من ركام منزلها الذي دمرته الطائرات المقاتلة الإسرائيلية، أخذت ريهام تجمع الحجارة الكبيرة لتبني منها قواعد متواضعة تقيم عليها خيمة صغيرة، تعيش فيها برفقة عائلاتها المكونة من 12 فرداً، مضطرة قامت بذلك، إذ فقدت مأواها الوحيد، ولم تجد مكاناً تسكنه، خصوصاً أنها تعيش حالة الفقر المدقع (التحصيل اليومي أقل من دولارين)، ولا تقوى على استئجار شقة سكنية.
لجأت ريهام لهذه الخطوة بعد أن فقدت الأمل في إعادة بناء منزلها بسرعة، جراء تأخر إعادة إعمار الوحدات السكنية التي دمرها الجيش الإسرائيلي في القتال العسكري ضد الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، الذي نشب في الفترة من 10 إلى 21 مايو (أيار) الماضي.
53 ألف مواطن يعيشون بلا مأوى
ومثل ريهام اضطر نحو 20 ألف مواطن من أصل 53 ألفاً، القيام ببناء خيام صغيرة أمام منازلهم المدمرة في القتال العسكري الأخير، إذ يعيش جميعهم بلا مأوى، مشردين بين أكوام الحجارة يبحثون عن مأوى لهم وأسرهم.
ووفق بيانات وزارة الأشغال العامة والإسكان (الجهة الحكومية المخولة في حصر الأضرار وتعويض أصحابها) في غزة، فإن نحو 35 ألف وحدة سكنية، كان يعيش فيهم نحو 53 ألف مواطن، والآن باتوا مشردين دون مأوى، لم يتم إعادة بنائها أو ترميمها، بعد الحروب الإسرائيلية الأربع على قطاع غزة.
وتشير بيانات الوزارة إلى أن "الجيش الإسرائيلي دمر في القتال العسكري الأخير، نحو ألفي وحدة سكنية بشكل كامل، و1700 أخرى تضررت تصنيف بليغ (بحاجة إلى هدم وإعادة بناء)، ونحو ثلاثة آلاف مبنى تعرض للقصف مصنف على أنه متوسط غير صالح للسكن (بحاجة إلى إعادة ترميم)".
وكان من المفروض أن تعمل الجهات الحكومية في غزة على تعويض مبدئي للمتضررين جراء القتال العسكري، وتوفر لهم شققاً سكنية يعيشون فيها بشكل مؤقت حتى تدخل أموال الإعمار للقطاع ويباشرون في إعادة بناء المنازل المهدمة.
الخلافات السياسية لن تؤثر في بدء إعادة الإعمار
يقول وكيل وزارة الأشغال ناجي سرحان، "إنهم انتهوا من حصر جميع الأضرار الناجمة عن القتال العسكري الأخير على القطاع، وهم بحاجة إلى نحو ثلاثة مليارات دولارات أميركية لإعادة ترميم وإنعاش غزة في جميع القطاعات التي لحقت بها خسائر كاملة، منها مليار دولار يخصص لإعادة بناء الوحدات السكنية والأبراج التي نسفتها الطائرات المقاتلة في جولات القتال الأربع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأثناء القتال العسكري تبرعت مصر بنحو 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، ودول عربية أخرى بنفس القيمة المالية، على أن يجري ذلك بإشراف من السلطة الفلسطينية بشكل مباشر، إلا أن حالة الانقسام السياسي بين حركتي "فتح" و"حماس" حالت دون أن يتم تنفيذ ذلك، إذ تصر الأخيرة على أن يكون بناء القطاع من خلالها أو بواسطة مؤسسات دولية تعمل في غزة.
ورداً على سؤال إذا كانت الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس" ستؤثر في ملف إعادة إعمار غزة، يؤكد سرحان أن "المشاكل السياسية لا علاقة لها بالجهات الحكومية، وإنما مقتصرة على الفصائل، وبناء القطاع سيجري بشكل مرحلي بواسطة مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في غزة وهي التي ستتولى مبدئياً دفع التعويضات للمتضررين".
وبحسب سرحان، فإن "الأموال المخصصة للإعمار ستأتي من المانحين عبر المؤسسات الأممية إلى المتضررين بشكل مباشر، ودور الجهات الحكومية مقتصر على حصر الأضرار وجمع المعلومات من أجل التعاون والهدف من ذلك تسريع العملية والابتعاد عن المناكفات السياسية الحزبية خدمة لسكان غزة".
المدمرة منازلهم يطمحون في شقة سكنية مؤقتة
وعلى الرغم من حصر الأضرار وتقدير الميزانية المخصصة لإعادة إعمار الوحدات السكنية، إلا أن المدمرة منازلهم لديهم تخوف من عدم تنفيذ وبدء عملية إعادة الإعمار على الفور، خاصة أن الصراع الذي نشب بين "فتح" و"حماس" حول قد يؤدي إلى تأجيل الملف عدة أشهر.
تقول ريهام، التي تسكن خيمة أمام منزلها، إن شهراً مضى على وقف القتال العسكري من دون أن تبدأ عملية الإعمار، أو حتى تعويض المهدمة بيوتهم في شقق سكنية يعيشون فيها بشكل مبدئي، وتشعر بخوف شديد من تقصير الجهات المختصة بذلك، بينما يشير وكيل وزارة الأشغال ناجي سرحان إلى أنه "لم يصل إلى قطاع غزة أي مبالغ مالية لإعادة الإعمار من المانحين، وكل ما في الأمر تبرعات من عدة دول عربية"، لافتاً إلى أن لديهم "تأملات بأن تدخل هذه الأموال قريباً حتى يشرعوا على الفور في إعادة الإعمار"، لكن المدمرة بيوتهم باتوا لا يكترثون كثيراً بإعادة بناء منازلهم المدمرة، بقدر ما هم بحاجة إلى مأوى يسكنون فيه مؤقتاً حتى ينتهي صراع الفصائل حول ملف إعادة الإعمار، وتدخل الأموال المخصصة لذلك. توضح ريهام أنها "بحاجة إلى شقة سكنية تعيش فيها برفقة عائلتها، بدلاً من الجلوس في خيمة صغيرة في الشارع لا تتسع لعددهم الكبير".
ويعقب سرحان، "إنهم يدركون معاناة 53 ألف مواطن باتوا من دون مأوى، جزء منهم افترش ركام المنازل المدمرة وصنع منها خياماً، وآخرون ما زالوا يعيشون في مدارس "أونروا"، وعدد يسكن مع أقاربه في بيوتهم".
ويشير سرحان إلى أن دفع بدل إيجار للمدمرة بيوتهم لا يكون عن طريق الجهات الحكومية، وإنما من خلال مؤسسات الأمم المتحدة ومن أموال الإعمار، وقد يجري البدء في ذلك بداية الشهر المقبل يوليو (تموز)، إذ ستتولى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغل اللاجئين في الشرق الأدنى "الأونروا" دفع بدل إيجار للاجئين في غزة، وغير اللاجئين سيدفع لهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.