Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"دريسينغ روم" مسرحية امرأة تواجه رهبة الزمن

السورية حلا عمران والفلسطينية بيسان الشريف تتلاعبان بالجمهور في عرض يحتمل التأويل

الممثلة السورية حلا عمران في المسرحية (خدمة الفرقة)

ملخص

"دريسينغ روم" عرض مسرحي ينتمي إلى مسرح ما بعد الدراما، قدمته في القاهرة الممثلة السورية حلا عمران، من إخراج الفلسطينية بيسان الشريف، يكتفي في ظاهره بتقديم وصفة سحرية لإزالة التجاعيد، وإن كان في عمقه يطرح أسئلة تصلح معها كل الأجوبة.

"لن أحكي عن الحرب" جملة تبدو عابرة، في مسرحية "دريسينغ روم" الذي قدمته الممثلة السورية حلا عمران، مع المخرجة الفلسطينية بيسان الشريف، على مسرح استوديو ناصيبان في جمعية الجيزويت - القاهرة، ضمن برنامج مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة "D-CAF "، لكنها جملة ربما تلخص كل تداعيات الحرب وآثارها.

يبدو هذا العرض مراوغاً في كل شيء، فهو أولاً من العروض التي يصعب تصنيفها. تقدمه ممثلة واحدة (حلا عمران) لكنه ليس مونودراما في معناها المعروف، وهو ليس عرضاً نسوياً، كذلك فإنه لا ينتمي إلى المسرح الدرامي، ذلك المسرح الذي يلعب النص فيه دوراً مركزياً، وتكون له الغلبة على العناصر الأخرى، بل إن الممثلة تسأل الجمهور عن تصوره لما يتناوله أو يتضمنه العرض، في تأكيد ضمني على أننا بصدد نثار من الحكايات أو المشاهد، التي لا رابط محدداً بينها، وتسأله كذلك عن مقترحه لطريقة إنهاء العرض، فضلاً عن أن العرض أشبه بالبروفة، التي يمكن للممثل، أو المخرج، خلالها، تعديل بعض الجمل أو المشاهد.

أما المضمون الذي يقدمه العرض فهو المراوغة بعينها، من المفترض أن "دريسينغ روم" كما ذكر صناعه "يقدم التجاعيد والسياسة، يسلط الضوء على التجاعيد في أجساد النساء، التي تتشكل مع مرور الزمن وبسبب الأزمات، وعلى التحولات السياسية والاجتماعية القاسية والعنيفة، إذ يرصد رحلة البحث والعثور على وصفة سحرية لتجاوز "سن اليأس"، فتتولى الممثلة إعداد الوصفة على المسرح، إذ يتناول العرض أسئلة عن الزمن والشيخوخة والذاكرة من خلال استحضار تجارب نساء من بلدان عربية عدة، عشن حياتهن على جانبي المتوسط" نعم كان ذلك كله حاضراً، لكنه الحضور الخادع، الذي يضمر في أعماقه ما هو أبعد بكثير من مجرد "حكي نساء" أو تقديم وصفة لاستعادة النضارة.

ما بعد الدراما

ينتمي العرض، حسب تصوري، إلى ما يعرف بالمسرح ما بعد الدرامي، ذلك المسرح الذي نظر إليه الباحث المسرحي الألماني هانس ليمان، في كتابه "مسرح ما بعد الدراما" وترجمته إلى العربية مروة مهدي، وصدر العام الماضي عن المركز القومي للترجمة بمصر.

يستعين العرض بوسائط أخرى، مثل التمثيل السينمائي والصور، بل وبأدوات صناعة تلك الوصفة السحرية لإزالة التجاعيد، التي يتم تحضيرها عملياً على المسرح. أي إن هناك إصراراً على تجاوز الحدود الجمالية المعروفة للمسرح، والسير في طريق المغامرة، أخذاً في الاعتبار ما قد يسببه ذلك للمشاهد من تشوش في الرؤية والتأويل، إذ يفقد هنا أدوات القياس التقليدية، التي يستقيها من الإحالة إلى الواقع، مما يفتح الباب واسعاً أمام اجتهادات أو تأويلات مختلفة، أظنها جميعاً في صالح العرض.

يبدأ العرض بالممثلة حلا عمران وهي تدندن ببعض مقتطفات من أغاني السوري صبري مدلل، وتخاطب الجمهور بأن العرض لم يبدأ بعد، هي فقط تضبط صوتها، ثم تستطرد إلى تعريف المقام الذي تغني منه، تقول إنه مقام "صبا" ذلك المقام الذي لا يليق إلا بالحزن، مؤكدة أن كل ما حولها ينتمي إلى المقام نفسه، وحتى لو تخلل غناءها مقام آخر فرح، فإن "صبا" ما يلبث أن يفرض نفسه. ملابس الممثلة كانت سوداء.

