رغم تحذيرات أطلقها وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو من انتقال عناصر "داعش" من سوريا وليبيا ودول أخرى إلى أفغانستان على خلفية انسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد، لم تتوقف في الوقت نفسه العمليات الهجومية لفلول التنظيم المتشدد على تراب الصحراء السورية المترامية الأطراف.
وعلى عكس كل التوقعات التي تفضي إلى انحسارٍ وشيك لهجمات عناصر التنظيم الموزعين على امتداد البادية ومخابئها، كثفت الخلايا النائمة من نشاطها القتالي، وكان آخرها الهجوم الذي أدى إلى مقتل سبعة عناصر من قوات النظام السوري، الأربعاء 28 يوليو (تموز) الجاري، وذلك في دير الزور، شرق سوريا، ومعها امتدت الاشتباكات إلى بادية الرقة قتل فيها خمسة من أفراد التنظيم.
في المقابل تفيد المعلومات الواردة لـ"اندبندنت عربية" عن عدم توقف العمليات الحربية لملاحقة فلول التنظيم، إلى جانب عمليات قوات النظام السوري في درعا، ووصول تعزيزات إضافية للسيطرة على التمرد الحاصل، مع أنباء شبه مؤكدة عن تسويات تنهي الصراع المسلح.
ومن أكثر العوائق التي تحول دون الإجهاز على ما تبقى من أفراد عناصر التنظيم اتساع البادية وترامي أطرافها، وكثرة المخابئ في جوفها، بحسب المصادر الميدانية، مع معرفة جيدة من قبل أفراد التنظيم بمسالك طرقها واعتمادهم على وسائط نقل صغيرة الحجم لسهولة التحرك كالدراجات النارية، ومن جهة ثانية للإفلات من أي مراقبة جوية، أو اقتفاء أثرهم.
عودة نشاط التنظيم
في غضون ذلك يعد النشاط المتزايد لأفراد "داعش" من دون معرفة رقم دقيق لعدد عناصره لا سيما بعد تكثيفه النشاط في مخيم الهول، الذي يقبع فيه نساء وأطفال من عائلات "داعش" حيث يضم 74 ألفاً، بغية استقطاب الشبان هناك إلى صفوفه في أعقاب عودته للتجمع بشكل ضئيل بداية العام الحالي إثر ضربه عدداً من مركبات وحافلات مدنيين وعسكريين بعمليات خاطفة.
في حين يقرأ مراقبون تزايد نشاط "داعش" وتكثيف عملياته كرسائل مفادها بأن التنظيم باق أو حتى "شبحه" على الأقل ما زال قائماً، ومن طرف آخر تأتي كرد مبطن على كل التصريحات التي تفيد بخروج مجموعاته إلى الأراضي الأفغانية وكأنها تقول "نحن باقون".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عودة بعد انحسار
إزاء ذلك لم تطل خطوط الاشتباك والتماس مع الأراضي التي يسيطر عليها النظام فحسب بل زادت بشكل واسع النطاق لعمليات نفذتها على خطوط تماس أخرى مع أراض تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرقي البلاد.
ويواصل التنظيم بعد انكفاء عملياته وسقوطه عام 2019 هجمات سريعة وخاطفة متبعاً حرب العصابات عبر زرع عبوات ناسفة وألغام وتنفيذ اغتيالات، في المقابل لا تتهاون الإدارة الذاتية عبر ذراعها العسكرية، قوات سوريا الديمقراطية، من قض مضاجع التنظيم بحملات أمنية مكثفة رغم كل ما تقابله العشائر العربية من الامتعاض لسيطرة المكون الكردي على إدارة المنطقة واستحواذها على مراكز قيادية في "قسد".
الهجوم والهجوم المضاد
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن أن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية (الكردية) شهدت جملة من الاضطرابات الأمنية والأحداث أحصاها بـ21 هجوماً خلال يونيو (حزيران) في مناطق "قسد" ضمن دير الزور والحسكة وحلب والرقة.
وحول كل ما يحدث يلفت الباحث السياسي جوان اليوسف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" الانتباه إلى الدور التركي كمستفيد من "داعش" وتحركاته.
ويبدي في الوقت نفسه استغرابه أنه إلى الآن لم تشتبك تركيا مع التنظيم، بحسب قوله، ولم يحدث مواجهات حقيقية بينهما "من نافل القول جعل تركيا طرفاً في محاربة الإرهاب وإن كانت موجودة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب لكن وجودها شكلي لا معنى له".
في هذه الأثناء شاركت ثماني مروحيات من قوات التحالف الدولي في منتصف ليلة 26 يوليو الجاري في عملية الإنزال الجوي بريف دير الزور الشرقي.
واستطاعت العملية النوعية اعتقال مسؤول سابق في ما يطلق عليه ديوان الصحة بولاية الفرات وقيادي آخر من التنظيم في بلدة البوليل، ونفذت العملية بشكل سريع من التحالف من دون مشاركة من أي طرف محلي.
يبدو للمتابع عن قرب أن القضاء على "داعش" بصورته النهائية يحتاج إلى إرادة قوية من المجتمع الدولي بخاصة أن التنظيم عابر للقارات ويهدد الأمن والاستقرار المحلي والدولي، ومن دون تضافر الجهود والاشتراك لمحاربته لن يندحر بسهولة، هذا إذا علمنا أن التجمعات الكبيرة لمخيمات تقطنها عائلات بعشرات الآلاف تحمل الفكر المتشدد ولن تتخلى عنه بسهولة.