أعاد قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأحد الماضي، تمديد حال الطوارئ في جميع البلاد ثلاثة أشهر إضافية، للاعتبارات "الأمنية والصحية التي تمر بها مصر" جدل قانون الطوارئ المفروض منذ أبريل (نيسان) 2017.
فالقرار الذي حمل رقم (174) لسنة 2021، ويخول للقوات المسلحة والشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين، يأتي للمرة الـ 17 بين تجديد وتمديد، على مدى السنوات الخمس الأخيرة، وبعد مطالبات حقوقية بإلغاء القانون الذي يعطي صلاحيات واسعة للقوات الأمنية.
فماذا تعني حال الطوارئ في مصر؟ ومتى بدأت؟ وأي صلاحيات يخوّلها الدستور المصري والقانون للسلطات في هذه الحال؟
من الأحكام العرفية إلى الطوارئ
ولم يكن فرض حال الطوارئ في مصر بجديد، فمنذ عام 1914، تشهد مصر على مدى عمر أزماتها، فرض قوانين استثنائية تخول السلطات في البلاد التصرف بما تراه مناسباً لـ "فرض الأمن والنظام في البلاد".
وعلى الرغم من أن تسمية "حال الطوارئ" ذاتها جاءت للمرة الأولى مع العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، إلا أن القوانين الاستثنائية كانت قائمة منذ العقد الثاني من القرن الماضي، تحت ما يُعرف بالأحكام العرفية.
ففي بدايات الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في عام 1914 فرض الاحتلال البريطاني تلك "الأحكام العرفية" في مصر للمرة الأولى، وعين حينها حاكماً عسكرياً للبلاد، وعلى الإثر وللمرة الأولى لاحقاً تضمن دستور البلاد لعام 1923 النص الأول الذي ينظم تلك الأحكام العرفية، إذ نصت المادة (45) من الدستور، على أن يكون الملك هو من يعلن الأحكام العرفية، مع ضرورة عرضها فوراً على البرلمان، ليقرر استمرارها أو إلغاءها.
وبين عامَي 1939 و1943، أعيد فرض الأحكام العرفية مجدداً في البلاد، وبقيت سنوات مفروضة نظراً إلى الظروف حينها، ففي الحالة الأولى جرى فرضها على إثر الحرب العالمية الثانية، وبقيت طوال فترة الحرب، والثانية كانت بعد دخول الجيش المصرى فى حرب فلسطين، وبقيت نحو سبع سنوات. الأمر ذاته تكرر في يناير 1952، عقب أحداث حريق القاهرة، قبل أشهر قليلة من ثورة يوليو (تموز)، واستمرت طوال السنوات الأولى من عمر الثورة.
ومن الأحكام العرفية إلى حال الطوارئ تحولت المسميات، ففي أكتوير (تشرين الأول) 1965 مع العدوان الثلاثي (حرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر إبان تأميم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس)، بدأت رحلة "قانون الطوارئ" التي استمرت لسنوات وعقود طويلة لاحقة حتى عام 2021.
40 عاماً تحت الطوارئ
على مدى 13 عاماً بقيت البلاد تحت حال الطوارئ منذ العدوان الإسرائيلي على مصر في يونيو (حزيران) 1967، وعلى الرغم من رفعها في نهاية عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات 18 شهراً، إلا أنها عادت مجدداً بعد اغتياله في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1981، واستمر العمل بها طوال فترة حكم خلفه الرئيس حسني مبارك على مدى 30 عاماً، وهو الأمر الذي استنكرته جهات حقوقية عدة آنذاك.
وكانت الطوارئ في عهد مبارك تجدد سنوياً، ولاحقاً حدد مجلس الشعب المصري تجديدها ثلاث سنوات حتى 2010، حين قرر البرلمان في مايو (أيار) 2010 تجديدها عامين فقط.
وعلى الرغم من أن إلغاء الطوارئ كان من بين المطالب الرئيسة التي دعا إليها المحتجون في ميدان التحرير خلال أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، فإن فرضها عاد مجدداً بعد اقتحام "محتجين" مقر السفارة الإسرائيلية بالقاهرة في سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، وجرى تجديد العمل بها حتى مايو (أيار) 2012 (أعلن حينها رسمياً إيقاف العمل بالطوارئ) في نهاية عهد المجلس العسكري الذي حكم البلاد إبان حكم مبارك.
وبينما لم تفرض حال الطوارئ على مدى عام حكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين (يونيو/ حزيران 2012، يوليو/ تموز 2013)، إلا في حالة واحدة شملت محافظات مدن قناة السويس بعد أحداث عنف شهدتها في ذكرى ثورة يناير عام 2013 لمدة شهر.
