لا يزال الجدل يحتدم في مصر حول شهادة أحد أشهر دعاتها "السلفيين" محمد حسين يعقوب أمام محكمة مصرية، كانت تنظر الثلاثاء الماضي القضية المعروفة إعلامياً بـ "خلية داعش إمبابة"، بعد أن استدعته المحكمة للشهادة في ما قاله المتهمون إنهم "اعتنقوا أفكاره، وإن مبادئه كانت وراء تحولاتهم الفكرية وانتمائهم إلى التنظيم".
وبعد تخلفه عن الحضور في جلسة مايو (أيار) الماضي، وتغريمه ألف جنيه (نحو 67 دولاراً أميركياً)، حضر يعقوب إلى المحكمة على كرسي متحرك، ولاقى حديثه إلى هيئتها حول رأيه في جماعة الإخوان المسلمين وقادتها التاريخيين، والتنظيمات "الجهادية"، ونفيه انتماءه إلى الفكر السلفي، وتأكيد أن دروسه تتحدث فقط عن العبادة والتقرب إلى الله، واتباع سنة النبي محمد، موجة تفاعل واسعة في الأوساط المصرية والإسلامية.
وبين الاستنكار والترحيب لردود الفعل على "حديث يعقوب" من النشطاء والكتاب على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، وتقديم دعاوى قضائية جديدة تطالب بسجن "الداعية" الستيني، اعتبرت دار الإفتاء المصرية على لسان مستشار المفتي مجدي عاشور، أن "العقود الماضية كانت زمناً خصباً لظهور دعاة مثل يعقوب يمارسون الفتوى حتى الآن، ساعين لتشويه صورة العالم الأزهري الحقيقي"، مضيفاً أن "حديث يعقوب أمام المحكمة مجرد ادعاءات، وتوجد كثير من التناقضات التي وقع فيها، وهذه التناقضات تدل على أنه قد يكون جاهلاً، ويظن أنه عالم، وأفكاره امتداد لفكر الخوارج".
ماذا قال يعقوب؟
خلال جلسة محاكمة 12 متهماً، أشارت التحقيقات إلى تورطهم في محاولة "تأسيس وإدارة خلية داعشية في منطقة إمبابة في الجيزة جنوب القاهرة، والدعوة إلى تكفير الحاكم وشرعية الخروج عليه، وتغيير نظام الحكم بالقوة والاعتداء على القضاة وأفراد القوات المسلحة والشرطة ومنشآتهم، واستهداف المنشآت العامة، واستباحة دماء المسيحيين واستحلال أموالهم وممتلكاتهم ودور عبادتهم".
ونفى الداعية، صاحب الـ 65 سنة، انتماءه إلى الفكر السلفي أو إفتاءه في أي أمر، موضحاً أنه لم يتخصص في الحديث أو الفقه، وكل ما يقوله لا يتعدى اجتهادات شخصية من قراءاته. لافتاً إلى أنه بدأ الخطابة عام 1978 على المنابر ومن خلال أشرطة الكاسيت، وأنه "لا يفتي ويسأل العلماء ويستشيرهم، وليس له علاقة بالسياسة، ولا ينتمي إلى أي حزب أو جماعة".
ومن بين أبرز مقولات الشيخ يعقوب خلال جلسة المحاكمة التي أثارت جدلاً، رده على سؤال عن تأثر المتهمين بالفكر التكفيري و"الداعشي"، وإقرار أحدهم بأنه يستقي أفكاره من خطب الدعاة محمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومصطفى العدوى وأبو إسحاق الحويني، وأنه يعتبر أن "الجهاد فى سبيل الله يتمثل في ارتكاب عمليات إرهابية"، إذ نفى علمه بذلك. وقال "هذا ضلال"، نافياً علمه كذلك بالتنظيمات الإرهابية، مثل القاعدة و"داعش".
كما نفى يعقوب معرفته بزعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، أو قضيته، قائلاً بشأن حكم الانضمام إلى "الجماعات الإرهابية"، "لا أدري، لأنني لا أستطيع أن أحكم عليهم بأن ما يفعلونه صح أم خطأ"، وإن "ادعاءات الجماعات الإرهابية" بأن مصر لا تنفذ الشريعة الإسلامية، هو "كلام خطأ شكلاً ومضموناً".
