عقد زعماء رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان)، أمس السبت، اجتماعاً طارئاً في العاصمة الإندونيسية جاكرتا لمناقشة أزمة ميانمار، والبدء في حوار مع رئيس المجلس العسكري الجنرال مين أونغ هلاينغ، بهدف إقناعه بإيجاد سبيل لإنهاء العنف الذي اندلع في البلاد بعد انقلاب عسكري قاده الجيش في مطلع فبراير (شباط) الماضي، أطاح بالحكومة المدنية المنتخبة وزعيمتها الحائزة جائزة نوبل للسلام أونغ سان سو تشي.
ويعد هذا الاجتماع الأول من نوعه لزعماء "آسيان" حضورياً منذ بدء جائحة كورونا، وهي الزيارة الخارجية الأولى لقائد الانقلاب العسكري في ميانمار، فيما خالفت القمة التوقعات المتشائمة مع انتهائها بنتائج إيجابية.
تنسيق الجهود
عُقد اجتماع قادة دول "آسيان" برئاسة سلطان بروناي حسن البلقية، الذي تدير بلاده دفة الرابطة هذا العام، في مقر الأمانة العامة في جاكرتا.
وحضر معظم قادة دول "آسيان" القمة، يتقدمهم رئيس الوزراء الماليزي تان سري محي الدين ياسين، ورئيس وزراء سنغافورة لي هسين لونغ، ورئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشين، ورئيس الوزراء الكمبودي سامديتش تيكو هون سين ورئيس إندونيسيا المستضيفة جوكو ويدودو، إضافة إلى حضور رئيس المجلس العسكري في ميانمار.
ويرى البعض أن دعوته إلى قمة "آسيان" بمثابة اعتراف ضمني بحكومة جديدة في ميانمار، إلا أن دول الرابطة كانت قد أعلنت صراحة أنها لن تخاطب الجنرال كرئيس للدولة وأن حضوره يهدف إلى إيجاد حل سلمي للأزمة. فيما تغيب عن القمة رؤساء حكومات لاوس وتايلاند والفيليبين.
منذ أسابيع، عقدت مناقشات ثنائية وثلاثية ورباعية واجتماعات على مستوى الرؤساء ووزراء الخارجية لمناقشة الأزمة، تقودها إندونيسيا بدعم سياسي من ماليزيا وبروناي وسنغافورة، حيث التقى زعماء الدول المذكورة في اجتماعات متفرقة لمناقشة القضية والتحضير لاجتماع القادة. واتجهت أنظار المجتمع الدولي إلى اجتماع جاكرتا على أمل في أن تتمكن "آسيان" المكونة من 10 أعضاء من الخروج بحل ملموس لأزمة ميانمار، فيما يعد هذا الاجتماع أول جهد دولي يترجم على أرض الواقع للسعي للوصول إلى حل لها.
انعقاد القمة بحضور القادة في ظل جائحة "كوفيد-19" يعكس مدى خطورة الموقف والقلق العميق إزاء الوضع في ميانمار وعزم دول "آسيان" على مساعدتها في الخروج من هذا الوضع الحساس.
وأثناء انعقاد القمة، تجمع بعض المحتجين في جاكرتا، مطالبين بعودة الديمقراطية إلى ميانمار، لكن قوات الأمن فرقتهم سريعاً.
رابطة بلا قوة وتوقعات محدودة
قراءات وتحليلات وتنبؤات قبيل الاجتماع توقعت نتائج متواضعة، نظراً لسياسة الرابطة القائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الأعضاء، كما أن القرارات يلزمها الإجماع. واقتصرت التوقعات على توفير منصة مشتركة للتفاوض على حل طويل الأمد للأزمة.
وكانت ميانمار تعرضت لعقوبات مكثفة فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقب الانقلاب العسكري، لكن "آسيان" تعاملت بنهج مختلف لاحتواء الأزمة وإحلال السلام، وهو ما وضع التجمع الإقليمي تحت اختبار حقيقي لإثبات مدى فعاليته.
كما اعترضت حكومة الظل التي تضم النواب الذين تمت الإطاحة بهم على مشاركة الجنرال في القمة، بعد أن طالبوا "آسيان" بمنحهم فرصة للمشاركة وعدم الاعتراف بالنظام العسكري الذي استولى على السلطة.
