تحت عنوان "فخامة الرئيس أنت متهم" أعدت مجموعة من رجال القانون والدستور عريضة تتهم رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بخرق الدستور وتجاهله واستهتاره بقسمه في ظروف غير مسبوقة لانهيار الوطن.
النص موجه بشكل أساس إلى النواب في البرلمان، لمطالبتهم بالقيام بواجبهم لأن الاستمرار في إدارة شؤون الدولة كما لو أن الأيام عادية وطبيعية يعني أخذ البلد إلى الانتحار، وفق واضعي العريضة. وهم يخاطبون النواب على أساس أنهم وكلاء الشعب، ويدعونهم إلى تحمل مسؤولياتهم في الطلب من رئيس الجمهورية بالاستقالة. واستناداً إلى كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي، "نحن أمام مخطط يهدف إلى تغيير لبنان بكيانه ونظامه وهويته وصيغته، سأل معدو العريضة النواب، أفلا تبادرون؟
وضع النص القانوني الرئيس الأسبق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، وتبناه المرجع الدستوري حسن الرفاعي والخبير الدستوري البروفسور أنطوان مسرة، إضافة إلى شخصيات عايشت عهد رؤساء لبنان الأقوياء أمثال الشيخ ميشال الخوري نجل الرئيس الأول بعد الاستقلال، بشارة الخوري ودوري شمعون ابن الرئيس كميل شمعون، ومعهم مجموعة من اللبنانيين همهم الحفاظ على بلدهم وفق قولهم. وترك معدو العريضة لجميع اللبنانيين إمكانية التوقيع عليها، وهم يستعدون لطباعتها في كتيب سيوزع على اللبنانيين.
ماذا جاء في مقدمة الوثيقة؟
يتوجه معدو العريضة، كما ورد في مقدمتها، ومن موقع المسؤولية الوطنية، "إلى جميع اللبنانيين لتوحيد الصوت لإفهام رئيس الجمهورية بأن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا المنوال. ومما جاء في النص "لأن الدولة لا تستقيم إلا بدستورها، وكذلك السلطات العامة وحدود صلاحياتها، ولأن رئيس الجمهورية وحده أقسم على الدستور وهو مؤتمن عليه، وإزاء الحالة المأسوية التي وصلت إليها البلاد، ومع انسداد الأفق أمام اللبنانيين، وبعد النداءات العالمية وأبرزها من حاضرة الفاتيكان والبطريرك الماروني وهيئات المجتمع المدني وغيرهم، وجدت مجموعة من اللبنانيات واللبنانيين أن من واجبها لفت الانتباه إلى تجاوزات وخروق للدستور، من شأنها أن تودي بلبنان ومستقبله وتغير هويته وطبيعة نظامه، وهي تناشد اللبنانيين ومن يمثلهم، خصوصاً نواب الأمة، القيام بواجبهم لأن الاستمرار في إدارة شؤون الدولة كما لو أن الأيام عادية وطبيعية يعني أخذ البلد إلى الانتحار. ومن موقع المسؤولية الوطنية فإننا ندعو الجميع إلى توحيد الصوت لإفهام رئيس الجمهورية بأن الأمور لا يمكن أن تستمر على هذا المنوال، فهو الوحيد في الجمهورية الذي أقسم على الدستور ما يلزمه بأمور مهمة، أولها أن يكون حَكماً لا فريقاً.. وهذا ما لم نره طوال العهد الحالي. من أجل هذه الغاية، وضعنا هذا النص لعله يكون مدعاة للتفكير والتأمل والتحرك".
تجاوزات الرئيس
تعدد الوثيقة لائحة من تجاوزات الرئيس عون للدستور منذ توليه الرئاسة حتى اليوم وتذكر أبرزها، معللة بالقانون أسباب وصف هذه القرارات بالتجاوزات. أما الخروقات التي وردت في الوثيقة، فهي:
الامتناع عن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية خلافاً للدستور والقانون.
في مرسوم التجنيس وعوراته.
في تمسك الرئيس بحصة وزارية له أو تمسكه بتعيينه الوزراء المسيحيين خلافاً للدستور.
في تأليف الحكومة وانقلاب رئيس الجمهورية على النظام البرلماني وأصوله.
وزير يغتصب الدستور ومبدأ فصل السلطات أمام لا مبالاة من أقسم على حماية الدستور بالإشارة إلى واقعة إقدام وزير الاقتصاد راوول نعمة على إرسال كتاب موجه عبر وزيرة العدل إلى المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت يطلب فيه حذف فرضية أن يكون الانفجار ناتجاً من عمل عسكري عدائي أو عملية إرهابية منظمة وحصر التحقيق بجرم الإهمال، وذلك من أجل التزام شركات التأمين دفع التعويضات لمصلحة المتضررين.
التفريط باستقلال لبنان وسلامة أراضيه سبب أول للمحاكمة. وتتهم الوثيقة الرئيس عون بالاستقواء بـ"حزب الله" وإيران.
بماذا يرد المقربون من القصر؟
وصف مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي من كتبوا الدراسة القانونية بـ"الكتبة"، ووصفها بأنها مليئة بالخفة والتسييس والغرضية والثأرية والمقاربة الشخصانية التي لا تساعد الموضوعية في شيء عند وضع الدراسات العلمية. وعلقت نائبة رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون السياسية المحامية مي خريش في تغريدة على "تويتر" متهمة من وراء العريضة "بمجموعة من الناقمين على الدني وجهلة بالدستور". واعتبرت أن الوثيقة مشبوهة بالتوقيت والمضمون.
من جهته يرد الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين المقرب من رئيس الجمهورية على ما ورد في وثيقة المعارضين لنهج رئيس الجمهورية وأدائه المخالف للدستور، ويشرح أنه في موضوع تأليف الحكومة "لا أحد يستطيع القول إن مشروع التشكيلة الحكومية يحظى بتأييد الأغلبية النيابية أو لا يحظى إلا بعد مثول الحكومة أمام البرلمان طالبةً الثقة، وهي لا تتكون ولا تولَد ولا تمثل أمام البرلمان بطبيعة الحال إلا بعد صدور مرسوم تأليفها، ولا يصدر مرسوم تأليفها عملاً بأحكام الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور إلا من جانب رئيس الجمهورية، وبالاتفاق بينه وبين رئيس الحكومة المكلف، ولا يمكن القول إن على رئيس الجمهورية توقيع أي مشروع تشكيلة حكومية يعرضها عليه رئيس الحكومة المكلف حتى يحسم البرلمان المسألة، لأن مثل هذه المقولة تعني إسقاطاً لدور رئيس الجمهورية الذي جعله الدستور شريكاً في التأليف".
أما بخصوص حصة رئيس الجمهورية في الحكومة، فيوضح يمين، أن "الدستور لم يتطرق بنص صريح لهذه المسألة، بل جعلَ رئيس الجمهورية شريكاً كاملاً في تأليف الحكومة، أي شريكاً كاملاً في اختيار جميع الوزراء المسيحيين والمسلمين، ولم يسمح لرئيس الحكومة المكلف بالانفراد في الاختيار بتاتاً، ولكن العرف الدستوري المُتبع على الدوام منذ العمل بالتعديلات الدستورية الصادرة بالقانون الدستوري الرقم 18 تاريخ 21 سبتمبر (أيلول) 1990 المنبثق من اتفاق الطائف مَنَحَت لرئيس الجمهورية فوق ذلك تزكية عدد من الوزراء، وهو ما مارسه جميع رؤساء الجمهوريات المتعاقبين، الرئيس الياس الهراوي والرئيس إميل لحود والرئيس ميشال سليمان والرئيس الحالي ميشال عون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد الخبير الدستوري المقرب من رئيس الجمهورية أن من واجب الرئيس التحقق من توافر عدالة تمثيل الطوائف في أي مشروع تشكيلة حكومية قبل أن يوافق عليه. ويدعو يمين إلى التوقف عند عبارة "تُمثل الطوائف" وعبارة "بصورة عادلة" اللتين استخدمتهما المادة 95 من الدستور. ورداً على اتهام رئيس الجمهورية بمخالفة الدستور في عدم توقيعه على التشكيلات القضائية، أكد يمين أن رئيس الجمهورية يملك صلاحية تقديرية في الموافقة على مشاريع المناقلات القضائية، وتوقيعها وإصدارها أو في الامتناع، وهو غير مُقيد بمهلة في ما خصها، ولا يمكن إصدار مرسوم رئاسي عادي من دون موافقته، خلافاً لما هي عليه الحال في المراسيم المتخذة في مجلس الوزراء، حيث يكون أمام رئيس الجمهورية مهلة خمسة عشر يوماً من تاريخ إيداعها رئاسة الجمهورية، وذلك عملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة 56 من الدستور.
