تستمد الفنانة اللبنانية سيمون فتال، التي تقيم بين فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، موضوعات أعمالها من التاريخ والأساطير والشعر الصوفي، وتستكشف من خلالها تأثيرات النزوح والنزاعات. تراوح أعمال فتال بين النحت والتصوير والتركيبات الإنشائية في ما يشبه السرد البصري للذاكرة والحكايات المشكلة للوعي البشري، من "ملحمة جلجامش" و"الأوديسة" إلى "الأميرة ذات الهمة"، وغيرها من الملاحم المرتبطة بمنطقة الهلال الخصيب واليونان القديمة، التي ترى فتال أن ثمة رابطاً يجمع بينهما. تتشابك هذه الحكايات الأسطورية في أعمال فتال بأحداث التاريخ وسردياته، كما تلامس الواقع المعاصر بمآسيه وتطلعاته.
الأعمال النحتية لسيمون فتال والمصنوعة من الطين والخزف والبرونز تبدو ذات أشكال مكررة وبدائية، غير أنك حين تتأملها تستشعر هذه الفروق والعلامات الدالة في ما بينها. إنها تختزل أشكالها المنحوتة إلى الحد الأقصى، فتشكل معاً توليفة متناغمة تذكرنا بهشاشتنا. لا تتوقف التجربة الإبداعية لسيمون فتال عند هذا الحد، إذ ترتبط تجربتها ارتباطاً وثيقاً بالأدب أيضاً، لا لكونها دأبت على استلهام عناصرها من الملاحم والأساطير وكتب التاريخ والفلسفة التي شغلتها طويلاً، بل كذلك لانشغالها في العمل الثقافي كمؤسسة لإحدى دور النشر في الولايات المتحدة الأميركية، وخوضها مجال الكتابة والترجمة، فقد أسست فتال دار نشر أبولو في كاليفورنيا عام 1980، والتي كان لها دور بارز في نقل الأدب العربي إلى الإنجليزية.
الشغف الفني
ظلت سيمون فتال لسنوات طويلة تمارس الفن بدأب إلى جوار عملها الثقافي، كانت ترسم وتصنع منحوتاتها الصغيرة من دون أن تعبأ بعرضها. كل ما كان يهمها هو أن تشبع ذلك الشغف بالرسم والتشكيل بالخامات المختلفة، هذا الشغف الذي لازمها منذ شبابها البكر حين كانت تدرس الفلسفة في بيروت. بعد سنوات طويلة من ممارسة سيمون فتال للفن التفتت إلى تجربتها مؤسسات فنية عالمية، فخلال العقد الأخير فقط عرضت أعمالها في أبرز دور العرض الباريسية، ودعاها متحف الفن الحديث في نيويورك (موما) عام 2016 لتنظيم معرض شامل لأعمالها، وقد كان لهذا المعرض دور في تسليط الضوء على منجزات سيمون فتال الفنية خلال خمسة عقود.
ولدت سيمون فتال في دمشق عام 1942، وانتقلت في صباها إلى لبنان، حيث درست الفلسفة، ثم غادرت لبنان إلى باريس لاستكمال دراستها في جامعة السوربون. وحين عادت فتال إلى بيروت في نهاية الستينيات من القرن الماضي بدأ اهتمامها بالفن يتخذ منحى آخر، إذ صارت أكثر حرصاً على البحث والتعلم وصقل موهبتها. وحين اشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية انتقلت فتال إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتحقت بمعهد الفنون في سان فرانسيسكو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جانب من أعمال سيمون فتال يعرض حالياً، وحتى الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في مؤسسة الشارقة ضمن معرض جماعي تحت عنوان "المطر سيكون رصاصاً إلى الأبد"، ويضم عملين للفنانة تتعرض خلالهما للظروف الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط. يعرض عملا فتال تحت عنوان "ذات الهمة" و"عبد الوهاب"، وقد استمدت فكرتهما من سيرة بطلين أسطوريين من ملحمة تحمل الاسم ذاته، وهي ملحمة غير معروفة على نطاق واسع حتى في العالم العربي. وهذان العملان يشكلان جزءاً من معرض سيمون فتال الفردي الذي نظمته مؤسسة الشارقة للفنون في عام 2016.
"المطر سيكون رصاصاً إلى الأبد" معرض يجمع عدداً من الأعمال التي تتناول الصراعات والحروب التي وقعت في البلدان الأصلية للفنانين، ومن بينهم سيمون فتال التي يتخذ المعرض عنوانه من أحد أعمالها. يقام المعرض تحت إشراف حور القاسمي، ويضم أعمالاً مختارة من المعارض السابقة أو التكليفات الخاصة لبيناليات الشارقة، بالإضافة إلى عدد من المقتنيات الفنية الحديثة التي تعرض لأول مرة. يشارك سيمون فتال فضاء العرض في الشارقة ثلاثة فنانين آخرين، وهم الفنانة والشاعرة إيتيل عدنان، والباكستانية لالا روخ، واللبناني شوقي شوكيني.
في هذه الأعمال تكشف إيتيل عدنان عن إمكاناتها الاستثنائية في التلوين، إلى جانب منسوجاتها الجدارية التي كلفت بإنجازها في بينالي الشارقة الثاني عشر. أما لالا روخ فتعكس أعمالها ارتباطها بالبحر والآفاق، بالإضافة إلى انهماكها الفلسفي في موضوعات الزمن واللامتناهي والعدم. ويعرض شوقي شوكيني نماذج من أعماله النحتية ورسوماته بالقلم الرصاص والألوان المائية، وتمثل الأعمال التي يعرضها شوكيني جانباً من المجموعة المختارة التي اقتنتها له مؤسسة الشارقة حديثاً.