كذلك أثار حديثه عن جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها السلطات المصرية "إرهابية" جدلاً، إذ قال إن "حسن البنا (مؤسس الجماعة في عشرينيات القرن الماضي) أسس الإخوان لعمل الخلافة والوصول إلى الحكم لإعادة الخلافة، ولا يجوز اتباع شخص إلا النبي، ولا اتباع جماعة إلا جماعة النبي". وتابع أن "سيد قطب، (أحد أبرز منظري الإخوان)، كان شاعراً وأديباً، ولم يتفقه في علوم الدين، ولم يتعلم على يد شيخ".
وعن سؤاله عن معنى جهاد الكلمة، قال يعقوب، "أن نكثر من وجود الصالحين، لكي لا تهلك الأمة. أنتمي إلى المذهب الحنبلي، لا يوجد الآن خليفة، لعدم إجماع المسلمين على خليفة في العالم كله، ولكن رئيس الدولة ولي أمر"، وعند سؤاله في شأن هل عبارة "الدولة التي لا تطبق الشريعة الإسلامية على خطأ أم صواب؟"، رد "لا يمكن الحكم عليها بالخطأ أو الصواب إلا بعد معرفة موضعها في الحديث". كما أكد أنه لا يعلم عن وجود "فكر سلفي تكفيري"، وأن دوره فقط "الدعوة إلى كتاب الله وأن يعمل صالحاً"،
وأثار حديث يعقوب عن عدم كونه "عالماً"، وأنه "حاصل على دبلوم معلمين (مرحلة دراسة متوسطة كانت تعقب الإعدادية في مصر، وتؤهل حامل شهادتها للعمل معلماً في المرحلة الابتدائية فحسب) وهو فقط قرأ في كتب كثيرة"، مضيفاً، "الناس يقسمون إلى علماء وعباد، وأنا في العباد، ومنذ بدايتي حين يسألني أحد أقول له اسأل العلماء، وكل ما أقوله هو اجتهادات شخصية مما قرأت"، جدلاً آخر حول عشرات الآلاف من المقاطع والتسجيلات المنتشرة ليعقوب على الإنترنت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب يعقوب، فقد بدأ الخطابة في الناس عام 1978، و"كانت تلك الخطب والدعوات من خلال منابر المساجد وأشرطة الكاسيت، وقنوات التلفزيون، وكان مبتغايا هو الله".
وحضر يعقوب الجلسة، بعدما قررت الدائرة الخامسة إرهاب، بمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ المصرية، في جلسة الـ 11 من أبريل (نيسان) الماضي، استدعاء كل من الشيخين محمد حسان ومحمد حسين يعقوب لسماع شهادتيهما في قضية "خلية داعش إمبابة" بناءً على طلب الدفاع، لسماع أقوالهما ومناقشتهما في الفكر والمنهج الذي يتبعانه أمام المحكمة.
وبعد شهادته سمحت المحكمة لـ "يعقوب" بالانصراف، وأعفته من الغرامة المقررة في حقه، بعد أن التمس دفاعه إلغاءها، فيما تنتظر المحكمة التقرير الطبي للشيخ محمد حسان، لتحديد موقفه من الحضور للشهادة في جلسة الـ 8 من أغسطس (آب) المقبل.
الجدل يحتدم حول "حديث يعقوب"
وعلى وقع شهادة الداعية احتدم الجدل على مدار الأيام الثلاثة الماضية، داخل مصر وخارجها، بالنظر إلى تأثير الرجل السابق الذي استمر عشرات السنين، إذ تداول النشطاء والمغردون على مواقع التواصل مقاطع مصورة لمواقف سياسية سابقة لحسين يعقوب وآراء بدت من وجهة نظر البعض "متطرفة وتدعو إلى تكفير المجتمع"، كما انتشر هاشتاغ #تجار_الدين ضمن حملة انتقاد واسعة طالت الداعية وآخرين يذيع صيتهم في المجتمع المصري.
