وُصفت شراكة جديدة في منطقة المحيط الهادئ، أشاد بها بوريس جونسون باعتبارها مفتاحاً لازدهار ما بعد "بريكست"، بأنها "قطرة في المحيط". وجاء ذلك عقب ظهور الأرقام الرسمية التي تشير إلى أن الحكومة تتوقع زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما لا يتعدى الـ0.08 في المئة، أي أقل من واحد على 40 من الضربة الاقتصادية المتوقع حدوثها بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي.
واستكمالاً، حذر حزب العمال من أن المنفعة يمكن أن تهبط إلى مجرد 0.017 في المئة (400 مليون جنيه إسترليني/ 558 مليون دولار) إذا استمرت ماليزيا في التمسك بعدم التصديق على ذلك الاتفاق، وفق أرقام "وزارة التجارة الدولية" البريطانية.
وبالتالي، تتناقض التوقعات عن حدوث زيادة سنوية بـ1.7 مليار جنيه في صادرات المملكة المتحدة إلى بلدان كماليزيا وسنغافورة وأستراليا بفضل العضوية في "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة في المحيط الهادئ"، خصوصاً بعد تلقي ضربة بلغ مقدارها ملياري جنيه تأتت حصراً من مبيعات المنتجات الغذائية والمشروبات إلى الاتحاد الأوروبي، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
واستكمالاً، فقد ظهرت أرقام استطلاع جديد للرأي أن بريطانيا لا تزال منقسمة بمرارة حول خروج بريطانيا، بعد خمس سنوات من التصويت التاريخي لمصلحته بـ52 في المئة في مقابل 48 في المئة، الذي جرى في 23 يونيو (حزيران) 2016.
وأشار الاستطلاع الذي أجرته "سافانتا كومرس" إلى أن المملكة المتحدة ستصوت الآن لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي بأغلبية 51 في المئة إلى 49 في المئة، لكنها سترفض فرصة معاودة الانضمام بالهامش الضيق نفسه.
ويستند ذلك إلى كون أقل من ثلث المستجيبين للاستطلاع (31 في المئة) اعتبروا "بريكست" ناجحاً، فيما وصفته نسبة أكثر من ذلك بقليل (34 في المئة) بأنه فاشل. في المقابل، تعتقد غالبية واضحة (51 في المئة) أن التجربة تركت المملكة المتحدة أكثر انقساماً، بالمقارنة مع حوالى 13 في المئة اعتبروا أن البلاد أكثر اتحاداً.
وفي ذلك الصدد، كتب الخبير في الاستطلاعات في "جامعة ستراثكلايد"، جون كورتيس، رأياً في "اندبندنت" عبر فيه عن قناعته بأن الأشخاص الذين بلغوا سن التصويت منذ 2016، يؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي بأفضلية تزيد على اثنين إلى واحد، ما يعني إمكانية عدم وجود غالبية مؤيدة للمغادرة حينما غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في الأول من يناير (كانون الثاني) 2021.
ووفق الأستاذ كورتيس، "فإن الناخبين أبعد ما يكونون عن الاستعداد لـ"تجاوز الأمر"، بل إنهم منقسمون بشدة حول حكمة القرار بترك الاتحاد الأوروبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ذلك المنحى نفسه، أقر وزير "بريكست" ديفيد فروست، مهندس اتفاق التجارة مع الاتحاد الأوروبي الذي وقعه رئيس الوزراء [في أواخر 2020، قبيل البدء في تنفيذ بريكست مطلع السنة الجارية]، والمتورط حالياً في نزاع مرير مع بروكسل حول الحدود الجمركية التي أقر بها السيد جونسون في البحر الإيرلندي، أقر [فروست] بأن مؤيدي المغادرة لم يتوقعوا أن تكون العلاقات مع بقية الأعضاء الـ27 "صعبة نسبياً" وفق حالتها الآن. إذ أبلغ فروست أعضاء البرلمان، أخيراً، أنه من المعقول توقع بقاء هذه العلاقات "مضطربة بعض الشيء لبعض الوقت".
