تحركت المياه الراكدة بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية بشكل جيد منذ قدوم الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بعد "جمود" طغى على العلاقات البلدين خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي ختم ولايته بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في خطوة أغضبت الجزائر.
مباحثات على دفعتين في 10 أيام
وفي خلال 10 أيام، أجرى وزير الخارجية، رمطان لعمامرة، مباحثات هاتفية مع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، تمحورت حول العلاقات بين البلدين والوضع في تونس وليبيا وقضايا إقليمية ودولية.
وأشار لعمامرة، في تغريدة على حسابه الرسمي في "تويتر"، إلى أنه "تلقى اتصالاً هاتفياً من كاتب الدولة الأميركي، أنتوني بلينكن، وأنه تم التطرق إلى آفاق تنمية العلاقات الثنائية بين الجزائر والولايات المتحدة الأميركية".
وأضاف، "بحثنا بطريقة معمقة عدداً من التحديات الجهوية والدولية".
وفي السياق ذاته، ذكر بيان لسفارة الولايات المتحدة الأميركية في الجزائر على "فيسبوك"، أن بلينكن تحدث مع لعمامرة، وناقشا مسائل إقليمية، لا سيما التطورات الحاصلة في تونس وليبيا والساحل، لافتاً إلى أن الطرفين اتفقا على ضرورة أن تكون ليبيا ذات سيادة ومستقرة وموحدة من دون تدخل أجنبي. وأوضح أن بلينكن جدد التزام بلاده بمساعدة الجزائر في مكافحة جائحة كورونا بما في ذلك التبرع باللقاحات، وتقديم أكثر من 4 ملايين دولار من المساعدات الطارئة المباشرة، وتسليم مستشفى ميداني متطور.
مشاورات "مثمرة للغاية" وبايدن "جاد"؟
وقبل ذلك، حضر إلى الجزائر مساعد بلينكن المكلف الشرق الأوسط، جوي هود، الذي أجرى مشاورات مع المسؤولين الجزائريين تمحورت حول "العلاقات الثنائية، وكذلك التعاون الإقليمي" وصفها بـ"المثمرة للغاية"، مؤكداً أن الرئيس جو بايدن "جاد" في العمل مع الجزائر لتحقيق الأهداف المشتركة بين البلدين والتعاون في الشؤون الإقليمية، لا سيما تسوية الأزمة الليبية، إذ "يبحث الطرفان مسألة رحيل القوات الأجنبية والمرتزقة، وتمكين الشعب الليبي وحده من تقرير مصيره وتحديد مستقبله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح المسؤول الأميركي في تصريحات إعلامية أن واشنطن تتطلع إلى "العمل مع الجزائر بالنظر إلى دورها في منطقة الساحل وفي مناطق أخرى، هذا بالإضافة إلى العمل معاً للحفاظ على تراثها الثقافي الغني جداً".
تنشيط خط الجزائر – واشنطن أثار الاهتمام، خصوصاً أن العلاقات بين البلدين التي حافظت في كل مراحلها على الاحترام المتبادل، "عكّرها دونالد ترمب، بقراره الاعتراف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء الغربية، على الرغم من أن المسألة لا تزال على مكتب الأمم المتحدة، فقد أقلقت الخطوة الجزائر التي ترافع لصالح القرارات الأممية وحق الصحراويين في تقرير مصيرهم"، بحسب متابعين.
ترميم بيت العلاقات الثنائية
الباحث في العلاقات الدولية، بلال أوصيف، يشدد على أن العلاقات الأميركية - الجزائرية في غالب الأحيان يسودها التوازن والتقارب. وقال إن الإدارة الأميركية لا تخضع في علاقاتها مع الدول، خصوصاً التي توصف بـ"الصديقة"، استناداً إلى هوية الرئيس، سواء في زمن بوش أو أوباما أو ترمب أو حتى بايدن، غير أنه في عهد ترمب، شهدت العلاقات بين البلدين بعضاً من التشنج، بعد أن طرح مخرجات لا تتوافق مع المصالح الاستراتيجية للجزائر، ما أدخل العلاقات في حالة جمود، مضيفاً أنه بخصوص التقارب اللافت في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، فهو بمثابة ترميم لبيت العلاقات الثنائية، ومحاولة بعث الاستراتيجيات في المنطقة، من أجل تجاوز ما "الهزات" التي أحدثها ترمب.
ويضيف أوصيف، أن الجزائر بحلول منتصف 2021 انتقلت إلى السرعة القصوى لحجز المكانة التي تليق بها كلاعب محور في عمليات بناء السلم والأمن في أفريقيا، من خلال التوجه لدول القرن الأفريقي، على غرار كل من إثيوبيا، والسودان، وأوغندا، ومصر، وغيرها، من أجل بعث "الأمن الدبلوماسي" للوصول إلى التوافق السياسي الأمن لحلحلة أزمة "سد النهضة"، وإنهاء الصراعات في المنطقة، بالإضافة إلى نشاطاتها في إطار حلحلة الأزمات في تونس وليبيا ومالي، كلها نقاط جعلت الإدارة الأميركية الجديدة تتمسك بمحورية الجزائر في القضايا الإقليمية، وكونها جزءاً من الحلول السياسية السلمية لمختلف القضايا التي تعرفها المنطقة العربية والأفريقية.
تعيين لعمامرة فتح الأبواب
من جانبه، يرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي والدولي، محمد دلومي، أن قرارات الرئيس السابق دونالد ترمب، خلّفت ردود فعل جزائرية غاضبة، تسعى إدارة الرئيس الحالي بايدن إلى تداركها بعد أن ألغى قرار سلفه المتعلق بالصحراء الغربية، ما يعني اعتراف واشنطن بعدالة القضية الصحراوية، وبالدور المحوري الذي تلعبه الجزائر في المنطقة، موضحاً أن تعيين رمطان لعمامرة وزيراً للخارجية، وهو الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع شخصيات أميركية، فتح الباب واسعاً أمام واشنطن لتكثيف اتصالاتها.
ويواصل دلومي، أن إدارة البيت الأبيض تقرأ التطورات الجزائرية جيداً، لا سيما بعد استقالة بوتفليقة، وهي تسعى لرفع حجم التعاون بين البلدين إلى أعلى مستوى، خصوصاً في المجال الاقتصادي، إذ تعلم واشنطن جيداً أن الجزائر بلد واعد على الصعيد الاقتصادي، مبرزاً أن نشاطات الدبلوماسية الجزائرية التي تتحرك على أكثر من صعيد، دفعت عواصم عدة، بما فيها واشنطن، إلى إعادة النظر في العلاقات الثنائية، خصوصاً أنها باتت تمسك مفاتيح كثير من الحلول في أفريقيا والشرق الأوسط.