تجنبت ليبيا مؤقتاً آثار العاصفة السياسية التي كان مجلس النواب على وشك إثارتها، بسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، بعدما استجاب الأخير لطلب الاستجواب، وموافقة البرلمان على تأجيل جلسة المساءلة لأسبوع على الأقل.
ومع أن حكومة الوحدة نجحت في تجنب سحب الثقة منها، وتخفيض حدة التصعيد مع البرلمان إلى حين، إلا أن ذلك الخطر لا يزال ماثلاً. كما أن مشاكلها التي تكاثرت أخيراً لم تنته، مع نشوب أزمتين متزامنتين، الأولى بين وزير النفط محمد عون ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، والثانية تتمثل في انتفاضة المسلحين السوريين المنتشرين في طرابلس، للمطالبة بمرتباتهم المتأخرة منذ أشهر.
تأجيل الاستجواب
ووافق مجلس النواب الليبي على تأجيل جلسة الاستجواب والمساءلة لحكومة الوحدة الوطنية، بعدما طلب رئيس الوزراء تأجيل الجلسة مع موافاة حكومته بنقاط الاستجواب المحددة من البرلمان، لإعداد الردود عليها.
ووجه وزير الدولة لشؤون حكومة الوحدة الوطنية، عادل جمعة، خطاباً إلى مجلس النواب، طلب فيه "موافاة الحكومة بنقاط الاستجواب حتى يتسنى إعداد الردود اللازمة". وأضاف الخطاب أن "الوزراء سيعدون ردوداً على تلك النقاط، عقب عودة الدبيبة من مهمة عمل في الخارج، محددة مسبقاً قبل ورود دعوة الاستجواب".
وأشار جمعة إلى "عدم تحديد المواضيع المطلوبة للاستجواب في كتاب مدير شؤون الرئاسة بمجلس النواب، لدعوة الدبيبة وأعضاء الحكومة إلى الجلسة، التي كانت مقررة الاثنين 30 أغسطس (آب)، كما ينص عليه النظام الداخلي لمجلس النواب، الذي يقر أن لكل عضو أو أكثر طلب استجواب الحكومة بمجموعها أو أحد الوزراء (في موضوع معين)".
في المقابل، قال الناطق باسم مجلس النواب، عبد الله بليحق، إن "البرلمان عقد جلسته الرسمية، الاثنين، برئاسة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وبحضور النائب الأول لرئيس المجلس فوزي النويري، إذ نُوقش استجواب الحكومة والطلب المقدَّم من الحكومة بتحديد نقاط الاستجواب بشكل دقيق".
وبيَّن بليحق أن "المجلس شكل لجنة من النواب من كل اللجان الدائمة لإعداد نقاط الاستجواب بشكل دقيق، لإحالتها إلى الحكومة للاستعداد لجلسة الاستجواب الأسبوع المقبل، بالإضافة إلى تشكيل لجنة من النواب لإعداد مقترح الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد لعرضها على مجلس النواب".
ونوه بأن "البرلمان شكل لجنة من النواب للتواصل مع وزارة المالية لمعرفة الأموال التي صرفتها الحكومة وكيفية صرفها، وطلب معلومات من ديوان المحاسبة والرقابة الإدارية قبل الجلسة المقبلة".
خطر الإقالة
على الرغم من أن الحكومة تجاوزت مؤقتاً خطر الإقالة، فإنها ما زالت مهددة بسحب الثقة، مع إصرار قوى سياسية فاعلة داخل البرلمان وخارجه على إسقاطها، على الرغم من التحذيرات من دخول البلاد قبل أشهر قليلة من الانتخابات العامة، في أزمة سياسية قد تؤدي إلى تأجيلها عن موعدها المحدد في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتبين من النقاشات التي دارت في جلسة مجلس النواب الأسبوعية، الاثنين، أن التيار البرقاوي في البرلمان، المكون من 27 نائباً، الذي كان وراء طلب تحديد جلسة لاستجواب الحكومة، بناءً على مذكرة تتهمها بالتقصير في أداء واجباتها وتهميش إقليم برقة، لا يزال مصراً على موقفه، ويسعى صراحةً إلى سحب الثقة من الدبيبة، وإسقاط حكومته بالكامل.