وفي مسار مشابه، لمس تقرير صادر عن المؤسسة البحثية "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة"، تراجعاً في التجارة مع الشركاء التقليديين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، مع هبوط الصادرات الدنماركية بـ17 في المئة في الأجل البعيد، وتراجع المملكة المتحدة من المرتبة الخامسة إلى المرتبة الثامنة في التجارة الوطنية مع ألمانيا.
وعلى الرغم من ذلك، زعم السيد جونسون أن قرار ترك الاتحاد الأوروبي أصبح الآن "جزءاً من تاريخنا"، مشيراً إلى أن المملكة المتحدة استفادت من خلال قدرتها على إنشاء نظام جديد في الهجرة، وتوقيع اتفاقية عن التجارة الحرة مع أستراليا، ووضع خطط بشأن إنشاء موانئ حرة، وبدء مفاوضات بهدف الانضمام إلى "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة في المحيط الهادئ". فبحسب رئيس الوزراء، "لقد أنجزت هذه الحكومة بريكست، واستعدنا بالفعل أموالنا، وقوانيننا، وحدودنا، ومياهنا. وقد يشكل القرار بترك الاتحاد الأوروبي الآن جزءاً من تاريخنا، لكن مهمتنا الواضحة تتلخص في استغلال الحريات التي يجلبها من أجل صنع مستقبل أفضل لشعبنا".
في منحىً مغاير، اعتبر اللورد هسلتاين، العضو الرفيع المستوى في حزب المحافظين ونائب رئيس الوزراء السابق الذي يشغل الآن منصب رئيس "الحركة الأوروبية"، اعتبر أنه "بعد مرور خمس سنوات، لا يزال بريكست بعيداً عن وصفه بـ"الإنجاز". إذ لم يبدأ إلا للتو لكن التوقعات تنذر بالسوء.
ووفق هسلتاين، "تتجمع سحب العاصفة في الأفق، من بينها التهديد الذي تواجهه "اتفاق الجمعة العظيمة" للسلام في إيرلندا الشمالية [وقع في 1998]. والآن، أعرب قطاع صيد الأسماك عن شعوره بالخيانة. وسيؤدي اتفاق التجارة مع أستراليا إلى تآكل القدرة التنافسية للمزارعين البريطانيين ببطء على مدى السنوات الـ15 المقبلة. ومن ناحية أخرى، ينقل قطاع الخدمات المالية بهدوء أنشطته إلى أوروبا من أجل الإفلات من حالة عدم اليقين المستمرة بسبب بريكست".
وفي تطور متصل، وصفت التقديرات الرسمية بـ"الضئيل" ذلك التعزيز المحتمل لاقتصاد بريطانيا بفضل عضويتها المتوقعة في "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة في المحيط الهادئ". إذ تقدر "وزارة التجارة الدولية" التي ترأسها ليز تروس، أن الاتفاق سيضيف مجرد 1.8 مليار جنيه إلى الإنتاج الإجمالي المحلي البريطاني، ما يوازي 0.08 في المئة منه، في غضون 15 سنة.
وفي الشأن نفسه، نقل الخبير التجاري في كلية لندن للاقتصاد، الدكتور توماس سامبسون، إلى "اندبندنت" أن هذا يتناقض مع الضربة التي بلغت أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب "بريكست"، وفق ما يتوقعه "مكتب مسؤولية الميزانية" المستقل التابع للحكومة.
وفق الدكتور سامبسون، "إن المكاسب الصغيرة أفضل من لا شيء. لكن أي مكاسب محتملة من الانضمام إلى "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة في المحيط الهادئ" قليلة جداً بالمقارنة مع تكاليف بريكست. ولا توجد إمكانية واقعياً بأن تتمكن العضوية في ذلك الاتفاق من التعويض عن التكاليف الاقتصادية المترتبة على بريكست".
