تشهد الساحة السودانية هذه الأيام نقاشات واسعة حول وضعية وقانونية قوات الدعم السريع التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إذ عدها البعض مجرد ميليشيات أسسها النظام السابق لردع خصومه في حرب دارفور، مما يستدعي الأمر سرعة تفكيكها ودمجها في الجيش السوداني في إطار مشروع الترتيبات الأمنية الجاري تنفيذه بموجب اتفاق السلام الموقع بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في عاصمة جنوب السودان جوبا مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
لكن ما سر تأسيس قوات الدعم السريع، والمهمات التي أوكلت إليها، وما وضعها القانوني، وهل شكلت إضافة حقيقية للمنظومة العسكرية في السودان، وما مستقبلها في ظل تعدد الجيوش داخل هذا البلد؟
حماية النظام
يقول نائب رئيس هيئة الأركان والمتحدث الرسمي الأسبق للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن محمد بشير سليمان، "تكونت قوات الدعم السريع في عهد النظام السابق كميليشيات تحت مسمى (الجنجويد)، لتساعد القوات المسلحة في مهمات محددة توكل لها، على أن تكون تحت مظلة وأحكام قانون القوات المسلحة السودانية، وأن تأتمر بأمرتها، ويجري تدريبها وفق المنهج المعد لها، وأن يحاسب أفراد هذه القوات بموجب قانون المؤسسة العسكرية السودانية، على أن تُحل بعد الانتهاء من مهماتها، ودمجها في الجيش السوداني".
ولفت سليمان إلى أن قوات الدعم السريع "بدأت مهماتها في دارفور، واتهمت بانتهاكات لحقوق الإنسان، واستخدمها نظام البشير لردع المخالفين له والمعارضين سياساته، ودعمه لتمكينه في الحكم، وقد ظل البشير يعتمد عليها في حمايته ونظامه، ويخصها بالإطراء والثناء في كثير من المناسبات، لكن جميع الإجراءات التي تتبعها وتتخذها هذه القوات غير سليمة، لأنها نشأت في ظل حكم ديكتاتوري شمولي، ولا علاقة لتأسيسها بالأمن القومي، بل كرست مهماتها بالدرجة الأولى لحماية البشير ونظامه المستبد".
وتابع، "كان من الواجب أن تحل هذه القوات بعد سقوط النظام السابق مباشرة، لأن الثورة الشعبية التي أطاحت البشير في أبريل (نيسان) 2019، قامت على شعار الحرية والسلام والعدالة، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، إذ لا توجد دولة ديمقراطية في العالم لها جيشان، فوضع هذه القوات يشبه ذات النهج الذي اتبعته إيران في الحرس الجمهوري من حيث المهمات والفكرة. كما أن طريقة منح الرتب العسكرية لهذه القوات لم تتم على أسس ومنهج القوات المسلحة السودانية".
خطأ فادح
وأضاف سليمان، "أعتقد أن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه القوات المسلحة بعد سقوط البشير، عدم تسليم الحكم إلى أصحابه من المدنيين، فلجأت قيادات الجيش للتحالف مع قوات الدعم السريع، بدلاً من اغتنام هذه الفرصة بدمج هذه القوات في المنظومة العسكرية، وأن يلتزم الجيش بمهماته المحددة في حماية الأمن القومي، والمساعدة في الحفاظ على الديمقراطية الجديدة، والتأسيس السليم للفترة الانتقالية. كما زاد الطين بلة عدم التزام قوى الحرية والتغيير بما جاء في الوثيقة الدستورية التي نصت على دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة". منوهاً إلى أن الأخطر من ذلك أن الترتيبات الأمنية التي وردت في اتفاق السلام بجوبا اعتبرت قوات الدعم السريع جزءاً من قوات الحركات المسلحة، مما يجب دمجها وفقاً للترتيبات المتفق عليها.
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع لم تكن إضافة للجيش السوداني، بل كانت خصماً عليه من ناحية مخصصاتها وتسليحها وغيرها من الميزات، إذ "أثرت مجمل هذه الأشياء على معنويات الجيش السوداني، وظهر ذلك جلياً في أدائه"، مبيناً أن وضع قوات الدعم السريع بشكله الحالي "يهدد الأمن القومي، لأنها نشأت في ظل أجواء من الصراع من ناحية تكوينها وتسليحها والدعم اللوجيستي".
وبين المتحدث الرسمي الأسبق للقوات المسلحة السودانية، أن معالجة هذا الوضع تتطلب من القوى الحاكمة "إكمال مؤسساتها، خصوصاً المجلس التشريعي، باعتباره الجهة المخول لها إصدار قوانين وتشريعات لمعالجة كل الأخطاء، ووضع قانون يجري بموجبه هيكلة القوات المسلحة، فضلاً عن أن الأمر يحتاج إلى حكمة وطنية ودولة ديمقراطية حقيقية".
