قررت الدولة المغربية أخيراً فتح المسارح وصالات السينما وقاعات العروض، بعد طول انتظار. وكانت قد رخصت بفتح المقاهي والمطاعم والأماكن العامة، وقبلها المرافق الاقتصادية والاجتماعية بالتدريج، ووفق شروط تحد من الاكتظاظ. غير أنها تركت الفضاءات الثقافية للحظة الأخيرة، قياساً مع عديد من البلدان العربية التي سمحت بعودة الحياة إلى هذه الفضاءات. وفي ظل ذلك التأخر تعالت نداءات أهل السينما والمسرح والفنون من أجل فتح قاعات العرض، خصوصاً أن مؤشر الوباء قد تراجع في المغرب على نحو كبير، فضلاً عن التقدم التدريجي في عملية التلقيح. وكانت نداءات المثقفين والفنانين قد اتخذت أشكالاً متنوعة، ما بين النداءات الفردية في الصحافة وعلى مواقع التواصل، وتوقيع العرائض الجماعية، وإصدار البيانات من لدن الهيئات والنقابات المعنية بالقطاع الثقافي والفني.
واستجابة لنداءات أهل الفن والثقافة قررت الحكومة السماح بتنظيم التجمعات والأنشطة في الفضاءات المغلقة (50) شخصا، والتجمعات والأنشطة في الفضاءات المفتوحة (100 ) شخص، مع ضرورة الحصول على ترخيص رسمي في حال تجاوز هذا العدد. وعليه شملت التدابير الجديدة افتتاح المسارح وقاعات السينما والمراكز الثقافية والمكتبات والمتاحف والمآثر في حدود 50 في المئة من طاقتها الاستيعابية.
وبفرح كبير تلقى نشطاء القطاع الثقافي والفني خبر عودة الحياة إلى المسارح وصالات السينما وقاعات العرض والمراكز الثقافية. لذلك توجهنا في "اندبندنت عربية" إلى مسؤولين عن قاعات العرض وممثلي الهيئات الثقافية لمعرفة مدى تفاعلهم مع هذا المستجد.
توقفنا في البداية مع مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمهنيّي الفنون الدرامية، خصوصاً أن هذه الهيئة أصدرت بياناً قبل أيام قليلة تطالب فيه بفتح قاعات العرض، محتجة على التأخر الذي عاد سلباً على القطاع الفني. اعتبر بوحسين أن فتح القاعات السينمائية "خبر محمود على الرغم من أنه جاء متأخراً، وسيسهم في استمرار الأعمال المسرحية، بخاصة أن جميع الأنشطة توقفت بسبب الجائحة، مما خلف آثاراً سلبية على المستويين الاجتماعي والثقافي". وأوضح أن "مجال المسرح والفنون الحية سيبقى متأثراً بالجائحة حتى ما بعدها. الأمر يتطلب القليل من الوقت، ويتطلب كذلك إجراءات مصاحبة، مثل عملية التلقيح التي تسير في طريق جيد، حتى يتمكن العمل الفني والثقافي من العودة إلى سابق عهده".
وتحدث مسعود بوحسين عن البيان الذي صدر في أواخر مايو (أيار) والذي جاء "كرد فعل على الاجتماع الذي عقدته الحكومة". إذ إن هذه الأخيرة "لم تُنصف مجال المسرح والفنون الحية، وأبقته ضمن النشاطات المغلقة، فبدا لنا أن هذه العملية لها خطورة على المشهد الثقافي، وعلى الحياة الاجتماعية للفنانين كذلك". لهذا "فمجال الفن والثقافة يجب ألا يعرف استثناءات، بالتالي فإن هذا البيان دعا إلى إنصاف المسرح والسينما حتى تعود الأمور إلى نصابها، وقد تحقق ما دعونا إليه".
المسرح بنصف جمهور
محمد بنحساين مدير المسرح الوطني محمد الخامس في الرباط، سألناه عن صدى القرار الجديد للدولة القاضي بفتح صالات العرض، فقال إن "فرح عودة الحياة إلى الصالات لا يعني فقط العاملين في القطاع، بل حتى المرافقين الذين لديهم ارتباطات بمجالنا. فهذا القطاع كما بقية القطاعات الأخرى، عرف ضرراً كبيراً، لكن النجاح الذي عرفته بلادنا في تدبير هذه الجائحة، طمأننا، وشكل أملاً في الرجوع إلى الحالة العادية، على أساس أن تعود الحياة إلى كل الشرايين الثقافية". ومن أجل نجاح هذه العملية، يشدد بنحساين على ضرورة "أن نتكاتف، مابين فنانين ومدبِّري الشأن الثقافي، ويظهر لي أن وزارة الثقافة والشباب والرياضة تسعى بشكل جدي إلى تخفيف العبء الذي كان يحمله الفنانون، عبر تقديمها لمبادرات قيمة".