وفي الإثنين الفائت، أثناء إطلاق مفاوضات الانضمام إلى الاتفاق، أفاد السيد جونسون أن العضوية "من شأنها أن تفتح فرصاً لا مثيل لها" أمام الشركات البريطانية، فيما أشارت السيدة تروس إلى أن المنطقة [المحيط الهادئ] هي "حيث تكمن أعظم الفرص المتاحة لبريطانيا".
في نفس مغاير، أشارت إميلي ثورنبري، العضوة في حزب العمال، إلى أن التوقعات التي نشرتها "وزارة التجارة الدولية" أثارت تساؤلات عما إذا كانت العضوية تستحق خطر إضعاف المزارعين البريطانيين وتعريض الحكومة إلى إجراءات قانونية من قبل شركات تتحدى الحمايات البيئية الاجتماعية، في ظل آلية "تسوية المنازعات بين الدولة والمستثمر" التي تعتمدها الشراكة ["الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة في المحيط الهادئ"]".
وبحسب وزيرة التجارة في حكومة الظل، "يرحب حزب العمال بأي اتفاق تجاري من شأنه توليد فرص عمل في بلادنا، ويساعد المصدرين لدينا في تحقيق مزيد من الأعمال في الخارج، ويدعم التعافي الاقتصادي، وإذا استطاع "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة في المحيط الهادئ" تقديم تلك المنافع، سنكون حمقى كبلد ألا نفكر في الانضمام إليه".
لكنها أضافت، "يتعين علينا أن نتأكد من أن المنافع تستحق المخاطر، وإذا كانت هذه المنافع قد لا تتجاوز 0.017 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فهذا ضئيل للغاية في شكل مثير للقلق مقارنة بالثمن الذي ندفعه في مقابل الانضمام".
وفي ذلك المسار، ذكرت الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الليبرالي للتجارة، سارة أولني، أن الحكومة يجب أن تركز على "جبال" الروتين الإداري التي تسبب بها "بريكست"، وتؤدي إلى تثبيط التجارة مع أوروبا، قبل المنافع الأكثر محدودية المترتبة على الشراكة المقترحة مع البلدان البعيدة الأعضاء في ذلك الاتفاق.
ووفق كلماتها فإنه "لأمر صادم أن تقدم الحكومة هذه المفاوضات باعتبارها انتصاراً للتجارة الحرة حينما تكون المنافع المتوقع أن يحصل عليها اقتصادنا بمثابة قطرة في المحيط".
ومن ناحية أخرى، حذر ناشطو "العدالة العالمية الآن" من أن الشركات المسببة للتلوث ستستخدم آلية "تسوية المنازعات بين الدولة والمستثمر" كي تطعن في إجراءات حماية المناخ أمام المحاكم، في تطور وصفه مدير المنظمة، نيك ديردن، بأنه "عمل من أعمال التخريب البيئي في السنة نفسها التي نستضيف فيه مؤتمر الأطراف الـ26 عن المناخ".
في زاوية مغايرة، أصر ناطق باسم وزارة التجارة الدولية على أن الانضمام "الاتفاق التقدمي الشامل للشراكة في المحيط الهادئ"، في حد ذاته "لن يؤثر في إجراءاتنا في مجال الحماية البيئية العالية ورفاه الحيوان والمعايير الغذائية".
ووفق الناطق، فـإن أحكام آلية "تسوية المنازعات بين الدولة والمستثمر" تهدف إلى حماية الشركات والاستثمارات البريطانية في الخارج. ومن الطبيعي تطبيق هذه الأحكام في التجارة، كما أن الآلية لا تفرض خصخصة الخدمات العامة، ولا تستطيع ذلك".
وأضاف الناطق، "في ذلك الجزء من العالم، تربض أهم الفرص أمام بريطانيا. ومن المقرر أن تزيد صادرات المملكة المتحدة إلى بلدان الاتفاق بـ65 في المئة حتى عام 2030، وإضافة إلى ذلك النمو، يشير التحليل المقارن الثابت إلى زيادة إضافية في التجارة بحوالى 3.3 مليار جنيه نتيجة انضمام المملكة المتحدة [إلى اتفاق الشراكة]".
© The Independent