وبحسب مراقبين، بدت إجابات الرجل في المحكمة صادمة لكثيرين على رأسهم أنصار التيار السلفي، وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن أولئك المناوئين للتيارات الإسلامية، وعليه انتشرت التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، بين من اعتبر "حديث يعقوب" يكشف عن حقيقة أفكاره، وبين من رآه يتنصل من إرث آرائه التي قادت إلى نشر "التطرف".
ومن بين آرائه السابقة، أعاد المغردون نشر مقاطع مصورة للشيخ تضمنت مواقف سياسية تعود إلى السنوات الأولى بعد احتجاجات 2011، التي قادت إلى إطاحة نظام الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، ومن بينها موقف يعقوب من التعديلات الدستورية في 2011، حينما وصف الاستفتاء عليها بـ"غزوة الصناديق"، وكان من الداعين بالتصويت بـ (نعم) على التعديلات، وقال جملته الشهيرة: "وقالت الصناديق للدين نعم".
ولم يتوقف الجدل عند تذكر البعض فتاوى يعقوب بالتحريم، بل امتد إلى تصريحاته عن سيد قطب القيادي الإخواني ومنظّر الجماعة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لوصفه إياه بالشاعر والأديب. كما نشر البعض فيديوهات ليعقوب، وهو يدعو إلى التصويت لصالح الرئيس المصري الراحل المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي في رئاسيات 2012.
واستنكر البعض في شهادة يعقوب أنه "على الرغم من كونه ليس عالماً ولا مفتياً، ولم يدرس العلم، فإنه كان يتصدر للفتوى وللكلام في اﻷحكام الشرعية، وكان يتطرق إلى قضايا في غاية الخطورة مما يتعلق في الشأن العام واﻷمور الشرعية العميقة".
وكتب الشيخ أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، على صفحته على مواقع التواصل عن حديث يعقوب أمام المحكمة "مشهد كارثي بكل المقاييس"، وكذلك كتب الصحافي الكاتب المصري محمد الغطريفي، "لم يسقط محمد حسين يعقوب بمفرده، بل أسقط أسطورة زرعت في مصر عبر عقود. أراد أن ينقذ نفسه فهوت معه سنوات خاصمت التاريخ عومل فيها بشر على أنهم لا ينطقون عن الهوى".
وقال كمال حبيب، القيادي السابق في جماعة الإخوان، عن الشهادة إنها "سقوط لظاهرة المشيخة السلفية، وهي تتلقى من الدولة ضربة محكمة في أحد رموزها الكبار"، وتابع على صفحته في "فيسبوك"، "الدولة تضرب بلا هوادة هذه الظاهرة، وتحاول أن تتبنى بديلاً يملأ الفراغ الذي سيخلفه، وهذا البديل الآن هو الصوفية".
من جانبها، اعتبرت دار الإفتاء المصرية على لسان مستشار المفتي مجدي عاشور، "العقود الماضية كانت زمناً خصباً لظهور دعاة مثل يعقوب"، وذكر عاشور، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، أن "التناقضات التي جاءت في شهادة يعقوب تدل على أنه قد يكون جاهلاً، ويظن أنه عالم، وأفكاره امتداد لفكر الخوارج"، مستنكراً ما اعتبره "أكاذيب رواها يعقوب أمام القاضي بعد تنصله من دخول شباب إلى المجهول بسبب أفكاره".
وتابع، "مثل هؤلاء الشيوخ يرون أنهم جنس، وباقي البشر من جنس آخر، ويعقوب كان يظهر وكأنه الحامي للرسالة الربانية، ولولا مبدأ التقية لكانت شهادته موضوعاً للدراما".
ملاحقة قضائية
في الأثناء، كان من بين التبعات التي خلفتها شهادة الشيخ يعقوب أمام المحكمة، تقديم أكثر من دعوى قضائية تطالب بمحاكمته لـ "ممارسة الخطابة والدعوة على المنابر وشاشات التلفزيون بمؤهل متوسط، والتربح من ممارسة الدعوة وبيع الخطب وإعلانات الفضائيات، وقبول هدايا وتبرعات المريدين، واستغلال الدروس الدينية في الزواج من القاصرات".
