في الوقت الذي تتصاعد وتيرة الترتيبات والتحوطات لكارثة السيول والفيضانات، وتتم مراقبة لصيقة للزيادات المطّردة في مناسيب النيل الأزرق الذي شارف على بلوغ مرحلة الفيضان، بات عدد كبير من مناطق السودان ومدنه بما فيها العاصمة الخرطوم، بين فكّي: تزامن غزارة موسم الأمطار وتوقعات فيضان النيل الأزرق والنيل الرئيس، مع التزايد المستمر في معدلات منسوب المياه فيهما بشكل يومي يهدد سكان الضفاف بما ينذر بفيضان وشيك. وتطل ملامح وشبح كارثة السيول والفيضانات من جديد، وتخيّم أجواؤها على مناطق عدة من السودان، خصوصاً أن السيول والأمطار اجتاحت مناطق عدة في ولايات، مخلفة الأضرار والخسائر المادية والبشرية حتى الآن.
تحذيرات ارتفاع المناسيب
وفي هذه الأثناء، جددت وزارة الري السودانية تحذيراتها للمواطنين كافة على الضفاف اتخاذ الحيطة، حفاظاً على أرواحهم وممتلكاتهم. وكشفت الوزارة عن تزايد مستمر في إيراد مياه النيل الأزرق الآتي من الهضبة الإثيوبية، وتضاعف كميات المياه أكثر من أربع مرات خلال الأسبوعين الماضيين من 100 مليون إلى 400 مليون متر مكعب في اليوم.
وذكرت لجنة الفيضان في وزارة الري والموارد المائية في نشرتها اليومية الأحد 8 أغسطس (آب) الحالي، أن منسوب النيل تجاوز 16.78 متر، مكررة مناشدتها لمواطني الخرطوم والمناطق التي تقع شمالها، اتخاذ كل التحوطات اللازمة لحماية أنفسهم وممتلكاتهم.
وأعلنت اللجنة أن إيراد النيل الأزرق عند الحدود السودانية الإثيوبية بلغ 763 مليون متر مكعب، بينما بلغ إيراد نهر عطبرة عند الحدود مع إثيوبيا، 230 مليون متر مكعب، كما زاد تصريف المياه عند خزان الروصيرص 2 مليون متر مكعب في اليوم.
وأوضحت لجنة الفيضان أن إيراد النيل الأزرق ارتفع عند ولاية سنار إلى 658 مليون متر مكعب، مقابل 639 مليون متر مكعب ليوم أمس، بزيادة قدرها 19 مليون متر مكعب. كما أن خزان مروي شمال السودان شهد أيضاً زيادة بلغت 744 متراً مكعباً مقابل 682 مليون متر مكعب ليوم أمس، بارتفاع بلغ 62 مليون متر مكعب، بينما لم تسجل سدود وخزانات جبل أولياء، عطبرة وستيت أي انخفاض يذكر.
وكشفت لجنة الفيضان عن أن قطاعي سنار والخرطوم سيشهدان ارتفاعاً في المنسوب بمعدل بسيط وكذلك قطاع دنقلا مروي.
وأكدت اللجنة أن الارتفاع الأعظم في المنسوب في قطاع الخرطوم الذي سجّل 16.86 متر، متجاوزاً منسوب الفيضان بحوالى 36 سنتمتراً مع التوقعات بتوالي الارتفاع في المنسوب في القطاع خلال اليوم.
محاذير ومخاطر ماثلة
وفي السياق، قال العميد عبد الجليل عبد الرحيم، المتحدث باسم المجلس القومي للدفاع المدني، إنه على الرغم من التحسبات والتحوطات الكبيرة لفيضان النيل هذا العام، إلا أن المحاذير قائمة من أن يصل الوضع إلى مرحلة الخطر، ما يتطلب الحذر الشديد نتيجة التدفقات الكبيرة للمياه الواردة بسبب غزارة الأمطار، مبيّناً أن منسوب النيل في الخرطوم سجل زيادة قدرها 6 سنتيمترات عن يوم أمس، بينما وصل عند محطة شندي إلى 17.45 متر و19.98 متر في محطة ودمدني في ولاية الجزيرة.