وفوق ذلك، يقول يمين، "عرض الرئيس عون بموجب كتاب مفصل ملاحظاته على مشروع المناقلات القضائية ووجهها إلى مجلس القضاء الأعلى".
أما في ما يتعلق بمرسوم التجنيس فيقول يمين، إن "توقيع رئيس الجمهورية عليه يكون الأخير بعد توقيع وزير الداخلية والبلديات ورئيس الحكومة، وأي مرسوم تجنيس يكون خاضعاً لرقابة مجلس شورى الدولة في حال ورود طعن به. يستغرب يمين التصويب على رئيس الجمهورية من باب إجراء اتخذه وزير الاقتصاد. ويوضح بأن رئيس الجمهورية ليس مسؤولاً عن أعمال أي وزير بصرف النظر عن صحتها أو عدم صحتها، وسواء أكان دَعَم اختياره أم وافق على اختياره لأن المادة 66 من الدستور تنص على أن "يتحمل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة، ويتحملون إفرادياً تبعة أفعالهم الشخصية".
وأخيراً، ورداً على اتهام رئيس الجمهورية بالتفريط باستقلال لبنان وسلامة أراضيه، يرد يمين بأن المادة 17 من الدستور بعد تعديلات 1990 باتت تنص على أن "تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. وهو يتولاها وفقاً لأحكام هذا الدستور"، كما أن المادة 65 من الدستور باتت تنص بعد التعديلات عينها على أن "تُناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. وهو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة، ومن الصلاحيات التي يمارسها، 1- وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها. 2- السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء (...)"، فضلاً عن صلاحيات أخرى.
موقعون على العريضة يشرحون
بالنسبة إلى الناشطة السياسية الدكتورة منى فياض، "آن الأوان لوضع النقاط على الحروف بعد تململ لسنوات من التعدي على الدستور الذي صار منذ زمن وجهة نظر". وقد وقعت على الوثيقة لأنها تعتبر أن "الساكت على الحق شيطان أخرس". والعريضة، تقول فياض، "موجهة إلى النواب الذين عليهم المحاسبة والمتابعة". وتعترف بأن "هكذا وثيقة قد لا تصل إلى أي مكان، لكن على الأقل يمكن القول إنه بات لدينا مرجع قانوني معلل بدراسات وضعها كبار القانونيين في البلد، يمكن الاعتماد عليها في معارك استعادة الدولة والحفاظ على الدستور". وتعطي فياض مثل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي "تعرضت لكثير من الانتقاد ومنعت من إتمام عملها والوصول إلى الوثائق والمعلومات، لكنها في الحكم الذي أصدرته، وجهت البوصلة وأشارت بالحكم الصادر عنها إلى القاتل الذي ينتمي إلى حزب الله، فبات حكمها نقطة ارتكاز لا يمكن تخطيها، كما ستكون هذه العريضة نقطة ارتكاز ومرجعاً لكل محافظ على الدستور".
من جهته، يعتبر الصحافي ميشال حجي جورجيو، وهو ناشط سياسي معارض منذ بدء ثورة الأرز (2005)، أسباب توقيعه على العريضة التي تتهم رئيس الجمهورية بخرق الدستور، فيقول "هذه العريضة هي مضبطة اتهام في مخالفات الدستور التي ارتكبها رئيس الجمهورية، والهدف أن تكون في متناول كل اللبنانيين، وأن يكون لهم الحق في الاطلاع على كل هذه التجاوزات وإصدار حكمهم على هذا العهد". ويضيف "إن لم نستطع محاكمة الرئيس، ولكن على الأقل يمكن من خلالها أن نثبت عدم أهليته في ممارسة صلاحياته ودوره، وندعوه إلى المبادرة إلى الاستقالة لأننا نعتبر أنه فشل في دوره كحكم وكحارس للجمهورية وكمؤتمن على الدستور". ويدعو حجي جورجيو النواب إلى المبادرة في طرح هذا الموضوع لأن مفتاح الحل في أيديهم.