تسببت الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس إضافة إلى انتشار فيروس كورونا، في تراجع التصنيف السيادي، إذ ورد في التقرير الأخير لوكالة موديز خفض تصنيفها الائتماني من "B2" إلى "B3" مع نظرة مستقبلية سلبية.
وشلت الأزمة الأخيرة قطاعات حيوية في البلاد على غرار الصناعة والسياحة، كما تصعب عملية الاقتراض من الخارج شيئاً فشيئاً، وتخوض تونس حالياً جولة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي سعياً إلى الحصول على قرض، وتحول الأزمة الصحية وعدم تنفيذ تونس للإصلاحات المفروضة من قبل المقرضين دون القدرة على التداين. ويضاف هذا إلى توقف نشاط قطاع السياحة أحد أهم مصادر تونس مع تراجع الحركة الاقتصادية نتيجة الغلق، الأمر الذي أدى إلى هبوط الدينار أمام أغلب العملات، وتراجع بنسبة 6 في المئة خلال 2021.
تخلف تونس عن سداد ديون سيادية
إلى ذلك، ذكرت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد أند بورز غلوبال"، أن تخلف تونس عن سداد ديون سيادية، وهو أمر مستبعد إلى حد كبير على مدى 12 شهراً مقبلة، قد يكلف بنوك البلاد ما يصل إلى 7.9 مليار دولار، وفقاً لوكالة "رويترز". وكانت تونس قد بدأت محادثات مع صندوق النقدي الدولي للحصول على حزمة مساعدات مالية. وتعاني تونس ارتفاع الدين، وانكمش الاقتصاد 8.8 في المئة العام الماضي. وقال محمد داماك، المحلل في "ستاندرد أند بورز غلوبال"، "انكشاف البنوك التونسية على دين البلاد السيادي زاد بأكثر من المثلين في العقد الماضي إلى جانب زيادة حادة في مديونية الحكومة".وأضافت "ستاندرد أند بورز" أن تكلفة التخلف عن السداد بالنسبة للبنوك ستوازي 102 في المئة من إجمالي حقوق الملكية للنظام المصرفي، أو 17.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي المتوقع.
انعكاسات القروض
ويرى المتخصص الاقتصادي نادر حداد، أن الدينار لم يسجل صعوداً مقابل الدولار، وأن الاستقرار في الصرف بالنسبة للدولار حالياً 2.761 دينار تونسي مقابل 2.905 دينار في الفترة نفسها من السنة المنقضية، مرده حصول البلاد على قروض خارجية عدة في الأيام الماضية، الأمر الذي لا يعد انتعاشاً للعملة التونسية، بل هو انعكاس للقرض الذي تحصلت عليه من قبل صندوق النقد لمقاومة أزمة "كوفيد-19". وفسر التراجع الحاد للدينار التونسي تجاه اليورو بكثافة المبادلات التجارية لتونس مع الاتحاد الأوروبي، فالطلب عليه أكبر بكثير من نظيره على الدولار، في حين لا تزال الأسباب الهيكلية لتراجع سعر الدينار قائمة، على غرار العجز التجاري وغياب عائدات ذاتية من النقد الأجنبي متأتية من قطاعات حيوية.
هبوط الدينار 43 في المئة خلال السنوات الـ 10 الأخيرة
ولا يعود الهبوط المسجل في الدينار التونسي إلى الأزمة الصحية الراهنة بحسب حداد، فقد سبق أن شهد العديد من التقلبات خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي يرجع إلى جملة من الإصلاحات التي فرضها صندوق النقد الدولي على البلاد، التي تنوعت بين تعويم الدينار وعدم التدخل لتصحيح سعر صرف الدينار، الذي كان يلازم اليورو والدولار. وهذا الإصلاح كان يهدف للحد من استهلاك الاحتياطي من العملة الأجنبية، إلا أن التعويم الجزئي للدينار كانت له تكلفة اقتصادية كبرى، تمثلت في ارتفاع نسبة التضخم تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، فقد تراجع الدينار بنسبة تجاوزت 43 في المئة خلال السنوات العشر المنقضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عوامل عجز الميزان التجاري
وكان لانحدار قيمة الدينار تأثير مباشر في أسعار المواد الأساسية، وهذا ما دفع العديد من القطاعات الى المطالبة بتحسين أجورهم، إذ تعتبر كتلة الأجور في الوظيفة العمومية في تونس هي الأعلى من حيث النسبة، وتعود أسبابها للزيادة في الأجور بعد مطالب شعبية ونقابية وإضرابات قطاعية. كذلك ارتفاع نسق التوظيف في القطاع العام، إذ تضم الوظيفة العمومية في تونس حوالى 800 ألف موظف يتوزعون بين مؤسسات ومنشآت عمومية وقطاعات تابعة للدولة، وتبلغ كتلة الأجور 16.54 مليار دينار (6.12 مليار دولار)، أي ما يقارب 70 في المئة من الموارد المالية للدولة بحسب إحصاء الإدارة العامة للمصالح الإدارية والوظيفة العمومية، مما رفع العجز في موازنة الدولة.
الدينار التونسي يخضع للتعويم بطلب من صندوق النقد
يضيف حداد، "البنك المركزي التونسي استجاب لأحد أهم بنود الإصلاح التي طلبه صندوق النقد الدولي، وهو تعويم الدينار، وذكر أنه تم جزئياً ووقع بالفعل إخضاع الدينار لقاعدة العرض والطلب، ولكن ليس بالشكل الكلي، فقد حد المركزي التونسي من تدخله، وكان سابقاً يشتري الدينار بالعملة الأجنبية لتفادي انهياره، وسجل في الفترة الأخيرة نقصا في تدخله". لكن تجدر الإشارة إلى أن ذلك يعود أيضاً إلى النقص المسجل في احتياطي العملة الصعبة، الذي لا يسمح بالتدخل بطريقة كبيرة لإنقاذ الدينار.
كما أنه من غير المطروح حالياً فرض التعويم الكلي، فهو ليس شرطاً وليس مطروحاً من قبل صندوق النقد، بل من المفترض أن تسير تونس في التعويم تدريجياً، لأن التعويم الكلي سيجعل التضخم يرتفع بشكل غير مسبوق.
ورأى حداد، أن "البنك المركزي التونسي يتعامل مع الواقع الصعب بالأدوات المتاحة، واعتبره المؤسسة الأكثر استقلالية مقارنة بالمؤسسات الوطنية الأخرى في البلاد، لأن المشكل لا يتعلق بأدائه، بل يعود إلى عجز الميزان التجاري، وكلما تراجع الدينار ارتفعت كلفة الدين وكبر مستوى العجز."
اقتصاد معطل
كما نفى المتخصص الاقتصادي بقوله العلاقة القائمة بين الاقتراض وقيمة الدينار، وقال إن ما يهدد العملة هو إغلاق الاقتصاد الذي يؤثر في السيولة النقدية وعلى سعر صرف الدينار، ولكن ليس هناك تأثير مباشر به من الاقتراض.
وأوضح أن "الاقتراض في السابق كان يؤثر في الدينار لأن البنك المركزي كان يعتمد على العملة الصعبة لتصحيح سعر صرف الدينار، بينما سيستمر في النزول في ظل اقتصاد تونسي معطل وعدم إيجاد الطبقة السياسية حلولاً عاجلة وفعالة، وفي ظل أزمة سياسية وخلاف كبير بين الفرقاء السياسيين في أعلى هرم السلطة، ما يجعل المستثمرين يعزفون عن القدوم إلى تونس".
انكماش النشاط الاقتصادي 8.8 في المئة
وفي المقابل، وصف البنك المركزي التونسي في تقريره لشهر مارس (آذار) 2021 المؤشرات الاقتصادية والنقدية والمالية عقب انعكاسات أزمة "كوفيد-19" بالوخيمة، إلى جانب مناخ اجتماعي وسياسي لا يساعد في تخطي هذه الأزمة، وأفاد بأن هذه الظروف الصعبة أدت إلى تدن غير مسبوق لأداء النشاط الاقتصادي بتسجيل نسبة نمو سالبة بـ 8.8 في المئة خلال 2020، وأشار إلى استقرار التضخم عند مستوى4.9 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2021.