يشير مدير المسرح الوطني إلى أننا أمام "مرحلة ثانية تتمثل في استرجاع الفنانين لأماكنهم، وكذلك عودة الجمهور إلى قاعات العرض"، موضحاً أن هذه العملية في بدايتها ستتم بـ"طريقة احترازية، بحيث تكون القاعات جاهزة فقط بـ50 في المئة من طاقتها الاستيعابية". لكن الأهم "إنجاح هذه المرحلة التي تمثل العودة التدريجية، حتى يعود الفنانون والمرافقون إلى أماكنهم، لأننا نعرف الضرر الكبير الذي يعاني منه المجال المسرحي والموسيقي، وغير ذلك من القطاعات المرتبطة ببعضها بعضاً، كالسياحة ومجموعة من المهن".
وعن الجمهور وتوقه إلى العودة إلى القاعات، يؤكد بنحساين بالفعل أن هناك تعطشاً من قبل الجمهور، "منذ أشهر وعشاق المسرح يسألون عن موعد العودة إلى القاعات مجدداً، ومهمتنا هي إنجاح هذه المرحلة الانتقالية، وتلبية نداء الشوق لدى محبي أبي الفنون".
التشكيل أقل تضررا
وغير بعيد من المسرح، طرحنا قضية أروقة الفن التشكيلي. فصرح لنا يونس المنصوري، مدير رواق أرتيم في الدار البيضاء، بأن "الرواق كان مفتوحاً، قبل الإعلان الحكومي الجديد، لكن عملية استقبال الجمهور كانت بشكل محدود، إذ لم يسمح بتجاوز ثلاثة زوار تقريباً أو أربعة في اللحظة ذاتها".
أما في ما يخص قرار استقبال عدد أكبر من الزوار، فكان بالنسبة إليه "خبراً مفرحاً استقبلناه بصدر رحب، وهذا الخبر جاء موازياً لتنظيمنا لمعرض الأسبوع المقبل مع أحد الفنانين الصاعدين. وكانت هناك تخوفات من قبل، لكن هذا القرار كان بمثابة فرج لنا، إذ سنعمل على استقبال الزوار وكذلك الأطفال، بحيث قررنا تنظيم فقرات مخصصة لهم حول مفهوم الفن والرسم".
عن الضرر الذي تعرضت له الأروقة بعد جائحة كورونا، يشير المنصوري إلى أنها "لم تعرف ضرراً كبيراً قياساً بالأنشطة الأخرى كالمسارح وقاعات السينما، أو كالمطاعم والمقاهي، إلا أننا عانينا من أضرار طفيفة تمثلت أساساً في قلة التواصل الذي يجمعنا بالزبائن".
عودة السينما إلى مكانها
إذا كان مجال الفنون التشكيلية عاش ضرراً أقل في زمن كورونا، فإن الفن السابع كان في المقابل أكثر المجالات الفنية والثقافية تضرراً. فالقاعات كانت مغلقة بالكامل طوال سنة وشهرين. يعبّر لنا الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم عن سعادته بعودة الفن السابع إلى مكانه الطبيعي، القاعات. متوقفاً عند ماعاناه هذا القطاع خلال عام وأكثر، "منذ حلول الوباء إلى الآن، تكبد الفن السابع في هوليوود وفي جميع أنحاء العالم خسائر كبيرة، وتدنى مستوى الإنتاج وأغلقت القاعات السينمائية، وحتى حينما عادت للاشتغال، لم تعد كما كانت عليه قبل الوباء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مقابل إغلاق القاعات انتعشت المنصات الرقمية كـ"نتفليكس" وغيرها، وشهدت إقبالاً كبيراً لم تعرف مثله من قبل، مرجحة كفة العروض المنزلية والذاتية والشخصية، وساحبة البساط من القاعات السينمائية ذات العروض الجماعية. هذا ما يؤكده الناقد المغربي، فمصائب القاعات الواقعية فوائد عند القاعات الافتراضية.
يقول السينمائي المغربي، "بما أن المغرب، وهو البلد العربي، بعد مصر، الذي يشهد منذ سنوات، نهضة سينمائية ملحوظة لا من حيث الإنتاج المحلي الذي تسانده الدولة بدعمه مالياً بما يسمى التسبيق على المداخيل، ولا بصفته واحداً من بين أهم الوجهات التي تقصدها الإنتاجات الهوليوودية الضخمة وغيرها لتصوير أفلامها وسلسلاتها، إضافة لدور العرض التي على الرغم من الانخفاض الذي شاهدته خلال العقدين المنصرمين، مقارنة مع العدد الذي كانت عليه، فإنها ظلت متنفساً للسينما المغربية التي وصل الإنتاج فيها لما يعادل الثلاثين فيلماً طويلاً سنوياً".
اشار واكريم إلى أن الحركة السينمائية توقفت في المغرب منذ تفشي الوباء، أما بعد سماح السلطات بفتح القاعات السينمائية من جديد، ستعود أيضاً المهرجانات التي تعد في المغرب رافداً مهماً للحركة السينمائية، بحيث يعقد في المغرب طيلة السنة زهاء ثمانين مهرجاناً وملتقى سينمائي مابين مهرجانات كبيرة ومتوسطة وصغيرة على طول خريطة المملكة، وحتى في بعض المناطق النائية التي لا يمكن لسكانها الوصول إلى الفرجة السينمائية الجماعية كما هو متعارف عليه سينمائياً".