يعوّل التونسيون على المنظمات الوطنية الكبرى، التي لعبت دوراً محورياً في نزع فتيل أزمة سياسية خطيرة، كانت تهدد أمن البلاد عام 2013، لإخراج تونس من أزمتها الراهنة، وقد حصلت هذه المنظمات على جائزة نوبل للسلام، لدورها في الحوار الوطني، الذي قادته في تلك الفترة، وأدى إلى إنهاء منظومة حكم، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في سنة 2014. فهل تنجح المنظمات الوطنية نفسها في إنقاذ تونس من أزمتها الراهنة؟ وفيم يختلف حوار 2013 عن الحوار الحالي؟
في 2013، قامت أربع منظمات وطنية برعاية الحوار الوطني السياسي بين الحكومة والأحزاب المعارضة، للوصول إلى توافق سياسي يُخرج البلاد من شبح الفوضى على إثر موجة الاغتيالات السياسية التي شهدتها تونس آنذاك (شكري بالعيد ومحمد الإبراهمي).
وشملت مبادرة الرباعي الراعي للحوار عدة محاور، تركزت أساساً على تسوية الأزمة السياسية، ودعوة الفرقاء السياسيين إلى القبول بتشكيل حكومة كفاءات وطنية برئاسة شخصية مستقلة، على أن لا يترشح أعضاؤها للانتخابات، وبأن تتعهد "الترويكا" الحاكمة وقتها (حركة النهضة، والتكتل من أجل العمل والحريات، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية) حينها بتقديم استقالتها.
كما دعت المبادرة جميع الأحزاب السياسية الفاعلة في المشهد السياسي إلى الاتفاق على الشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة.
المسألة الاقتصادية والاجتماعية
في 2021 يبدو الوضع مختلفاً، فالحوار الوطني اقترحته في البداية أحزاب سياسية، ثم تقدم الاتحاد العام التونسي للشغل رسمياً بمبادرة الحوار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وقبِلها رئيس الجمهورية، إلا أن البلاد دخلت في أزمة التعديل الوزاري الذي رفضه رئيس الدولة، بسبب شبهات فساد تحوم حول بعض الوزراء المقترحين، على الرغم من نَيْلهم ثقة البرلمان.
الحوار الوطني هذه المرة، ولئن اهتم بالمسألة السياسية، إلا أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية ستكون حاضرة بقوة، نظراً إلى تدهور المالية العمومية، وتراكم الديون الخارجية، علاوة على ما يعانيه التونسيون من شظف العيش، بسبب السياسات الاقتصادية الضاغطة على القدرة الشرائية للمواطن، وسط تنامي البطالة، واتساع رقعة الفقر.
ويؤكد المختصون في الاقتصاد أن الحوار الوطني يجب أن تشارك فيه خبرات اقتصادية من أجل وضع حد للنزيف الذي تعيشه البلاد اقتصادياً، ونتائجه الاجتماعية الخطيرة على السّلم الاجتماعي.
يقول محمد علي البوغديري، الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الاتحاد نبه الجهات المعنية إلى خطورة الوضع الاقتصادي ومنسوب التوتر الاجتماعي الذي بلغ مداه"، داعياً إلى إيجاد "حلول عاجلة" من خلال الحوار ومن باب تحمّل المسؤولية الجماعية.
وأشار إلى أن البيان الختامي للهيئة الإدارية لاتحاد الشغل كان واضحاً، وطالب الرئاسات الثلاث (الجمهورية، والبرلمان، والحكومة) بضرورة الحوار من أجل إيجاد الحلول لهذه الأزمة، والتقليص من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.
