أكدت قابلات يعملن في وحدة ولادات تابعة لمؤسسة استشفائية بريطانية تواجه تحقيقاً في عشرات وفيات الأطفال في أقسامها، أن هذا المرفق ما زال يشكل خطراً على الأمهات والرضع.
فقد كشف تحقيق أجرته صحيفة "اندبندنت" عن حجم الأخطاء التي كان يمكن تفاديها في مؤسسة "مستشفيات جامعة نوتنغهام" Nottingham University Hospitals (NUH) Trust، والتي تسببت في وفاة أطفال، أو إصابتهم بأضرار في الدماغ. ومنذ ذلك الحين، أعلن وزراء عن إجراء مراجعة مستقلة لعدد من الحالات التي حصلت في المستشفى الذي يعد من أكبر المؤسسات الصحية في إنجلترا.
لكن فيما يدعي المستشفى المعني - وهو "مركز كوينز الطبي" Queen"s Medical Centre في نوتنغهام - أنه يجري تغييرات كبيرة في أقسامه ويوظف مزيداً من العاملين، أبلغت قابلات يعملن فيه صحيفة "اندبندنت"، بأن الموارد ما زالت غير كافية لمساعدة الأمهات على الولادة بأمان، مع وجود مستويات خطيرة من النقص في عدد العاملين، كما في عدد الأسرة والمعدات والتجهيزات.
إحدى القابلات أفادت بأنها وزميلاتها كن يسترسلن في البكاء بشكل متواتر، بسبب الظروف التي يعيشها المستشفى، الذي كانت الهيئة المنظمة للرعاية الصحية قد صنفته في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، على أنه "غير مناسب" (من حيث الكفاءة).
ومضت القابلة في وصف معاناتها بالقول: "كنا نضرب الجدران برؤوسنا. وكنت أعود أدراجي إلى المنزل باكيةً كل يوم". وتضيف متسائلة: "ما الذي أقوم به حقاً؟ لقد عانيت ضائقة مالية لمدة ثلاثة أعوام، وثابرت على الذهاب لممارسة مهنة أشعر معها كل يوم وكأنني في حال من الفوضى".
وأشارت إلى أن القلق الذي تعيشه "هو من النوع الذي يدفعني إلى التساؤل عن اليوم الذي سأجد فيه نفسي ماثلةً أمام محكمة الطب الشرعي، لأن أماً أو طفلاً ما تحت رعايتي، قد لقيا حتفهما".
وفي الإطار نفسه، وصفت إحدى القابلات من اللاتي يقدمن الخدمات الصحية المجتمعية، الوضع لصحيفة "اندبندنت" بالقول: "إن القيمين على المرفق يواصلون الادعاء بأنهم استخلصوا العبر والدروس، وأن الأمور قد تغيرت - إلا أنها في الواقع باتت أشد سوءاً. لقد بات أسوأ لأن المشاكل خرجت إلى العلن وأصبحنا على دراية بها، إلا أن أي تغيير لم يحدث. فالنساء ما زلن عرضةً للخطر والأذى. والأمر ينطبق أكثر على النساء اللاتي يتلقين الخدمات المجتمعية الصحية في منازلهن".
المؤسسة الاستشفائية هذه تواجه مطالبات بفتح تحقيق في أوجه التقصير المزعومة في رعاية الأمهات والأطفال، وذلك بعد أن أثارت عشرات الأسر مخاوف في هذا الصدد. وقد وافقت وزيرة الدولة لشؤون الصحة وسلامة المرضى نادين دوريس على الالتقاء بنواب في البرلمان يمثلون المنطقة وبأسر معنية بهذه المشكلة، في حين وافقت "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS (التي تنضوي "مستشفيات نوتنغهام" تحت مظلتها) على إجراء مراجعة مستقلة لحالات متضررة تعود إلى عام 2016.
ورفعت أسر ما لا يقل عن اثنتي عشرة دعوى قضائية على المؤسسة الاستشفائية بتهمة الإهمال الطبي، فيما دفعت إدارتها منذ عام 2010، أكثر من 91 مليون جنيه استرليني (125.6 مليون دولار أميركي) على شكل تعويضات وتكاليف قانونية مرتبطة بحوادث تشمل 46 حالة تلف دائم في الدماغ لدى الأطفال، و19 حالة موت جنيني، إضافة إلى 15 حالة وفاة تشمل أمهات وأطفالاً.