والأربعاء الماضي، كانت أولى الدعاوى القضائية التي تقدم بها المحامي المصري هاني سامح إلى النائب العام، وجاء فيها، أن ما ورد بشهادة يعقوب وإقراره بمزاولته الخطابة والدعوة على المنابر وشاشات التلفزيون وغيرها من الوسائل، على الرغم من كونه حاصلاً على "دبلوم المعلمين" في سبعينيات القرن الماضي لا غير، أدت إلى تقسيم المجتمع إلى فئات تقاسمها مع "دعاة إرهاب" آخرين، وطالبت بحبسه.
وذكرت الدعوى أن يعقوب "تربح من ممارسة الدعوة وبيع الخطب وإعلانات الفضائيات وقبول هدايا وتبرعات المريدين، على الرغم من كونه ممنوعاً رسمياً من الخطابة، وكذا شهادات أقرانه في استغلال دروسه في الزواج من العذارى الصغيرات، وقد بلغ من تزوج بهن أكثر من 30 عذراء على الرغم من كهولته"، على حد وصف الدعوى التي استندت إلى القانون 51 لسنة 2014، في شأن تنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية.
وينص القانون المصري 51 لسنة 2014 في مادته الأولى على أن تكون ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد وما في حكمها من الساحات والميادين العامة وفقاً لأحكام هذا القانون، فيما تنص المادة الثانية بأنه لا يجوز لغير المعينين المتخصصين في وزارة الأوقاف والوعاظ في الأزهر الشريف المصرح لهم، ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد وما في حكمها. وطالب البلاغ بالتحقيق مع يعقوب لممارسته الدعوة من دون ترخيص.
نجله يرد "فهم خطأ"
وعلى إثر موجة الجدل والتفاعل المستمرة، كتب علاء الدين يعقوب، نجل الشيخ حسين يعقوب، على صفحته في "فيسبوك"، رداً على حالة الجدل المثارة بشأن شهادة والده، معتبراً إياها "مغالطات وفهم خاطئ واجتزاء لكلام الشيخ يعقوب".
وبحسب ما أورده نجل يعقوب فإن كلامه "ليس دفاعاً عن والده، لكن شهادة لما رأيته بعيني وسمعته بأذني في محاكمة قضية داعش إمبابة، التي كان مطلوباً فيها الشيخ للشهادة، وأن كتابته التوضيح هو الهجوم غير المبرر الذي تعرض ويتعرض له من بعض وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي".
وذكر علاء الدين، أن "جميع الانتقادات التي وجهت إلى والده اعتمدت على وسائل الإعلام، وأغلب أصحابها لم يحضروا الجلسة أصلاً، ولا يعرفون ما جرى فيها، ووسائل الإعلام وكلامهم في النقل عنه أثناء الإدلاء بشهادته مقتطع من سياقه"، مضيفاً أن من يقول إن الداعية تبرأ من علمه، فهذا "غير صحيح بل قال عن نفسه أنا لست من العلماء، أنا داعية أخاطب عامة الناس، وهذا لا يعني أنه تبرأ من علمه"، وتابع، "كما أنه لم يتبرأ من انتمائه السلفي، بل حينما سألته المحكمة هل أنت سلفي؟ قال، نعم، أنا سلفي، ولما سأله القاضي عن مذهبه، قال، أنا حنبلي، ولم يقل أنا لا أعرف شيئاً عن السلفية، بل شرحها ووضح مفهومها، لكن حينما سُئل عن السلفية التكفيرية قال، لا أعرف عنها شيئاً، بالتالي لم يتبرأ من السلفية كما يقال".
ومن بين ذكره علاء الدين، من ردود قوله "حين سأل القاضي والده عن قتال الشرطة والجيش، قال الشيخ، إنه لا يجوز شرعاً"، مؤكداً حرمة دماء المسلم وغيره، ولم يراوغ في الرد على هذا السؤال كما أشيع. داعياً المنتقدين إلى الرجوع لشهاد "يعقوب كاملة دون اجتزاء من سياقها".