يعد عصير قصب السكر المشروب الأكثر شعبية في مصر خلال فصل الصيف، خصوصاً في إقليم الصعيد الأكثر زراعة لمحصوله، فما من شارع من شوارعه إلا وتنتشر فيه محاله التي تحظى بإقبال كبير من قبل المواطنين، فهو يعد طازجاً لكونه سريع الأكسدة، كما يمتاز بفوائد صحية عديدة.
استحدثت زراعة قصب السكر بعد الفتح العربي الإسلامي لمصر بشكل محدود، وتطورت شيئاً فشيئاً على مر العصور إلى أن أصبح محصولاً استراتيجياً، جرت الاستفادة من عصارته في المقاهي والأسواق الشعبية عبر أدوات المكابس اليدوية التقليدية، خلال دخول الحملة الفرنسية إلى مصر.
يقول حسين العرنوطي، نقيب الفلاحين في محافظة أسيوط بجنوب مصر، "إن عصارات القصب ازدهرت في مصر منذ عهد محمد علي مؤسس مصر الحديثة، الذي ارتبط اسمه بازدهار زراعة قصب السكر في البلاد"، لافتاً إلى "أنه صار المشروب الشعبي الأول لأسباب عديدة، على رأسها حرارة الطقس التي تصاحب أغلب أشهر العام خصوصاً في الصعيد، الأمر الذي يتطلب تناول كميات كبيرة من السوائل، يأتي هو في مقدمتها لمذاقه المميز، وأسعاره الرخيصة".
وأضاف أحمد عبدالكريم، أستاذ علوم الزراعة الحديثة، "أن محصول القصب من المحاصيل النجيلية المجهدة للتربة والأرض الزراعية، لأنه يمتص منها عناصر غذائية كثيرة، علاوة على أنه من المحاصيل الشرهة للمياه، كما يحتاج إلى طقس حار وجاف وتربة خصبة وعمالة كثيفة".
بسؤاله عن تاريخ زراعة القصب في مصر، أخبرنا، "أن أول زراعة مسجلة للقصب في مصر كانت في عهد الدولة الأموية في خلافة الوليد بن عبدالملك وولاية قرة بن شريك، حيث جرى جلب ونقل القصب من بلاد الهند إلى عدد من مدن الصعيد"، لافتاً إلى "أن عصر ازدهار زراعته في البلاد كان في عهد أسرة محمد علي في ولاية نجله إبراهيم باشا الذي جلب أنواعاً عديدة من القصب من أوروبا ودول شرق آسيا، ليجري بعد ذلك التوسع في زراعته".
فوائد عصير القصب
يوضح عبدالرحيم الهواري، أستاذ علم الغذاء في كلية الطب بجامعة طيبة، "أن عصير قصب السكر من المشروبات الطبيعية المهمة للصحة، فهو لا يشرب إلا طازجا من جماهير المواطنين لكونه سريع الأكسدة، مع ذلك فهو يضم مجموعة كبيرة من العناصر الغذائية المفيدة، حيث يسهم في حرق دهون الجسم، وتقوية جهاز المناعة، وخفض مستويات الكولسترول السيء، وضبط درجة حرارة الجسم، وغسيل الكلى، والتخلص من الأملاح الضارة، وتحفيز الجسم بالطاقة". وأشار إلى "أن أفضل ما يميزه كوب أنه مشروب طبيعي لا تضاف له أي مواد حافظة أو صناعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عصارات القصب
إقبال كبير تحظى به محال عصير قصب السكر في ميدان أبو الحجاج في مدينة الأقصر السياحية جنوب مصر، لا يقتصر على المصريين فحسب، بل يشمل السائحين والأجانب الذين يأخذهم الفضول للتعرف على المشروب الأكثر انتشاراً بين أبناء الشعب المصري.
عن مراحل إعداد كوب عصير القصب قال عماد أبوالحجاج، مالك أقدم محل عصائر قصب في المدينة، "إن إعداد كوب القصب يتطلب عدة خطوات، أولاها التعاقد مع أحد المزارعين لتوريد كميات كافية أسبوعياً من القصب، بعد ذلك يجرى تخزينه، لتبدأ بعدها عملية تقشيره من الأوراق والنجيل المحاط بها بكثافة، ثم يجري غسله جيداً، ليفرز ويستبعد الفاسد منه أو ما يطلق عليه القصبة المسوسة، ثم تكسر الأعواد الطويلة إلى ثلاث قطع، وتدخل في ماكينة العصر التي يوضع فيها عدد من ألواح الثلج ليخرج العصير بارداً ليرطب حرارة الصيف بمذاق يسر الشاربين".
وذكر رامي محمد، مرشد سياحي، "أن مشروب عصير القصب يحظى باهتمام واسع من قبل السائحين خلال زيارتهم للأقصر، فهم يقرأون عنه قبل وصولهم إلى مصر، وخلال الزيارة يحرص عدد ليس بالقليل على توثيق تجربة احتساء كوب منه"، لافتاً "أن موقع اليوتيوب فيه عدد من مقاطع الفيديو التي يوثقها السائحون بهذا الشأن، وكثيراً ما يُطلب منه اصطحابهم لتذوقه".
وعبرت ليندا بيتر، سائحة بلجيكية، عن سعادتها باحتساء كوب من عصير القصب عقب زيارتها لمعبد الكرنك، لافتاً إلى "أن المحال تبيع العصير في أجواء فلكلورية، بمستوى نظافة عال ومذاق رائع لمشروب يحفز الجسم بالطاقة خلال الجولات السياحية، ويلطف حرارة الطقس".
عن أسعار عصير قصب السكر ذكر عبدالمنعم الشريف، مالك عصارة قصب في مدينة أسوان، "أن أسعاره رخيصة فهي تتراوح من 3 إلى 7 جنيهات مصرية (0.19 إلى 0.45 دولار أميركي) حسب حجم الكوب".
منع الأكواب الزجاجية
حملات تفتيش واسعة تشنها الأجهزة التنفيذية على محال بيع عصير القصب منذ أزمة كورونا، للتأكد من التزامها الإجراءات الاحترازية الموصى بها من وزارة الصحة لمنع انتشار فيروس كورونا بين المواطنين.
يقول شحات عيد، مالك محل لعصائر القصب في مدينة أسوان السياحية، "إن الإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا فرضت علينا حظر استخدام الأكواب الزجاجية، واقتصار استخدام الورقية أو البلاستيكية، حرصاً على سلامة المواطنين". وأشار إلى "أن العام الماضي تكبد أصحاب العصارات خسائر فادحة جراء قرارات الإغلاق الكامل التي تسببت في إفلاس عديد من العاملين في هذا المجال".