وتوقعت بعض التحليلات فشل القمة قبل أن تبدأ، نظراً لمشاركة "كبير القتلة" في إشارة إلى رئيس المجلس العسكري كما يسميه معارضو الانقلاب، خصوصاً بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق 26 شخصاً، معظمهم أعضاء في حكومة الظل عشية الاجتماع، بينما تتواصل التظاهرات في أنحاء البلاد.
اجتماع ناجح
بعد انتهاء القمة، صرح رئيس الوزراء الماليزي محي الدين ياسين بأن قادة "آسيان" نجحوا في معالجة أزمة ميانمار، في مخالفة لتوقعات المتشائمين، كما أن القادة تحدثوا بشكل بناء مع الجنرال مين أونغ هلاينغ وجهاً لوجه، الذي قبل بدوره الاقتراحات الثلاثة التي قدمتها ماليزيا لمعالجة الأزمة، وهي تهدئة الوضع على الأرض ووقف القتل والعنف ضد المدنيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين بسرعة ومن دون قيد أو شرط، والسماح لرئيس "آسيان" وأمينها العام بالدخول إلى ميانمار والتواصل مع جميع الأطراف المعنية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح محي الدين أن نتائج الاجتماع أثبتت خطأ بعض المنتقدين الذين زعموا أن الرابطة الإقليمية ستفشل في تقديم حل ملموس للأزمة، مؤكداً استمرار جهودها في هذا الإطار.
من جهة أخرى، أعلن رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ، أن الجنرال الميانماري أعرب عن ترحيبه بدور الرابطة واستعداده للتعاون بشأن جهود المصالحة الوطنية وتسوية الأزمة، لكن توقعات لي هسين تبين أنه لن يتم تنفيذ نتائج الاجتماع بشكل فوري، مبيناً أن هناك فارقاً كبيراً بين نية وقف العنف والإفراج عن المعتقلين السياسيين والوفاء بالوعود.
كما أكد الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو على ضرورة عودة الديمقراطية، مطالباً الجيش بالتوقف عن استخدام العنف وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
وغاب رئيس وزراء تايلاند برايوت تشان أوتشا عن القمة، وسبق أن رفض التعليق حول الوضع السياسي في ميانمار، مبرراً ذلك بأن القضية معقدة للغاية، بخاصة في ما يتعلق بشرعية الحكومة العسكرية الجديدة هناك.
بيان النقاط الخمس
توصل قادة دول "آسيان" إلى توافق حول نقاط خمس لحل الأزمة في ميانمار، فيما أكد بيان رئيس الرابطة أن "أسرة آسيان" أجرت نقاشاً مثمراً حول التطورات الأخيرة في ميانمار وأعربوا عن قلقهم إزاء الوضع هناك، لا سيما التقارير التي تفيد بوقوع وفيات واستمرار العنف.
واتفق القادة على ضرورة الوقف الفوري للعنف وممارسة أقصى درجات ضبط النفس من قبل جميع الأطراف في ميانمار والبدء في حوار بناء للبحث عن حل سلمي لصالح الشعب، وأن يقوم مبعوث خاص من رئيس "آسيان" بتسهيل الوساطة في عملية الحوار بمساعدة الأمين العام للرابطة.
وستقدم "آسيان" المساعدة الإنسانية العاجلة، وسيقوم المبعوث الخاص والوفد بزيارة ميانمار للقاء جميع الأطراف المعنية.
وأكد البيان على أهمية جهود ميانمار المستمرة في معالجة الوضع في ولاية راخين، بما في ذلك البدء في عملية العودة إلى الوطن بطريقة طوعية وآمنة وكريمة وفقاً للاتفاقية الثنائية مع بنغلاديش.
ميانمار على المحك ،
تعد ميانمار من أفقر دول "آسيان"، وتعاني من أزمة اقتصادية خانقة جراء جائحة كورونا، وسط تحذير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بدنو مجاعة لحوالى ثلاثة ملايين ونصف مليون ميانماري خلال الأشهر الستة المقبلة. كما أن اشتداد الصراع بين جيش ميانمار والجماعات العرقية المسلحة ينبئ بزيادة أعداد النازحين، بالتالي استمرار تدفقهم إلى الدول المجاورة التي أوصدت أبوابها فور إعلان المجلس العسكري قيادته للبلاد.