ولفتت إحدى القابلات التي تعمل في وحدة الولادات في المستشفى، إلى أن إحدى المشكلات الرئيسة تتمثل في النقص في عدد الموظفين كما في الموارد والمعدات المتاحة. وقالت: "إننا نجد أنفسنا أحياناً مضطرين إلى البحث عن ميزان حرارة، أو عن جهاز قياس ضغط الدم، ويتعين علينا مشاركة الموارد نفسها، لأننا لا نجد أياً منها متاحا. لا شيء هنا يعمل كما يجب".
وتضيف أن "أسرة ما بعد الولادة هي شبه معدومة. لذا لا يمكن التحرك، فليس في وسعنا نقل النساء اللاتي وضعن أطفالهن إلى جناح ما بعد الولادة، ولا يمكننا تالياً استقبال حالة ولادة جديدة. ومن ثم لا يمكننا إجراء عمليات الطلق الاصطناعي (هي عبارة عن حث اصطناعي لبدء الولادة عن طريق تحفيز عملية الانقباض) لأنه يتعين إدخال المرأة إلى جناح التوليد. من هنا نشعر بأننا ندور في حلقة مغلقة كمن يطارد نفسه باستمرار".
في المقابل، علمت صحيفة "اندبندنت" أن عدداً من القابلات المؤهلات حديثاً اللاتي تم تعيينهن في المستشفى، إما تركن العمل أو أخذن إجازات مرضية منذ ذلك الحين. وزعم عدد من الموظفين أنه بسبب الثغرات في التوظيف، فرض عليهم تولي مسؤولية عدد من الحالات المصنفة على أنها عالية الخطورة. وكانت صحيفة "اندبندنت" قد كشفت، في وقت سابق، عن مثل تلك الحالات الحرجة لدى نساء خصصت قابلات حديثات الخبرة للاعتناء بهن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت إحدى هؤلاء القابلات: "قد يطلب منى الاعتناء بامرأة ما ربما تموت بين يدي، وأنا لست مسؤولة عن ذلك. إن السبب يعود إلى النقص في الدعم، والنقص في الموارد. إنه لأمر مخيف للغاية أن تشعر بأنك قد تقع ضحية خطأ لم ترتكبه. كنت أود من خلال مهنتي أن أمد يد المساعدة للنساء وتمكينهن. أردت أن أكون مناصرة لحقوقهن، غير أنني عاجزة عن تحقيق أي شيء من هذا القبيل في "مستشفيات جامعة نوتنغهام".
وأضافت، "إنني الآن أخطط لترك العمل، إلا أن ما حصل، غير نظرتي لمهنة القبالة، إلى درجة أصبحت تراودني شكوك في حال انتقالي إلى مؤسسة استشفائية أخرى، إن كان الوضع سيكون على هذا النحو أيضاً".
وكان المستشفى قد أعلن في وقت سابق أنه يجهد لملء نحو 70 وظيفةً شاغرة في طاقم القابلات لديه، وهي مشكلة شائعة في وحدات القبالة في مختلف أنحاء البلاد.
وإضافة إلى ذلك، يدير "مستشفى نوتنغهام" خدمات القبالة المجتمعية، بما في ذلك خدمة الولادة في المنزل، لكن القابلات قلن إن هذه الخدمة هي غير متوافرة بشكل منتظم، لأن المستشفى ليس مزوداً بالعدد الكافي من الموظفين.
وأفاد أحد المصادر بأن قابلةً مجتمعية كلفت بمفردها مسؤولية تغطية منطقة بكاملها في نوتنغهام، وهي كانت لا تزال حديثة التأهيل، مضيفاً أنه "عندما قامت بطلب المساعدة، قيل لها إن هناك نقصاً في عدد العاملين، بالتالي يتحتم عليها التعامل وحدها مع الوضع". وتوجه المستشفيات طوال الوقت نداءات استغاثة للحصول على قابلات يعملن خلال عطلات نهاية الأسبوع".
وتقول القابلة، إن "النساء ما زلن عرضةً للأذى، ولا سيما منهن اللاتي يتلقين خدماتنا المجتمعية. ففي المستشفى، هناك دائماً شخص ما يمكننا أن نطلب منه المساعدة، أو تكليفه القيام بشيء ما. وإضافة إلى ذلك، إنني أعمل خلال عطلات نهاية الأسبوع على سبيل المثال، من التاسعة إلى الخامسة بعد الظهر، وأحمل على عاتقي مسؤولية خدمة 7 أو 8 نساء. إن قواي الجسدية لا تسعفني بما يكفي للتجول والتحقق من سلامتهن جميعاً، وأن أمنحهن الرعاية التي يحتجنها. أنا أشتغل 3 أو 4 ساعات إضافية فقط لتدوين الملاحظات الطبية".