توسيع مشاركة المنظمات
وحول التنسيق مع بقية المنظمات الوطنية، أكد البوغديري أن المشاورات "لم تنقطع مع الرباعي الراعي للحوار الوطني"، لافتاً إلى إمكانية توسيعها "لتشمل اتحاد الفلاحين، وأيضاً النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، من أجل ممارسة مزيد من الضغط على الطبقة السياسية حتى تعود إلى رشدها، ويعوا أن التونسيين ضاقوا ذرعاً بالوضع الذي يمرون به"، مشيراً إلى أن الاتحاد، "يحذر من انفجار اجتماعي قد ينسف كل ما تحقق في تونس بعد 2011".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد الوغديري على أن الاتحاد العام التونسي للشغل موجود بين عموم التونسيين وبين الكادحين في المصانع وفي مؤسسات الإنتاج، من خلال نحو 15 ألف تشكيلة نقابية في تونس، وأكثر من 70 ألف مسؤول نقابي، وهو على اطلاع على هشاشة الوضع الاجتماعي. محذراً من خروج الوضع عن السيطرة، لأن "الطبقة السياسية تلاعبت بالشعب وتنكرت له" حسب تعبيره.
ولئن عبر الأمين العام المساعد في الاتحاد، عن تفاؤله في الخروج من هذه الأزمة، فإنه أشار إلى ضرورة توافر القيادة الرشيدة الصادقة لهذا الحوار، لمقاومة لوبيات الفساد والمتهربين من دفع الضرائب.
رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان مستعدة
ومن جهته، أكد جمال مسلم، رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الرابطة شاركت مع الرباعي الراعي للحوار الوطني في 2013، إيماناً منها بأهمية المصلحة الوطنية، وهي على استعداد دائم لخوض التجربة مجدداً من أجل إنقاذ تونس.
يقول مسلم، "الرابطة في تواصل مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وناقشت فحوى مبادرة الحوار، وهي على استعداد دائم للمساعدة في إخراج البلاد من أزمتها". مؤكداً أهمية مشاركة بقية المنظمات الوطنية في الحوار، شريطة أن لا تكون في خدمة جهات سياسية أو لوبيات مالية.
أزمة حكم حقيقية
استعداد المنظمات الوطنية لتقديم المساعدة لإنقاذ تونس، لا يخفي صعوبات الظرف الحالي لهذه الأزمة، الذي يختلف عن سياق 2013، لذلك يرى النائب السابق في البرلمان هشام الحاجي، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن 2013 شهدت تضافر ضغط الشارع والمعارضة، على الطبقة السياسية الحاكمة وقتها، وهو ما يسّر عمل المنظمات الوطنية الكبرى، في إنجاز حوار وطني أنقذ البلاد من مشارف حرب أهلية، بخاصة بعد الاغتيالات السياسية.
ولفت الحاجي إلى أن المنظمات الوطنية وقتها، كانت متحمسة ودافعة للحوار، بينما اليوم "يواجه الاتحاد العام التونسي للشغل تجاذبات داخلية حول مضامين وآليات الحوار"، بينما تغيب بقية المنظمات في تقديره، عن الخوض في أهداف ونتائج هذا الحوار المنتظر.
وأكد النائب السابق في البرلمان أن تونس تعيش أزمة حكم حقيقية، بسبب دستور 2014، معبراً عن تشاؤمه من الحوار الذي قال إن رئيس الجمهورية قيس سعيد، أجْهَز عليه بتصريحاته الأخيرة.
وكان قيس سعيد قد قال خلال اجتماع بالجالية التونسية في إيطاليا، الخميس الماضي، "لست مع حوار يجمعني بمن نهبوا مقدرات الشعب التونسي، نحن في 2021، ولسنا في 2013، أو 2014، ولا أقبل أبداً أن أعقد صفقات تحت جنح الظلام".
ويذكر أن بيان الاتحاد العام التونسي للشغل في ختام هيئته الإدارية لوح بالدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، في حال لم يجرِ التوافق على حوار وطني، يخرج البلاد من أزمتها الحالية.
حالة من الغموض والترقب تسود المشهد السياسي في تونس الذي يشهد تواتراً لافتاً للأحداث والتصريحات، دون أن تتضح في الأفق مسارات وأهداف ومضامين الحوار الوطني المرتقب.