وأوضح أن المجلس شكّل غرفة مركزية تضم كل جهات الاختصاص، تتابع على مدار اليوم والساعة تطورات مناسيب النيل الأزرق والنيل الرئيس، بالتنسيق مع وزارة الري والموارد المائية، وتتواصل آنياً مع غرف العمليات الولائية التي ترفع تقارير يومية للمجلس القومي.
وأوضح أن المجلس حدّد في إطار استعداداته وتحوطاته، فرقاً ميدانية عدة قامت بمراجعة كل الإجراءات التي اتُّخذت على الأرض في الخرطوم والولايات الأخرى، بالتركيز على مناطق الضعف التي كشفت عنها كارثة سيول وفيضانات العام الماضي.
وأضاف عبد الرحيم أنه مع زيادة الأمطار في الهضبة الإثيوبية، فُتحت 7 بوابات بخزان الروصيرص، 6 منها في الجهة الشرقية والسابعة في الجهة الغربية، ما أدى إلى ارتفاع مناسيب النيل الأزرق وفتح بوابات سد مروي للتحكم في مرور كميات المياه الواردة.
وتابع متحدث الدفاع المدني، "على الرغم من الظروف الاقتصادية الضاغطة، إلا أن فرق المجلس تمكنت من الطواف على كل مناطق الهشاشة والضعف، وأعدّت التحوطات اللازمة كافة، فضلاً عن توفير الآليات المطلوبة في المناطق التي تشكّل نقاط ضعف"، موضحاً أن تزامن ذروة موسم الأمطار مع وصول النيل الأزرق إلى مرحلة الفيضان يضاعف المخاوف، ما يتطلب المزيد من الحيطة والحذر، مناشداً المواطنين التحسب والتحوط والتعاون مع السلطات المختصة بلعب دور إيجابي مساند لجهود الدفاع المدني بغرض تفادي المخاطر المتوقعة وتقليل نسبتها.
خسائر بشرية ومادية للسيول
وكشف عن أن الأمطار والسيول التي اجتاحت ولايات نهر النيل والجزيرة والنيل الأبيض وسنار وكسلا والقضارف وأجزاء من ولايات الخرطوم، جنوب دارفور وشمال كردفان خلال الأيام القليلة الماضية، تسببت في وفاة 24 شخصاً وإصابة 13 آخرين وانهيار 2391 منزلاً منها 819 انهارت كلّياً و1572 بشكل جزئي، وتهدّم 34 من المرافق والمتاجر، معظمها في ولاية القضارف محلية الفاو، إلى جانب نفوق 19 من المواشي، مشيراً إلى تدخلات صحية عاجلة تقوم بها وزارة الصحة الاتحادية والولائية مع منظمة الهلال الأحمر في المناطق المتأثرة لمنع تفاقم الأوضاع الصحية أو ظهور أوبئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، قال بشرى حامد، عضو غرفة العمليات في ولاية الخرطوم، الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة، إن ولاية الخرطوم أعدّت تحوطات جيدة للفيضان هذا العام، غير أن تراكمات المياه التي شهدتها الولاية نتيجة الأمطار اليوم، تؤكد حاجتها إلى إعادة النظر في البنى التحتية للمدينة، التي باتت تتّسع لأكثر من 11 مليون نسمة، لافتاً إلى أن البنى الراهنة موروثة منذ العشرينيات وتحتاج إلى تحديث وتطوير عاجل يتناسب مع النمو العمراني والسكاني الذي شهدته العاصمة. كما أن التعقيدات المناخية تحتّم التفكير الاستراتيجي في مستقبل مواعين مجاري تصريف المياه، بعد أن تم تشويه الوضع الطبيعي لها على مدار الأعوام الماضية، وذلك على الرغم من التكلفة العالية التي ستترتب على ذلك.
في هذا الوقت، شهدت أطراف وعاصمة ولاية الخرطوم فجر اليوم أمطاراً غزيرة، أدت إلى غمر شوارع رئيسة في العاصمة بالمياه، في مناطق الرياض وشارع المطار ونفق عفراء مول وبعض شوارع وسط الخرطوم، تم سحبها بمضخات المياه وفي اتجاه مجرى النيل الأزرق نتيجة تعذّر التصريف الطبيعي.
الخرطوم والولايات تتأهب
وفي إطار الجهود الحثيثة التي تسابق الزمن لتفادي كارثة الفيضانات والسيول العام الماضي، رصدت ولاية الخرطوم موازنة مقدرة للحماية من خطر الفيضان، وأقامت السلطات في وزارة البنى التحتية عدداً من التروس الواقية في مناطق عدة للحماية من خطرالفيضان الماثل، الذي يتقاطع مع معدلات الأمطار الغزيرة المتوقعة خلال الشهر الحالي.
وفي ولاية سنار الأكثر تضرراً من فيضانات العام الماضي، استنجد الوالي الماحي محمد سليمان بالحكومة المركزية، معلناً أن النيل الأزرق يكاد يخرج عن السيطرة في ولايته، وذلك أثناء تفقّده ميدانياً مواقع الجسر الواقي لمدينة سنجة عاصمة الولاية وجسر منطقة حريري، وتقوية مناطق الضعف التي تعاني من الهشاشة وذلك بمؤازرة لجنة الطوارئ المحلية.
وفي ولاية نهر النيل، أعلنت غرف الطوارئ عن انهيار عدد كبير من المنازل كلّياً وجزئياً بسبب السيول في محلية بربر، بينما يواصل النيل الرئيس ارتفاع منسوبه الذي وصل إلى 15 متراً في الولاية، أي بارتفاع 11 سنتيمتراً عن يوم أمس، مشكّلاً خطراً مضافاً إلى السيول التي اجتاحت عدداً من مناطق الولاية.
وفي ولاية القضارف منطقة الفاو، تمكّن الجيش السوداني خلال الأسابيع الماضية من إنقاذ عائلة كاملة تضم 65 شخصاً بينهم أطفال ونساء بمن فيهم عروسان، في عملية إجلاء جوّي استغرقت ست ساعات، وذلك بعد أن داهمتهم السيول والأمطار وتقطّعت بهم السبل في منطقة وادي أم حجر، وظلوا عالقين فيها لأيام عدة.
إنقاذ الفاو بالقضارف
وعلى الصعيد ذاته، أرسلت الإدارة العامة للدفاع المدني قوة إسناد كبرى إلى المناطق المتأثرة بالسيول والفيضانات في ولاية القضارف، لمساندة قوات الدفاع المدني الموجودة في محلية الفاو وتقديم الدعم البشري واللوجستي لها، للاضطلاع بدورها في إنقاذ مواطني المحلية الذين تضرروا من السيول والفيضانات التي تشهدها المحلة.
وتحركت قوة من الدفاع المدني مدعومة بعدد كبير من الآليات والمولدات ومضخات سحب المياه ومجموعة كبيرة من الشوالات الفارغة لعمل الردميات اللازمة، بغرض إسناد الجهود المحلية والوقوف مع مواطني المنطقة في السيطرة على السيول والفيضانات، وتقديم العون وإنقاذ أرواح الأهالي وتأمين منازلهم وممتلكاتهم.
وفي السياق، أوضح العميد قرشي حسن عبد القادر، مدير دائرة الطوارئ والكوارث القومية في الإدارة العامة للدفاع المدني، في تصريحات صحافية، أن غرفة المعلومات المركزية تعمل بتنسيق تام مع جميع الجهات ذات الصلة.
وكان السودان تعرّض العام الماضي لكارثة مدمرة من السيول والفيضانات، أدت إلى إعلان مجلس الأمن والدفاع الوطني فرض حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، واعتبار البلاد منطقة كوارث.
وتسببت الكارثة بخسائر بشرية أودت بحياة 120 شخصاً وإصابة 46 آخرين، إلى جانب أضرار مادية كبيرة، شملت أكثر من نصف مليون نسمة، وانهيار كلّي لـ40 ألفاً و398 منزلاً وتضرر 118 ألفاً و392 منزلاً جزئياً، إضافة إلى تدمير 250 مرفقاً و97 ألفاً و751 فداناً في القطاع الزراعي ونفوق 5930 من الحيوانات الأليفة والدواجن.
وتصدرت ولاية سنار قائمة الخسائر في الأرواح والمنازل والحيوانات، تلتها ولايتا البحر الأحمر وشمال دارفور.