وتؤكد القابلات أنه يتم إخراج النساء من المستشفى بانتظام، من دون إعطائهن حتى فرصة منح أطفالهن رضاعةً طبيعية، بحيث يتم تزويدهن بزجاجة حليب فقط، وذلك من أجل إفراغ الأسرة بسرعة. وتشير إحدى العاملات إلى أن "هذا ما يحصل في معظم الأوقات. إنهم يكتفون بإعطائهن زجاجة فقط من أجل إخراجهن".
ويضفن أن "وضع الخدمة المجتمعية لا يزال يكتنفه التعتيم والتستر عن الحقائق، لأن المستشفيات دائماً ما تتصدر العناوين الرئيسة. إلا أن الرعاية السيئة تحصل دائماً في المنزل عندما تكون النساء أكثر ضعفاً، لأنه ليس لديهن من يلجأن إليه للشكوى".
وفي منحى متصل، اطلعت صحيفة "اندبندنت" على رسائل إلكترونية تؤكد ادعاءات الموظفين بأن بعض الإرشادات التي يستخدمها المستشفى كانت إما متناقضة أو غير وافية. وفي إحدى تلك الرسائل، وصفت سياسة تحديد اليرقان عند الأطفال حديثي الولادة بأنها لا تفي بالغرض. وفي رسالة أخرى وجهت في وقت سابق من هذه السنة، طلب من الموظفين إحالة أولياء الأمور إلى "وحدة الحوادث والطوارئ" A&E لإجراء فحوصات، قبل أن تعكس رسالة ثانية هذا الأمر، مشيرةً إلى أن القرار سيترك لحكم الموظفين وتقديرهم المهني.
في المقابل، كشفت إحدى القابلات عن أنه لا تتم متابعة صحة الطفل من جانب قابلة محددة، نظراً إلى النقص في عدد الموظفين، الأمر الذي قد يؤثر على الحكم البصري الخاص بكل من هؤلاء الموظفين المتعاقبين، لجهة الإشراف على هؤلاء الأطفال".
وقال أحد الموظفين لصحيفة "اندبندنت"، إن نظام الكومبيوتر الجديد قد يستغرق أربع دقائق لتحميل صفحة واحدة، في وقت يتعين ملء إحدى وثلاثين صفحةً لإجراء حجز جديد.
وتعليقاً على هذه المخاوف قالت ميشيل رودس، رئيسة الممرضات في المستشفى: "إننا نشعر بأسف شديد لما يحصل، ونعتذر بكل صدق من الأسر التي لم تتلقَ المستوى الرفيع من الرعاية التي تحتاج إليها وتستحقها".
وتضيف رودس، "إن تحسين خدمات الولادات يشكل أولويةً قصوى بالنسبة إلينا. إننا نقوم بإجراء تغييرات كبيرة بما فيها توظيف عدد من القابلات وأطباء التوليد الاستشاريين والمديرين، لدعم العاملين. وإضافة إلى ذلك، إننا بصدد مراجعة طريقة استجابتنا للحوادث، ونعمل على تأمين معدات إضافية محدثة، وتزويد فرق العمل لدينا بالتدريبات اللازمة في مجال مراقبة صحة الأطفال وتتبعهم. وفي موازاة ذلك، نقوم أيضاً بمراجعة إرشاداتنا السريرية للتأكد من أنها تتماشى مع أفضل الممارسات المتبعة.
وخلصت رئيسة الممرضات إلى القول: "أشعر بأسف لأن بعض موظفينا يحسون بأن مطالبهم لم تلقَ آذاناً صاغية - إننا نعقد على نحو منتظم منتديات مفتوحةً أقوم بنفسي بالمشاركة فيها، إضافة إلى المدير الجديد لقسم القبالة وأعضاء الفريق الطبي الأعلى رتبةً لدينا، وذلك لتشجيعهم على التحدث عن أي مخاوف لديهم ومشاركتها معنا. ويمكنهم أيضاً الالتقاء بأي فرد ينتمي إلى فريق القيادة في أي وقت، أو بأحد الأوصياء على فريق (لكم حرية التعبير) Freedom to Speak Up".
© The Independent