تتعرض وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل لضغوط نتيجة مطالبتها بتوضيح الآلية التي ينبغي على وزارة الداخلية اعتمادها، لتأمين مسارات آمنة للمواطنين الأفغان الهاربين من حكم حركة "طالبان"، من شأنها أن تساعدهم في الوصول إلى المملكة المتحدة، خصوصاً بعدما قالت لهؤلاء، إنه ينبغي عليهم عدم محاولة الوصول إلى بريطانيا عبر وسائل غير شرعية.
وكانت الوزيرة البريطانية قد أوضحت للصحافيين يوم الخميس الفائت، أن الحكومة تريد "تفادي" عبور أفغانيين للقناة الإنجليزية من خلال شبكات المهربين، متعهدةً بضمان إعادة توطين الأفراد الذين لم يتمكنوا من الفرار من بلادهم، في المملكة المتحدة.
إلا أن ناشطين في مجال الدفاع عن حقوق هؤلاء، أشاروا إلى وجود "عدد من الأسئلة" المطروحة حول الخطة التي يتعين اعتمادها لإيجاد هذه الطرق، منبهين إلى أن النهج الذي طرحته السيدة باتيل "أخفق في فهم حقيقة الصراع وإدراك طبيعة الاضطهاد" السائدَين في أفغانستان، وحذروا من العدد الكبير من اللاجئين الأفغان الذين هم في طريقهم الآن إلى المملكة المتحدة.
في هذا الوقت، تتزايد المخاوف من معاقبة المواطنين الأفغان الذين يصلون إلى بريطانيا عبر طرق غير مشروعة، كالقوارب الصغيرة التي تعبر القناة الإنجليزية، وذلك استناداً إلى موجبات خطط الهجرة التي وضعتها وزيرة الداخلية، والتي تستهدف منع أي طالب لجوء يصل إلى المملكة بهذه الطريقة، من الحصول على وضع الحماية الدائمة.
في المقابل، ما زال من غير الواضح في أي تاريخ سيتم البدء بتنفيذ الخطة الجديدة والآلية التي يتوجب اعتمادها لإعادة توطين الأفغان. وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت عنها الأسبوع الماضي، ملتزمةً استقبال 5 آلاف شخص في السنة الأولى.
وقالت باتيل في حديث لها خلال زيارتها مطار هيثرو، الذي كانت قد وصلت إليه للتو طائرة تنقل 369 شخصاً تم إجلاؤهم من العاصمة الأفغانية كابول، إن عبور مواطنين أفغان للقناة الإنجليزية من خلال شبكات مهربي البشر كان "بالضبط ما نريد تجنب حدوثه" لأنه "من الواضح أنه يسهم في تعريض حياة أسَر للخطر".
وأكدت وزيرة الداخلية أن حكومة بلادها "مصممة وملتزمة تماماً" حيال الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الهرب من أفغانستان قبل الانسحاب البريطاني من هناك، بحيث ستحرص على توفير رحلات آمنة لهم يُعاد على أثرها توطينهم في المملكة المتحدة.
وأضافت، "لقد اختبر العالم هذا الوضع من قبل خلال الأزمة السورية. ففي عام 2015، شاهدنا آلاف الأشخاص يقضون نحبهم في مياه البحر الأبيض المتوسط، أثناء قيامهم بأكثر الرحلات خطورةً وغدراً، التي كانت تلقيهم في براثن المتاجرين بالبشر ومهربي الأفراد الذين لا يهتمون بسلامتهم".
وعاودت باتيل التأكيد على "الالتزام الكلي" لحكومة المملكة المتحدة تجاه الأشخاص الذين لم يتمكنوا من الفرار من أفغانستان قبل الانسحاب البريطاني، وحرصها على توفير رحلات آمنة لهم لإعادة توطينهم في بريطانيا.
وأردفت باتيل بالقول إن "أولئك الأشخاص الذين لم يتمكنوا من المغادرة، لن يُتركوا هناك، لأن عملاً ضخماً يُجرى الآن، وقد ظهر ذلك كما رأيتم في إطار اجتماعات مجموعة السبع "G7"، حيث أكد رئيس الوزراء البريطاني على أننا سنؤمن لهم ممراً آمنا".
لكن وزير الداخلية في حكومة الظل "العمالية" نيك توماس سيموندز، وصف الوعود (التي تطلقها بريتي باتيل) بأنها تأتي متأخرة وهي أشبه بـ "محاولة إغلاق باب الإسطبل بعد هروب الحصان"، داعياً باتيل إلى "وضع خطط فورية في هذا الإطار".
وأضاف سيموندز قائلاً، "إن سوء التعامل المروع من جانب الحكومة البريطانية مع الانهيار الذي حصل في أفغانستان، وضع عدداً كبيراً من الأرواح هناك في دائرة الخطر، ووسط أزمة إنسانية محتملة". واعتبر أن الافتقار للتخطيط الهادف إلى إخراج الناس من وضع الخطر هو أمر لا يُغتفر، خصوصاً بعد مرور نحو ثمانية عشر شهراً على اتفاق الدوحة".