قوة منفصلة
وفي المقابل، يقول الباحث السوداني في الشؤون العسكرية اللواء مهندس ركن أمين إسماعيل مجذوب "ملف الترتيبات الأمنية أصبح من الملفات الرئيسة وذات الأولوية في السياسة السودانية لارتباطه بتنفيذ اتفاق السلام، ومستقبل الدولة السودانية، وقد نص الاتفاق الموقعة في جوبا على أن يجري تكوين جيش سوداني واحد وبعقيدة جديدة، وقد تمسكت جميع الحركات المسلحة بهذا الأمر بعد توقيعها على هذا الاتفاق، وعادت بقواتها إلى الخرطوم، من منطلق أن تتم الترتيبات الأمنية لكل القوات العسكرية وشبه العسكرية التي تقع خارج دائرة القوات المسلحة السودانية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد مجذوب، "لكن برز أن هناك رأياً مخالفاً من قيادة الدعم السريع يشير إلى أنها قوة منفصلة تتبع القائد العام للجيش السوداني بصورة مستقلة، وهو أمر لديه تبعاته الدولية والإقليمية، إذ هناك قانون التحول الديمقراطي الصادر من الكونغرس الأميركي، إضافة إلى قانون الحصانة، وكلاهما يتحدث عن وجود جيش قومي واحد، بغض النظر عن أي مسميات أو تكوينات أخرى".
وبين أنه على الرغم من الإجراءات التي قام بها النظام السابق، ويجري مراجعتها حالياً أو تمت مراجعتها بالفعل، لكن معلوم أن "تكوين قوات الدعم السريع كان يتعلق بمسألة أمنية في وقت معين، ثم تمت تبعيتها للقائد العام للجيش السوداني الذي كان في ذلك الوقت هو الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وهو ما أحدث هذا الارتباك القائم الآن، لكن هذا الأمر إذا لم يتم التعامل معه برؤية ثاقبة، فقد يؤدي إلى انهيار اتفاق السلام، إذ إن الحركات المسلحة جميعها تتحدث عن ضرورة أن يجري الترتيب الأمني لجميع المكونات المسلحة من دون استثناء، بل ربطت خروجها من الخرطوم بخروج كل المجموعات المسلحة".
سيناريوهات متوقعة
ويعتقد مجذوب أن السيناريوهات المتوقعة لحسم هذا الملف جميعها سوداء، مقابل سيناريو واحد يمكن أن يحفظ للبلد أمنها واستقرارها، وهو أن "يجري دمج كل المكونات العسكرية بما فيها الدعم السريع داخل القوات المسلحة، مع مراعاة وضعها بصورة خاصة، بحيث تكون بمثابة وحدة عسكرية من وحدات القوات المسلحة، بأن تتبع لقيادتها بصورة منفصلة حتى يتم توفيق أوضاع منسوبيها من الضباط والجنود".
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في "رفض قيادة قوات الدعم السريع مسألة الدمج في القوات المسلحة السودانية، والاتجاه في طريق قانوني في محاولة لإثبات قانونيتها، وهذا أمر طويل يستغرق كثيراً من الوقت، وقد يتخلل هذا السيناريو مضاعفات، باعتبار أن الفصائل الأخرى قد لا تجري لها ترتيبات أمنية تضطرها إلى الضغط على الحكومة السودانية، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار اتفاق السلام".
في حين يقود السيناريو الأسود إلى "حدوث صراع بين المكونات العسكرية الموجودة، وهذا يؤدي إلى حرب أهلية، مما يعني تفكيك السودان، وهو سيناريو غير مرغوب فيه".
وأكد الباحث في الشؤون العسكرية أنه في ظل هذه التداعيات "قد يحدث تدخل خارجي لإذكاء الصراع أو تحديد مسار للأزمة، فهناك دول تتحدث عن أن هناك صراعاً وتوتراً بين القوات المسلحة والدعم السريع، ودول أخرى تتحدث عن أهمية الترتيبات الأمنية، وهكذا، لكن في رأيي أن هذا الأمر يهم السودانيين جميعاً، بالتالي لا بد من الحكمة والإرادة السياسية، فضلاً عن تقديم جميع الأطراف المعنية تنازلات حتى يتم تسوية هذا الملف المهم، ومن ثم الخروج فعلياً بقوات مسلحة قومية تتناسب مع طبيعة المرحلة الجديدة في البلاد".
صحة التوتر
وكانت شائعات راجت خلال اليومين الماضيين في وسائل الإعلام السودانية تفيد بوجود توتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكن سارع الطرفان إلى إصدار بيانين منفصلين نفيا فيه ما تردد عن وجود توتر بينهما، إذ ذكر العميد الطاهر أبو هاجة المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة السودانية أن "ما أوردته بعض الوسائل عن وجود توتر بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع لا أساس له من الصحة"، مشدداً على أنهما "يعملان بتناغم وانسجام تام".
واعتبر أبو هاجة أن "نشر الإشاعة الغرض منه خلق فتنة، وهي تعبر عن حال الإحباط التي تعانيها بعض الجهات بعد فشل مخططاتها الشريرة من مسيرة الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، والتي تمت بصورة حضارية دونما توقع تلك الجهات".
من جهته، قال العميد ركن جمال جمعة آدم المتحدث الرسمي باسم قوات الدعم السريع السودانية، إن "ما راج في مواقع التواصل الاجتماعي عن توتر العلاقة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إشاعة ذات مقصد معلوم تهدف إلى خلق بلبلة وفتنة، ومن أطلقها لا يريد خيراً للبلاد، إذ أزعجته ما تقوم به قوات الدعم السريع وقائدها من عمل وطني خالص".
وأضاف، "نثق في فطنة شعبنا الآبي وندعوه إلى تفويت الفرصة على من يتربص بثورته المجيدة"، مؤكداً أن قوات الدعم السريع هي "جزء لا يتجزأ من قوات الشعب المسلحة، ستظل على العهد حامية للثورة، وتقف إلى جانب الشعب في كل كبيرة وصغيرة. ولن تثنيها مثل هذه الإشاعات عن القيام بواجبها الوطني في حماية الشعب".