وعاد فرض قانون الطوارئ مع أحداث العنف التي شهدتها البلاد عقب إطاحة مرسي، وجاء أول فرض لها مجدداً في أغسطس (آب) 2013 في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور، وبقيت شهراً أيضاً.
وعلى إثر ارتفاع منسوب العنف والإرهاب في البلاد، يفرض الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي حال الطوارئ في سيناء منذ نهاية 2014، واتسعت لتشمل كل أراضي الجمهورية منذ أبريل (نيسان) 2017، تحديداً بعد حادثة استهداف كنيستين بالإسكندرية وطنطا (شمال) أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، ومنذاك ويجري تجديدها كل ثلاثة أشهر بموافقة مجلس النواب.
ماذا يقول الدستور؟
بحسب الدستور المصري في أحدث نسخه عام 2014، تنظم مادته (154) إعلان حال الطوارئ في البلاد، استناداً إلى قانون الطوارئ رقم (162) الذي صدر العام 1958، إذ تخول لرئيس الجمهورية إعلانها بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، مع إلزامه بعرضها لاحقاً، خلال مدة لا تجاوز سبعة أيام، على مجلس النواب وموافقة غالبية أعضاء المجلس لتمريرها.
كما نصت المادة على أن تعلن حال الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وألا تجدد إلا لمدة مماثلة بعد موافقة ثلثي نواب الشعب. موضحة أن رئيس الجمهورية هو من يعلن حال الطوارئ، وهو من يعلن انتهاءها، كما ينتهي العمل بها إذا رفض البرلمان إقرارها.
وبحسب نص قانون الطوارئ، عدّد الحالات التي يتوجب الاستناد إليها لفرض الطوارئ، والتي شملت الحرب أو قيام حالة تهدد بوقوع حرب، وحدوث اضطرابات داخلية أو كوارث عامة أو انتشار وباء، مما يعني تعرض الأمن العام في أراضي الجمهورية أو مناطق منها للخطر.
ويعطي قانون الطوارئ صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية والحكومة، إذ يسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة وحظر التجول في بعض المناطق ومراقبة الرسائل، أياً كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلاً عن تمكين الجيش من فرض الأمن.
كذلك يمنح القانون الرئيس والحكومة صلاحية تحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها، ومصادرة أي منقول أو عقار والأمر بفرض الحراسة على الشركات والمؤسسات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يعطي القانون الحق لمن جرى اعتقاله بموجب الطوارئ في التظلم أمام محكمة أمن دولة عليا إذا انقضت ستة أشهر من تاريخ اعتقاله من دون أن يفرج عنه. وتفصل المحكمة في الأمر على وجه السرعة، ولا يعتبر قرارها نافذاً إلا بعد تصديق رئيس الجمهورية.
وبحسب مواد قرارات الرئيس في تمديد أو تجديد الطوارئ، تشترك أغلبها في موادها على أن تتولى القوات المسلحة وهيئة الشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة الأخطار، وحفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين.
17 إعلاناً للطوارئ
منذ أبريل (نيسان) 2017، مددت أو جددت السلطات المصرية الحالية إعلان حال الطورائ في البلاد 17 مرة، في كل مرة حددها الإعلان بثلاثة أشهر. ووفق ما جاء في أحدث قرارات تمديد الطوارئ الأحد الماضي، فقد نص قرار الرئيس على أن "تتولى القوات المسلحة والشرطة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمواجهة أخطار الإرهاب وتمويله، وحفظ الأمن في البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في قانون الطوارئ، مع توقيع عقوبة السجن إزاء المخالفين للأوامر الصادرة عن رئيس الدولة".
واعتاد الرئيس السيسي ترك فاصل زمني بعد تلك المدة، قد يكون يوماً واحداً أو أياماً عدة، ثم يقوم بفرض حالة الطوارئ من جديد لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجديدها لثلاثة أشهر أخرى، وذلك منذ أبريل (نيسان) من عام 2017، وهو ما يعزوه المراقبون إلى التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد وارتفاع منسوب العمليات الإرهابية خلال السنوات السابقة، وتحديداً في أعقاب عزل مرسي.
ومنذ فبراير (شباط) 2018، تقود القوات المسلحة بمشاركة كافة فروعها الجوية والبحرية وقوات حرس الحدود، فضلاً عن القوات الشرطية "عملية شاملة"، تقول إنها بهدف القضاء على "العناصر الإرهابية والإجرامية".