يبدو إحراز "أسرع معدل نمو في أكثر من 70 سنة" سبباً للاحتفال. وصحيح أن نمواً بنسبة 7.25 في المئة، وهو أحدث توقع يعلنه بنك إنجلترا لعام 2021، سيكون أكبر توسع في السنة التقويمية منذ عام 1941 عندما كانت بريطانيا تواصل زيادة الإنتاج لمكافحة التهديد النازي.
لكنه شيء لا يستحق الحماسة، ناهيك عن الاحتفال.
فعندما يتعلق الأمر بالتوقعات الاقتصادية، يتلخص أحد أسوأ ميول السياسيين والصحافيين في التركيز على معدلات التغيير وليس المستويات.
ولا يجب تذكيرنا أن اقتصاد المملكة المتحدة شهد عامه الأصعب في ثلاثة قرون من الزمن عام 2020 بسبب الجائحة العالمية والإغلاقات.
فانخفض ناتجنا الوطني، أو الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة مذهلة بلغت 21 في المئة بين الفصل الأخير من عام 2019 والفصل الثاني من عام 2020.
ولا يزال مستوى الناتج المحلي الإجمالي اليوم أدنى كثيراً (بنحو خمسة في المئة) مقارنة بمستواه نهاية عام 2019 قبل أن يتناهى إلى معظم البريطانيين أمر فيروس يسمى "كوفيد-19".
وحتى لو حقق الاقتصاد نمواً بالمعدل السريع تاريخياً الذي توقعه البنك على مدى الأشهر المقبلة، لن يكون بوسعنا بحلول نهاية هذا العام سوى أن نعود إلى ما كنا عليه قبل أن تضرب الأزمة.
"لقد مر عامان من دون نمو في الاقتصاد"، كما أكد محافظ البنك، أندرو بايلي، عن حق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويحدث الازدهار الاقتصادي حين ينمو الاقتصاد بسرعة أكبر مما كان متوقعاً من قبل. ولن يكون هذا بمثابة ازدهار، بل خروجاً لبريطانيا من حفرة عميقة للغاية.
لعل هذا يبدو تشاؤماً أكثر مما ينبغي. صحيح أن أحدث توقعات بنك إنجلترا أقوى من توقعاته في فبراير (شباط)، ما يعكس نجاح عملية طرح اللقاحات وقدرة الشركات في المملكة المتحدة على العمل بعد إغلاق رأس السنة في شكل أفضل مقارنة بالإغلاقات السابقة.
ويبدو أننا نخرج من الحفرة بسرعة أكبر من المتوقع، وهو أمر مرحب به بكل تأكيد.
والواقع أن التوقعات بشأن البطالة أفضل كثيراً، إذ يرجح البنك الآن أن تبلغ مستويات البطالة ذروتها عند 5.4 في المئة فقط هذا العام، بدلاً من الارتفاع إلى 7.8 في المئة، ما يعكس التمديد المتأخر لبرنامج الإجازات المدفوعة الذي أقره (وزير المالية) ريتشي سوناك في ميزانية مارس (آذار).
لكن الحصول على المنظور الصحيح لما يحدث في الاقتصاد أمر بالغ الأهمية لأنه يؤثر في القرارات المتعلقة بالسياسات الاقتصادية – وأيضاً التوقعات العامة.
فقياساً إلى مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي توقعناه قبل أن تضرب الجائحة، سيظل الاقتصاد يعاني حتى نهاية هذا العام. والواقع أن توقعات البنك الحالية ستشهد فجوة دائمة.
فحتى مع رفع مستوى توقعاته، يرجح البنك في أعقاب هذه الجائحة أن تبلغ الندبة الاقتصادية [الضرر] في الأجل البعيد 1.25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو 25 مليار جنيه استرليني (35 مليار دولار أميركي) بحلول عام 2023.
وهذا يمثل الضرر الذي لحق بالإنتاجية الوطنية نتيجة لانهيار استثمار الشركات العام الماضي وإهدار مهارات الناس وتعليمهم نتيجة للخلل المترتب على الجائحة. لكن هل هذا الناتج المفقود الدائم أمر حتمي لا مفر منه؟ لا يتصور العديد من المحللين الجادين أن الأمر ينبغي أن يكون على هذا المنوال. ويعتقدون بأننا سنتمكن من التعافي تماماً إذا كانت السياسة المالية التي ينتهجها وزير المالية أكثر توسعاً وأفضل تصميماً.
مستحيل؟ يتعين على هؤلاء الذين يميلون إلى الاعتقاد أن التعافي متعذر أن ينظروا إلى أحدث التوقعات الرسمية في الولايات المتحدة، حيث من المقرر أن يدفع الحافز المالي لإدارة بايدن البالغ تريليوني دولار مستوى الناتج المحلي الإجمالي الأميركي إلى ما يتجاوز مسار ما قبل الأزمة هذا العام – ومن دون توليد تضخم مفرط.
وفي سياق المملكة المتحدة، يتمثل الخطر المتمثل في الحديث عن الازدهار الاقتصادي والتركيز على معدلات التغيير، وليس المستويات، في أننا نخفض توقعاتنا في ظل اعتقاد خاطئ مفاده بأن السياسة الاقتصادية تبذل كل ما يمكننا أن نتوقعه منها في شكل معقول.
© The Independent