عاد النشاط إلى خطوط تهريب البشر عند الشوطئ غير المأهولة في لبنان. ولم يكن مفاجئاً قيام السلطات الأمنية اللبنانية بـ"منع مجموعة من القوارب من الإبحار أو بلوغ الوجهات النهائية لقوارب الصيد". فخلال مايو (أيار) الجاري، كشفت قوى الأمن الداخلي والقوى البحرية في الجيش اللبناني عن عمليات للهجرة غير الشرعية، وفي ذلك إشارة إلى توجه لقمع هذه التحركات التي تعرض حياة الساعين إلى الهجرة للخطر، ولكن في المقابل كان لافتاً إلى أن العمليات التي كشفت هي من "اللاجئين السوريين"، ما يفتح الباب للحديث عن توجه في أوساط هؤلاء للتعامل مع لبنان كوجهة إقامة مؤقتة، ريثما يتمكنون من بلوغ شواطئ أوروبا عند المحطة القبرصية.
توقعات أمنية بازدياد موجات الهجرة
في 20 مايو، أعلن الجيش اللبناني عن توقيف قارب على متنه 125 مهاجراً غير شرعي من النازحين السوريين، وأحبطت القوة البحرية المحاولة على بعد أميال في المياه الإقليمية اللبنانية مقابل شاطئ العريضة - عكار. وتتحفظ الأوساط العسكرية عن ذكر تفاصيل العملية، مؤكدة أن "الموضوع ما زال قيد التحقيق، وعند الانتهاء منه سيتم الإعلان عن المعلومات المتوافرة".
وفي العودة قليلاً إلى الوراء، تمكنت قوى الأمن في 4 مايو من توقيف 51 شخصاً من التابعية السورية (39 ذكراً راشداً، 5 نساء راشدات، و7 أطفال)، كانوا متجهين إلى قبرص عبر البحر.
وكشفت التحقيقات مع اللاجئين عن بعض نواحي العملية، فهم كانوا في انتظار القارب الذي كان يفترض أن يقلهم إلى قبرص. واعترف هؤلاء بدفع مبلغ 2500 دولار أميركي للمهربين لقاء مغادرة لبنان والوصول إلى الجزيرة الجارة قبرص، تدفع عند الوصول.
اشتبهت القوة بثلاثة أشخاص سوريين ضالعين بعملية التهريب غير الشرعية، وتبين أنهم على تواصل مع شخصين أحدهما موجود في لبنان، "أبو محمود"، وآخر في قبرص، وهو "أبو يعرب".
وتتوقع قوى الأمن الداخلي اللبناني اتساع عمليات الهجرة غير الشرعية خلال الفترة المقبلة، وتعيد السبب إلى عاملين، الأول هو عودة البحر إلى حالته الصيفية الهادئة، وعليه فإن العوامل المناخية تسمح بعمليات الإبحار الآمنة. والثاني هو أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في لبنان تسوء، وستشكل عامل ضغط على المواطنين واللاجئين، لذلك قد يحاول هؤلاء اللجوء إلى طرق متعددة لمغادرة البلاد ومن بينها الهجرة غير الشرعية.
الشباب يهاجرون من أجل أهاليهم
منذ أيام قليلة، عاد الشاب السوري رامي، البالغ من العمر 18 عاماً إلى منزل العائلة في المنية، واللاجئ كان قد خرج عشية ثالث أيام عيد الفطر، 15 مايو، مع مجموعة من السوريين نحو قبرص. في الطريق، حاولت دورية من الجيش اللبناني اعتراضهم، إلا أن "قائد السفينة كان مجتهداً، وتمكن من الهرب عبر المراوغة والوصول إلى قبرص". يعتقد مقربون من الشاب أن الجيش تمكن من جمع المعلومات عن القارب، وتم إرسالها إلى قبرص لإعادتهم. وبعد وصولهم إلى هناك تم جمعهم من أجل نقلهم إلى مكان آخر، وظن الركاب أنهم سينقلون إلى مركز لإيواء اللاجئين، وإذا بهم يعاودن بالقوارب إلى حيث نطلقوا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تشير عائلة الشاب إلى أنه كان على تواصل مع ابن عمه الموجود هناك، وشجعه. فالقريب السوري يعيش في قبرص منذ ثلاث سنوات. وأدى ضيق الحال إلى تشجيع الشاب للذهاب إلى هناك، وإرسال "50 أو 100 دولار شهرياً لأهله من أجل فك حالة الضيق التي يعيشونها".
لم تكن هذه الرحلة الأولى لرامي، فقد سبق أن كان أحد ركاب عبارة الموت التي انطلقت في أوائل سبتمبر (أيلول) 2020 التي تاهت في عرض البحر. وكان الشاب برفقة عمه الذي ضاقت به السبل، وعاش في حالة من الخطر والتهديد الأمني بسبب معارضته النظام السوري. يقول العم الذي كان ضابطاً في الجيش السوري قبل الثورة السورية، إنه خرج من لبنان آنذاك بسبب الأوضاع السيئة، وهو لم يقف في وجه ابن أخيه بشق طريقه في بلاد تؤمن الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة. ويكرر الرواية عن أناس فقراء هو واحد منهم، باعوا ما لديهم واستدانوا المال من أجل تأمين مبلغ للمهرب "الذي كان يقود القارب التائه آنذاك في عرض البحر".
تمثل تجربة العم نموذجاً لحال اللاجئ السوري الذي لم يعد في مقدوره تأمين الحد الأدنى من المعيشة، وهو يطمح إلى "الهجرة إلى الخارج" بأي طريقة، ولن يتأخر في ركوب مراكب الهجرة غير الشرعية وتعريض حياته مجدداً للخطر من أجل تحسين الأوضاع. وعلى الرغم من إدراكه خطورة ذلك، فإنه يعتقد أن "يحظى بشرف المحاولة".
الأوضاع تسوء
تشير إحصائيات الحكومة اللبنانية إلى وجود مليون ونصف المليون لاجئ سوري في لبنان. وحسب دراسة لمفوضية للأمم التحدة لشؤون اللاجئين، في عام 2020، فإن تسع أسر من كل عشر أسر سورية لاجئة تعيش في فقر مدقع، وحسب الأرقام بلغت نسبة هؤلاء 89 في المئة في عام 2020، مقارنة بـ55 في المئة من الأسر في عام 2019. ويشير هذا الرقم إلى تراجع سريع في أوضاع تلك الفئة من المقيمين على الأراضي اللبنانية. بالتالي، انعكست عليهم الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان. وتعيد الدراسة السبب إلى جملة عوامل "الانكماش الاقتصادي، التضخم، تفشي وباء كورونا، وانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020". وتشير الأمم المتحدة إلى أن هؤلاء اللاجئين يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومحدودية الوصول إلى التعلم عن بعد، وارتفاع نسب عمالة الأطفال، أو الوصول إلى الوثائق الرسمية.
وبعيداً من أرقام الأمم المتحدة، تشير المعلومات إلى أن السوريين يعملون في قطاعات البناء والمحال التجارية والمطاعم. وتراجع عدد العاملين السوريين، حسب التقديرات، من نحو 900 ألف عامل سوري، إلى 600 ألف عامل في عام 2020، وربما يعود ذلك إلى العوامل المالية والاقتصادية وضعف الحركة الإنتاجية في لبنان.
ولا تخرج حال اللاجئين السوريين والتوق إلى الهجرة بأشكالها المختلفة، عن الوضع العام في البلاد. ففي لبنان خوف جدي من تدهور الحال الاقتصادية والأمنية، وهناك كثير من العائلات تخطط للهجرة. في المقابل، لا يمكن إنكار المخاطر الناجمة من استمرار نزف الأدمغة والقوة العاملة في البلاد على مستقبل لبنان.