وقال وزير الداخلية في حكومة الظل المعارضة، "ما زلنا حتى الآن لا نعرف متى سيتم فتح هذه الطرق الآمنة المفترضة، أو كيف سيتمكن هؤلاء الأفراد الذين يخشون على حياتهم، من الحصول على المساعدة بعد إغلاق المطار ومغادرة القوات البريطانية. إنها فوضى عارمة وخطيرة. ويتعين على الحكومة أن تتحمل المسؤولية، وأن تضع خططاً فورية في هذا الإطار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه المخاوف كررها تيم ناور هيلتون الرئيس التنفيذي لمنظمة "ريفوجي أكشن" Refugee Action (مؤسسة خيرية مستقلة تقدم المشورة والدعم للاجئين وطالبي اللجوء في المملكة المتحدة) عندما رأى أنه فيما رحبت منظمته بأي مبادرة من شأنها أن تساعد على إعادة توطين لاجئين أفغان في المملكة المتحدة، ما زالت هناك "أسئلة كثيرة مطروحة حول طريقة تنفيذ خطة هذه الطرق من الناحية العملية".
وأشار هيلتون إلى أن "الأفراد الهاربين (من أفغانستان) يتعرضون لضائقة ولضغوط شديدة. وفي غياب الوضوح من وزارة الداخلية البريطانية حيال طريقة تنفيذ تعهدها بإعادة توطين جميع اللاجئين الأفغان، سيُضطر هؤلاء الأفراد إلى اتخاذ قرارات صعبة، بما فيها السفر براً مع تكبد مختلف المخاطر والأخطار التي تنطوي عليها هذه العملية".
تجدر الإشارة إلى أن بيانات حكومية بريطانية تم نشرها صباح الخميس الفائت، كشفت أن 661 لاجئاً أفغانياً فقط قد مُنحوا الحق في إعادة التوطين في المملكة المتحدة، في السنة المنتهية في يونيو (حزيران) 2021، أي بنسبة تقل بنحو 81 في المئة عن العام السابق.
ومنذ أن أطلقت وزارة الداخلية "برنامج إعادة التوطين في المملكة المتحدة" UK Resettlement Scheme (UKRS) في مارس (آذار)، الذي كان من المقرر أساساً أن يؤمن ملاذاً لقرابة 5 آلاف لاجئ من مختلف أنحاء العالم في سنته الأولى، تم قبول 310 أشخاص فقط في إطاره.
وقد ألغت وزارة الداخلية هدفها العددي في إطار "برنامج إعادة التوطين في المملكة المتحدة" في وقت سابق من هذه السنة، متذرعةً بأن الأرقام ستظل في المقابل قيد المراجعة، بناءً "على قدرة السلطات المحلية والحكومة المركزية ومجموعات الرعاية المجتمعية على استيعابهم في الفترة التي تتعافى فيها المملكة المتحدة من وباء كوفيد".
ودعا هيلتون الحكومة إلى "مضاعفة فورية" لالتزامها الراهن إعادة توطين 5 آلاف أفغاني في السنة الأولى، معتبراً أن الغالبية العظمى من الأفغانيين المعرضين للخطر (من حركة "طالبان") "يجب ألا يكونوا ضمن الخمسة آلاف شخص المحظوظين الذين سيُعاد توطينهم".
أما إنفر سولومون الرئيس التنفيذي لـ "مجلس اللاجئين" Refugee Council (منظمة مقرها بريطانيا تساعد المهاجرين وطالبي اللجوء من خلال المشورة والدعم العملي، لا سيما لجهة الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة)، فاعتبر أن وزيرة الداخلية السيدة باتيل "كان في مستطاعها" توسيع نطاق الطرق الآمنة، لو كانت فعلاً راغبةً في منع الفارين الأفغان من اللجوء إلى مهربي البشر من أجل الوصول إلى بر الأمان.
وقال سولومون، إن "ذلك يشمل وضع برنامج إعادة توطين أكثر طموحاً، وتوسيع إطار الأفراد الذين يمكنهم الانضمام إلى اللاجئين في المملكة المتحدة من خلال لم شمل أسرهم، وعبر منحهم تأشيرات إنسانية".
المتحدث باسم حزب "الديمقراطيين الأحرار" البريطاني للشؤون الداخلية أليستر كارمايكل، لفت إلى أن "آلاف الأفغان، لا سيما منهم نساء وأطفال ضعفاء، يحاولون الهروب الآن إلى مخيمات اللاجئين في كل من إيران و باكستان المجاورتين بغية النجاة بأرواحهم. ولا يمكننا أن نقف متفرجين وأن نتركهم هناك".
وختم كارمايكل بالقول، "يُفترض بالسيدة باتيل، أن تلتزم التزاماً أكثر طموحاً بكثير من التعهد الراهن، من أجل إعادة أولئك الفارين من حركة طالبان إلى بر الأمان، بدلاً من إدارة ظهرها للاجئين وتقليص عدد الأفراد الذين نعيد توطينهم في المملكة المتحدة".
© The Independent