خلف الممثلة شاشة سينما، ستستعين بها المخرجة لعرض بعض اللقطات لنساء عربيات تجاوزن الخمسين، هن نساء من خلفيات مختلفة، ينتمين إلى سوريا ولبنان ومصر، كل منهن تسرد حكاية مختلفة عن الزمن، الثورة، الحرب، الغربة، الأحفاد، أما الممثلة فتتحدث عن وصفة لعلاج التجاعيد، بل تقوم بتحضيرها واقعياً أمام الجمهور، الذي لا تكف، طوال العرض، عن التواصل معه، ليحدث ما يمكن اعتباره تغذية ذاتية ممتدة داخل العرض.

للوهلة الأولى سيتأكد المشاهد أن فكرة الإيهام هنا غير موجودة، كما أن الأحداث، سواء اللقطات السينمائية، أو السرد الذي تقدمه الممثلة، لا تحاكي الواقع أو تمثله، بصورة مباشرة، فالحكايات هنا مختلفة، ومتقطعة، لا تشير في الغالب، وبصورة واضحة ومباشرة، إلى الواقع الذي يمكننا أن نستمد منه تفسيرنا أو تأويلنا لما يجري أمامنا.

جلسة دردشة

بدت حلا عمران، عن وعي بالتأكيد، كما لو كانت في جلسة" دردشة" مع مجموعة من الأصدقاء، فلا تمثيل، ولا إيهام به، ربما يكون نص العرض معداً من قبل، أو في الأقل ما يشبه السيناريو، لكنها تمنح نفسها مساحة من الارتجال، أو الاستطراد في موضوعات أخرى، لا علاقة لبعضها ببعض. كل ذلك مقصود، في ظني، وكله يعمل على إزاحة أو تجاوز الحدود الجمالية للمسرح الدرامي، ليترك المشاهد في النهاية في حيرة من أمره، يبحث عن التأويل الذي يخصه.

"لن أحكي عن الحرب" جملة عابرة قالتها حلا عمران، ربما تكون جملة مفتاحية يمكن من خلالها تأويل أو تفسير العرض، أخذاً في الاعتبار أن التأويل هنا مجرد اجتهاد شخصي، وظني أن كل التأويلات، في مثل هذه النوعية من العروض، لها وجاهتها، وهو ما يمنح مسرح ما بعد الدراما قدرته على العيش والتأثير، وسط منافسة شرسة من وسائط أخرى كالسينما أو التلفزيون.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا أضفنا إلى تلك الجملة حرص الممثلة على ذكر مقام "صبا" المرتبط بالحزن، وكذلك الحرص على الاستعانة بمجموعة من النساء المتقدمات في العمر، فربما أحالنا ذلك على حالة من اليأس أو اللاجدوى، يسعى العرض إلى تصديرها، إمعاناً في سخريته المُرة من الواقع، فمعظم هؤلاء النساء لسن ضحايا فحسب لأفعال الزمن، بل هن أيضاً ضحايا للحروب والاضطرابات السياسية في بلادهن، فإذا كان العطار لا يستطيع إصلاح ما أفسده الدهر، فإن الحديث عن وصفة لإزالة تجاعيد الجسد هو بمثابة حديث عن وصفة لإزالة تجاعيد الروح، وكلتاهما "الوصفتان" لا يمكن أن تفلحا في مهمتهما.

حديث الحرب

لقد مل الناس من حديث الحرب والسياسة، وفقدوا آمالهم في العيش بسلام، فلنجرب إذاً حديثاً آخر، وهو ما يذكرنا بأحد الكتاب، وفي ظل انسداد الأفق السياسي في بلاده، كتب مقالاً يستعرض فيه أنواع الجبن وأفضلها، وعندما سئل "هل هذا وقت استعراض أنواع الجبن؟" أجاب "إنه وقته تماماً" في إشارة واضحة إلى أن الاشتباك مع الموضوعات السياسية لم يعد ذا جدوى.

السؤال الآن هل تنسحب تلك الإجابة على عرض تقدمه فنانتان اكتوت بلادهما بنيران الحروب؟ أيضاً فقد جاء عنوان العرض متسقاً مع طبيعته المغامرة، فـ"دريسينغ روم" تعني غرفة تبديل الملابس، لماذا جاء بلغة أجنبية أساساً، وعن أي ملابس يتحدث، ما الذي يروم تغييره، أهي ملابس أم أشخاص، أم ماذا تحديداً؟

كل التأويلات مفتوحة، ويبقى فقط أننا أمام عرض مسرحي مغامر حقق متعة المشاهدة والسؤال، السؤال الذي يظل دائماً من دون إجابة واحدة وواضحة وحاسمة، وتلك أحسبها أهم ما يميز العرض.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة