Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملفات مطروحة على السوداني في زيارته لكردستان العراق

الرواتب وإشكالية عوائد النفط مع ترتيب الأوراق السياسية قبل المعترك الانتخابي المقبل

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني يستقبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (رئاسة وزراء العراق)

ملخص

يقول مصدر كردي مطلع إن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني انتهج أسلوباً براغماتياً لفرض سياسة متوازنة تؤطر سلطة كردستان في نطاق مقبول تحت السلطة الاتحادية، وفق صيغة آمنة تجنب ساحته احتمالات السقوط في بوتقة القوى السياسية السنية والشيعية وشارعهما الرافض منح امتيازات ومكاسب للمحافظات الكردية على حساب نظيرتها الاتحادية.

منذ تنصيبه رئيساً لوزراء العراق قبل نحو عامين، أجرى محمد شياع السوداني ثلاث زيارات إلى إقليم كردستان كان آخرها الأربعاء الماضي، عقد خلالها لقاءات موسعة مع مختلف الأطراف الكردية تناولت الملفات الخلافية العالقة بين حكومتي أربيل وبغداد، لكن الخطوة بدت محاطة بأجندة تتخطى المعلن في ضوء طموحات سياسية يتبناها السوداني المحاط بقيود القوى المتحكمة بالقرار لمرحلة الانتخابات البرلمانية الاتحادية المقررة في خريف العام المقبل.

ففي السياق الذي يحكم العلاقة بين الطرفين تحمل الزيارة أبعاداً مختلفة، مع توجه الأنظار مبكراً لإعادة ترتيب الأوراق قبل الانتخابات التي يشكل فيها الأكراد عاملاً مؤثراً في تشكيل أية حكومة، فهل يسعى السوداني عبر بوابة كردستان لتوطيد تحالفات تضمن له ولاية ثانية في منصب رئاسة الوزراء؟ وكيف سيتمكن من الموازنة بين مصالح القوى الشيعية ومطالب الأكراد؟

نظرة تتجاوز الخلافات

لم تخرج الأجندة المعلنة للقاءات السوداني مع القيادات الكردية عن أطر الخلافات الرئيسة القائمة، باستثناء الحديث عن محاولته للتقريب في ما بينها للإسراع في تشكيل حكومة جديدة في الإقليم، وتكمن هذه الخلافات في ملف تعليق صادرات نفط الإقليم الذي حقق قبل أيام تقدماً عقب إعلان بغداد موافقتها على تحديد 16 دولاراً لإنتاج ونقل كل برميل نفط في الإقليم بخلاف السقف المحدد في الجانب الاتحادي البالغ ستة دولارات.

إضافة إلى ملف أزمة تسليم الإيرادات ومرتبات موظفي الإقليم، والتحفظات الكردية على التعداد السكاني المقرر إجراؤه في الـ20 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ومشروع طريق التنمية الواعد الذي سيمر عبر الإقليم إلى تركيا، ومع ذلك فإن للسوداني بعد نظر يتخطى الإشكالات الآنية.

ما يسجل لمصلحة السوداني الذي تولى رئاسة الوزراء تحت رعاية قوى تحالف "الإطار التنسيقي" الشيعية المقربة من إيران، نجاحه في الحفاظ على علاقة ودية مع الأكراد، على رغم صدور قرارات قضائية اتحادية أفضت إلى تقويض سلطتهم، في مقدمها منعهم من تصدير النفط بمعزل عن بغداد وإلزامهم بتسليم مختلف الإيرادات مقابل إقرار حصة لهم في الموازنة الاتحادية.

 

 

ويقول مصدر كردي مطلع إن السوداني انتهج أسلوباً براغماتياً لفرض سياسة متوازنة تؤطر سلطة كردستان في نطاق مقبول تحت السلطة الاتحادية وفق صيغة آمنة تجنب ساحته احتمالات السقوط في بوتقة القوى السياسية السنية والشيعية وشارعهما الرافض منح امتيازات ومكاسب للمحافظات الكردية على حساب نظيرتها الاتحادية.

موازنة معقدة

وبالنظر إلى البعد الخفي للزيارة فإنها تنسجم مع حرص السوداني على الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع القيادات الكردية ضمن استراتيجية أوسع يتبعها لبناء توافقات وتحالفات قد تعزز من حظوظه في الانتخابات المقبلة وتالياً تؤمن له ولاية ثانية مستقرة، ذلك أن الأكراد يمثلون رقماً مؤثراً في المعادلة وغالباً ما يشكلون كتلة لها وقعها في البرلمان لتمرير القوانين والقرارات، أو في الأقل وضعهم في جانب الحياد، وفي المحصلة فإن نجاحه في إيجاد أي حل متوازن مع الأكراد في الملفات الرئيسة من دون أن يتعارض مع مصالح بقية القوى، سيعزز من صورته كسياسي وقائد وحدوي، كما يساعده في تحييد الأصوات المعارضة.

وفي ضوء التعقيدات التي تطغى على معادلة التحالفات السياسية في البلاد، فإن طريق السوداني لاستمالة موقف الأكراد وإدامته محاط بجملة من التحديات، بدءاً من سقف المطالب المرتفع، ومدى إمكان تقديمه تنازلات من شأنها ألا تضعه أمام فوهة غضب التيار الرافض لمنح أية امتيازات تفضيلية للأكراد.

كما أن للقوى الشيعية النافذة محددات تحجم السوداني عن تجاوز نطاق نفوذهم، وهذا يتطلب منه تحقيق موازنة في ظل تداخل سياسة أطراف المعادلة سواء محلياً أو خارجياً، إذ يلعب كل من طهران الداعمة للشيعة، وأنقرة المرتبطة بتفاهمات ومصالح مع حزب بارزاني وقوى عربية سنية، دوراً فاعلاً في التأثير في اتجاه بوصلة السياسة في الساحة العراقية، ناهيك بالدور الأميركي.

طموح محاصر

في ظل هذه المعطيات يجد السوداني نفسه في سباق صعب لكسب حلفاء قد يعوضونه عن تراجع علاقته مع بعض من القوى الشيعية التي تميل للإبقاء على رئيس وزراء ملتزم شروطها، لكن هذا المسعى تعترضه عوائق كبيرة، وفق رؤية المحلل السياسي دلشاد أنور الذي يؤيد فكرة وجود أهداف تتخطى المعلن في خطوة السوداني بالقول إن "لقاءاته التي لم تغفل حتى القوى الصغيرة تأتي للتغطية على الغاية الأهم، وهي تحصين ساحته إثر تدهور علاقته بزعماء القوى الشيعية الراعية لحكومته من بينهم نوري المالكي، بخاصة أن مكتبه يخضع لتحقيق حول تهمة التجسس على قيادات سياسية رفيعة، لذا تجري محاولات لتحجيم السوداني الطامح بعد تصاعد شعبيته للاحتفاظ بمنصبه وإدامته في الانتخابات المقبلة، وهي الأسباب الفعلية التي تدفعه إلى استقطاب حلفاء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أنور أن "صناع الدولة العميقة في العراق لا يرغبون بوجود رئيس وزراء قوي، بل ضعيف ملتزم بأجندة محددة تحمي مصالحها، ولنا تجربة لما حدث مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي ربما لا يجرؤ اليوم حتى على زيارة البلاد".

ويدرج المحلل أنور "انتخاب محمود المشهداني رئيساً للبرلمان، والمساعي إلى إجراء تعديل على قانون الانتخابات ضمن محاولات تقويض السوداني"، موضحاً أن "القوى المتحكمة بالقرار الفعلي للدولة تتجنب تنصيب رئيس وزراء غير مقبول لدى المجتمع الدولي لأسباب موضوعية، لكنها سرعان ما تكون مستعدة لإزاحته عندما تشعر بخطورة تمدد سلطته، وهذا ينطبق الآن على السوداني".

