 في المئة وجههم جيد لكن يريدون تحسينه أكثر.
ويضيف أن التجميل نوعان، الأول لتصحيح عدم التناسق، وآخر للحفاظ على الجمال مع العمر، ويوصي بالبدء باكراً، بالاهتمام بالوجه ليكون العمل عليه أيسر وأسهل، إذ ما يتعب الوجه ويكثر التجاعيد حركات عضلات الوجه الكثيرة والقوية، ومع العمر تظهر التجاعيد مكان هذه العضلات، لذا فـ "البوتوكس" الذي يخفف حركة العضلات مهم استخدامه باكراً للمحافظة على الوجه كي لا يترهل الجلد، وكذلك من المهم عدم تعريض الجلد لأشعة الشمس لأنها تجعله يتكسر ويتجعد.
ويتابع أنه مع العمر، تتم الاستعانة بـ "الفيلر" لتعبئة الأماكن التي خفت كمية الدهون فيها، ويحذّر من أنه من غير المسموح استخدام مواد تبقى طوال العمر، شارحاّ عن أهمية المواد التي تحتوي على خلايا جذعية تنشط المنطقة التي توضع فيها وتقويها.
ويعتبر جراح التجميل اللبناني أن التجميل مهم كونه يعطي ثقة بالنفس، وبحسب ملاحظته فإن التلاميذ الذين يجرون عمليات للأنف، يصبحون اجتماعيين أكثر ومتفاعلين مع أصدقائهم ويتفوقون في الدراسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في العمل فالبعض من الرجال والنساء، بخاصة في مراكز مهمة، يخشون خسارة وظائفهم بسبب العمر، فيخضعوا لعمليات تجميل صغيرة للمحافظة على نضارة بشرتهم، ويذّكر أنه لا يمكن لمن عمره 50 سنة أن يتحول إلى شخص بعمر 20 أو 40 سنة، ولكن المهم أن السيدة التي تبلغ من العمر 40 سنة ألا تبدو خمسينية، ويشير إلى أن هذه التحسينات الطفيفة تعطي ثقة بالنفس وطاقة إيجابية، كما أن أحداً لا يحب أن يبدو أكبر سناً، ولكنه يحذّر في الوقت ذاته من المبالغة بها، لأنها تأتي بنتائج سلبية، إذ إن الشكل يبدو حينها مصطنعاً وغير طبيعي.
ويشدد على أن أهمية التجميل تبدأ من الشخص ذاته، فإذا كان يشعر بالخلل، فعليه تصحيحه، أما إذا كان غير منزعج فلا داعي طالما لا توجد مشكلة صحية مثل الأنف الأعوج الذي قد يتسبب بضيق تنفس، والجفون المطبقة والمترهلة التي قد تثقل العين وتؤثر في البصر، ويقول إن من المهم أن نعرف متى نقوم بالتجميل وكيف، فالمبالغة تأتي دوماً بنتائج لا تمت للجمال بصلة.
ويخبر أنه ينصح الناس بالمحافظة على ملامحهم، وعلى العنصر الجاذب فيهم، وألا يتحولوا إلى دمى شمعية، فالنفخ، و"البوتوكس" والشد الزائد يشوّه الشكل ولا يخدم التجميل، "ليس علينا محو التجاعيد إنما تخفيفها، المهم ألا يخسر الشخص جماله الخاص وجاذبه. أحياناً نرجو الناس الذين لديهم عيون جميلة ألا يحولوها إلى عيني قطة أو ذئب، ومثلهم الذين يكبرون الشفاه أكثر مما يجب، وللأسف يجدون دائماً مَن ينفذ لهم ما يريدون"، ويتابع أن عمليات التجميل تكون أحياناً ضرورة ملحة إذا كانت تسبب مشكلة صحية أو نفسية لصاحبها.
مع أو ضد
تقول لطيفة الحسنية إنه إذا لم يكن هناك تشوّه خلقي تكون عمليات التجميل دليلاً على قلة تقدير الذات، وهي ضد حتى "البوتوكس" و"الفيلر"، إذ تعتبر أن وراء كل تجعيدة في وجهها قصة، وإذا غيّرتها تغيّر تاريخها، "ومن الضروري أن تتعلم المرأة حب ذاتها وتقدّرها وتفرح بشكلها وبعمرها".
باسكال حرب من جهتها تجد أنه قد يكون التجميل إثبات وجود وملء فراغ عاطفي ونفسي بسبب شعور السيدات أنهنّ غير جيدات بما فيه الكفاية، وأحياناً للتمرد على خضوعهنّ وليبينّ أن لديهنّ السلطة على أنفسهنّ، وهذا نقص معنوي أكتر مما هو ترف.
وترى ريتا خياط أن القطاع التجميلي قطاع ذكوري رأسمالي، ورأسماله هو "عدم ثقتنا بأنفسنا وخوفنا من العمر وغيرتنا من بعضنا البعض. بصرف النظر عن بعض الضرورات لتحسين التشوهات الخلقية، ويجب مقاطعة هذا المجال الذي يحوّل شعورنا بعدم الأمان مع أجسادنا إلى مال".
وترجح فاطمة حسن أن يكون التجميل على الأغلب ترفاً أو غيرة من سيدة أخرى، وأحياناً انعدام الثقة بالنفس والسعي للتجميل لتحسين المظهر، مع أنه غالباً يكون أجمل طبيعياً، وتعتبر أن كثيرات شوهن مظهرهنّ بعمليات التجميل.
وبرأي فاطمة عياش، لا توجد ضرورة إلا بالنسبة لصاحبة العلاقة، فلا أحد يريد أن يجري عملية ويتألم للترف، "فعمليات التجميل مؤلمة جداً. ولكن البعض يتطرّف بها وتصبح بلا ضرورة، وهوساً"، لكنها تجد أن من الجيد أن يكون لدينا الخيار بتغير ما لا نريده أو لا نحبه في أنفسنا.
وتحبذ سوزان غزيل أن يغير الشخص ما يريد بنفسه، ليس بسبب ما يفرضه المجتمع عن الصورة المثالية له، أو لتقليد أي شخصية عامة، ويجب أن يكون الهدف إرضاء ذاته، لا للتشبه بأحد.
فرح مزنر من جهتها تعتقد أن نصف العمليات تكون غير ضرورية، وهي مع التجميل الذي يحتاجه الشخص ليرتب شكله، والاقتناع بالشكل المقبول، "جميل لو أن يقال "محلوة" أي زدت جمالاً وليس "أووف" كأنك لست أنت".
وتقول ناهلة سلامة إن المجتمع يتنمر على أي مختلف، يجب إيقاف التنمر وفقاً لمعايير جمالية حتى يرضى الناس على أنفسهم، كل الاتجاهات في الإعلانات والتسويق تضع معايير الجمال هذه أساساً، وتعتبر أن كل شخص حرّ بذاته، "وليس لأحد أن يقيّم أو يرفض، فنحن لا نعرف كل شخص بماذا مرّ حتى قرر إجراء تجميل".
دانا بو نجم تعتبر أيضاً أن التجميل مهم إذا استخدم بالطريقة الصحيحة وفي الأماكن الصحيحة، والمهم أن يكون لضرورة ولا يكون مبالغاً به، وأحياناً قد يسبب بشاعة ويظهر الشخص اصطناعياً، والأفضل البقاء في الشكل الطبيعي.