وخلال الجلسة، التي شهدت من جديد خلافات كثيرة بين النواب، قال عضو المجلس، عبد المنعم العرفي إن "عبد الحميد الدبيبة، لا يمكن أن يبقى على رأس الحكومة". وأضاف "كيف نسائل الحكومة وليس لدينا معلومات من جهات مثل ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية ووزارة المالية ومصرف ليبيا المركزي"، داعياً إلى "مطالبة الحكومة بتحديد أوجه صرف النفقات خلال الفترة الماضية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واتهم عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي رئيس الحكومة الموحدة بـ"تجاوز التفاهمات التي تشكلت على أساسها مبادرة القاهرة بهدف ضمان حقوق جميع الأقاليم". وأشار الدرسي في كلمته خلال الجلسة، إلى أن "الدبيبة لم يعط الصلاحيات الكاملة لوزرائه، ولم يحسم ملف منصب وزير الدفاع استجابة لدعوة اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)"، داعياً إياه إلى "التراجع عن مواقفه".
إلا أن هذه المطالب المرتفعة السقف من التيار البرقاوي، قوبلت بمعارضة تيارات أخرى في البرلمان، إذ اعتبر النائب صالح همة، أنه "لا يمكن الحديث عن سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة قبل طرح البديل"، موجهاً في كلمته خلال الجلسة، انتقادات للحكومة وملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي حمله "مسؤولية اختيار الحكومة والإخفاقات التي توالت منذ اختيارها بداية العام الحالي".
زوبعة في فنجان
خارج قبة البرلمان، تواصلت النقاشات في الوسط السياسي حول جدية نيات البرلمان في سحب الثقة من الحكومة، وقانونية هذا القرار لو اتُّخذ، وآثاره على المشهد السياسي الليبي المعقد.
وقال نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق، عبد الحفيظ غوقة، إن "السلطة التنفيذية الجديدة جاءت بإرادة الأمم المتحدة عبر ملتقى الحوار السياسي الليبي، وقرار حجب الثقة عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية لا يملكه مجلس النواب، ولن يكون أمامه سوى القبول بهذه الحكومة"، مشيراً إلى أن "الأمور ستؤول إلى ملتقى الحوار السياسي، حال رفض الحكومة، باعتباره مصدر تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة".
وحذر غوقة من عودة خطر انقسام المؤسسات السياسية، في حال أصر البرلمان على اتخاذ إجراءات ضد الحكومة تصل إلى سحب الثقة منها، مضيفاً "لو أقدم مجلس النواب على سحب الثقة من الحكومة، ستستمر كحكومة أمر واقع كما كان الحال مع حكومة فائز السراج التي استمرت خمس سنوات، واستنزفت المليارات من دون مراقبة من مجلس النواب، وهذا ما يحدث الآن، هذه الحكومة تعمل بمعزل عن مجلس النواب، الذي يمكنني أن أصف عمله بالبائس".
وحذر من أن "تنفجر الخلافات والمشاكل التي قد تصل إلى الاشتباك المسلح، كلما اقتربنا من موعد الانتخابات في ديسمبر المقبل".
المشري يتدخل في الأزمة
من جهة أخرى، يبدو أن أزمة البرلمان والحكومة لن تنحصر بينهما، بعدما بدأت أطراف أخرى بالتدخل، في مقدمهم رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، الذي أطلق تصريحات تظهر اصطفافه إلى جانب الحكومة في أزمتها مع البرلمان، إذ قال إن "رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يتخذ القرارات في البرلمان بفردانية ولا يحترم المؤسسات".
وتابع رئيس مجلس الدولة أن "مجلس النواب ليس له الحق في تعديل الموازنة، بل له الحق في القبول أو الرفض. ولا يمكن لمجلس النواب سحب الثقة من الحكومة من دون التشاور مع مجلس الدولة، ولا أستبعد إنشاء حكومة موازية في الشرق في حال استمرار عرقلة عمل حكومة الوحدة الوطنية".