قيود تفوق الإمكانات

وبناءً على ما سبق يبرز تساؤل حول مدى قدرة السوداني على التأثير في تقريب وجهات النظر بين القوى الكردية ومن ثم استمالتها، وفي معرض إجابته يصف الصحافي والباحث في الشأن العراقي سامان نوح طابع هذا التحرك بالشكلي، وقال "ربما يحاول السوداني تعزيز علاقته بالقوى الكردية للحصول على دعم مستقبلي، لكن علاقة أربيل وبغداد خلال الفترة الماضية لم تكن سوى فترة هدوء، ثم إن خطوته لم تأت انطلاقاً من موقعه كرجل دولة على وفق المعطيات، لكون الأزمات في كردستان معقدة لا يملك السوداني العصا السحرية لحلها، وكذا الحال بالنسبة إلى الخلافات بين أربيل وبغداد التي لم تشهد بعد تقدماً حقيقياً في نطاق الملفات الجوهرية، باستثناء بعض الإشارات الإيجابية التي صدرت أخيراً في موضوع تصدير نفط الإقليم وتقدم نسبي في شأن مرتبات موظفي كردستان".

وأشار نوح إلى أن الملفات ما دامت بقيت عالقة في مجملها مع مختلف الحكومات فإن "السوداني غير قادر على إحداث تأثير لعدم امتلاكه كتلة برلمانية مؤثرة، لذا فإنه يبقى عاجزاً سواء عن التقريب بين القوى الكردية أو في فك عقدة الملفات الخلافية بين أربيل وبغداد، من دون جهود عمل حثيث ومتواصل وجريء في بغداد بين القيادات العليا".

تنازلات مكلفة

وتنظر بعض الأوساط السياسية إلى مرحلة السوداني بأنها "ربيع العلاقة" بين أربيل وبغداد على وقع انتهاجه سياسة شبه مرنة في ما يتعلق بالسقوف الزمنية المحددة في القرارات القضائية الملزمة الصادرة عن المحكمة الاتحادية ضد الإقليم الكردي.

 

 

ويحصر الباحث الأكاديمي علاء مصطفى هذه العلاقة بين السوداني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني قائلاً "واضح أن الحكومة تبدو متريثة في موضوع إلزام الإقليم بتسليم إيراداته في وقت تواصل فيه صرف مرتبات موظفيه، لئلا تضر علاقتها بأربيل"، وإزاء التطور الحاصل في ملف النفط أوضح "يمكن اعتبار موافقة حكومة السوداني على تحديد سقف مرتفع في مسألة كلف الإنتاج والنقل مجاملة كبيرة للإقليم، لأن هذا يحمل بغداد كلفاً عالية، وبناءً عليه فإن العلاقة بين الطرفين ودية جداً".

رهانات خارجية

من زاوية أخرى قد يرتبط هذا التحرك باستراتيجيات أوسع تتجاوز النطاق المحلي والتحضير لمتغيرات سياسية يتوقع أن تطرأ على المستوى الإقليمي والدولي، لا سيما بعد عودة الجمهوريين للرئاسة الأميركية بقيادة دونالد ترمب، وفي هذا الجانب يؤكد الباحث مصطفى أن "للخطوة ارتباطاً بعودة ترمب التي ستكون صعبة ومعقدة، فالسوداني كما قوى تحالف الإطار التنسيقي كان الأقرب إلى الديمقراطيين وليس الجمهوريين، والدافع ينطبق أيضاً على الانتخابات البرلمانية المقبلة أيضاً، وهنا يمكن أن يكون الطرف الكردي وتحديداً حزب بارزاني سنداً للسوداني بفعل صلته الوثيقة بالإدارة الأميركية".

وعن مدى نجاح استمرار العلاقة المتجانسة بين بارزاني والسوداني نوه مصطفى بأنها "تبقى غير مطلقة بالنظر إلى استراتيجية حزب بارزاني بطبيعة الحال المائلة في آخر المطاف إلى الطرف الأقوى، وهنا فإن السوداني يظهر في معسكر دولة القانون بزعامة نوري المالكي وهو الطرف الفاعل في الإطار التنسيقي في معسكر آخر، وله أيضاً علاقة متميزة مع بارزاني".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير