ليلة السبت الفائت، اختُتم عقدان من تدخل القوات البريطانية في أفغانستان مع مغادرة آخر عناصر السلك الدبلوماسي والعسكري مطار كابول، وانتهاء أكبر مهمة لإجلاء الرعايا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد أمنت عملية "بيتينغ" النقل الجوي لأكثر من 15 ألف مواطن بريطاني وعنصر تابع للدول الحليفة إلى بر الأمان خلال فترة تقل عن أسبوعين.
لكن الآلاف غيرهم ما زالوا داخل البلاد، ويواجهون مستقبلاً مجهولاً. ومنهم عشرات المترجمين الأفغان الذين عملوا لصالح الجيش البريطاني، ولكن قيل لهم إنه لن يُسمح بدخولهم أراضي المملكة المتحدة لأنهم يشكلون "خطراً على الأمن (القومي)".
وصرح رئيس الوزراء بوريس جونسون، بأن هذه "لحظة تستدعي التأمل في كل التضحيات التي قدمناها والإنجازات التي حققناها خلال العقدين الماضيين".
وطأ الجنود البريطانيون أرض أفغانستان للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، ضمن قوة للحلفاء، مهمتها العثور على زعماء تنظيم القاعدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) المدمرة. لكن بعد مرور نحو 20 عاماً على هذه اللحظة، وخسارة أرواح 457 جندياً بريطانياً، عادت الجماعة المسلحة لتحكم قبضتها على أفغانستان.
واتهم حزب العمال وزراء الحكومة بأنهم "غابوا عن الساحة" خلال أزمة أفغانستان، في إطار لعبة تراشق المسؤولية على خلفية طريقة إدارة الانسحاب بعد الحملة التي استمرت 20 عاماً في ذلك البلد.
وأفادت صحيفة "سانداي تايمز" أن أصابع الاتهام [اللوم] وُجهت إلى وزارة الخارجية وشؤون الكومنويلث جراء عدم تأمين ما يكفي من طرق الفرار من البلد، في وقت تشير هذه المزاعم إلى أن 9000 آلاف شخص كانوا يستحقون الإنقاذ- على غرار النساء والصحافيين ومساعدي الإغاثة- تُركوا لمصيرهم.
وأعرب وزير الدفاع بين والاس سابقاً عن اعتقاده بأن ما بين 800 و1100 أفغاني مؤهلون بموجب برنامج سياسة إعادة نقل الأفغان ومساعدتهم، سوف يُتركون في أفغانستان، فيما سيبقى ما بين 100 و150 مواطناً بريطانياً في البلاد، مع أن والاس أوضح بأن بعضهم قرر البقاء طوعاً.
لكن في المقابل، قال بعض النواب إنه وفقاً لمراسلاتهم الخاصة، فإن الأرقام أعلى بكثير في رأيهم.
وأفادت تقارير عن قيام واش لديه تصريح بدخول حسابات البريد الإلكتروني التابعة لوزارة الخارجية بإطلاع صحيفة "الأوبزيرفر" على صندوق بريد إلكتروني، يُستخدم من أجل استقبال حالات إجلاء محتملة لأفغان يرسلها نواب وغيرهم بانتظام، يضم 5 آلاف رسالة غير مفتوحة، منها رسائل إلكترونية من وزراء حكوميين وزعيم حزب العمال السير كير ستارمر ونواب برلمانيين.
وقال السير كير "هل تستطيع الحكومة أن تخبرنا كم شخصاً من أولئك المذكورين في البريد الإلكتروني خرجوا، أو الأهم، لم يخرجوا فيما كانوا مؤهلين للخروج؟ نحتاج إجابات فورية من رئيس الوزراء حول الخطوات التي ستُتخذ لضمان أمن وسلامة الأشخاص الذين تُركوا، وكذلك نحن بحاجة إلى الدعم المناسب للنواب لكي يتمكنوا من أداء وظيفتهم، وللقيادة الجديدة في وزارة الخارجية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"مرة جديدة، انكشف تراخي هذه الحكومة وانعدام كفاءتها ونتيجة ذلك مأساوية. نعلم منذ 18 شهراً بأن هذه اللحظة آتية. فمن غير المقبول عدم وضع أي استراتيجية لإخراج جميع المواطنين البريطانيين والأفغان الذين ندين لهم".
لللإشارة، فإن نحو 2200 شخص من الذين نُقلوا جواً إلى بر الأمان (على متن أكثر من 100 رحلة لسلاح الجو الملكي) هم من الأطفال، لا يتجاوز عمر أصغرهم اليوم الواحد.
وقد ولدت لاجئة تدعى سومان نوري، طفلة أسمتها هافا، على متن رحلة إجلاء كانت متوجهة إلى برمنغهام يوم السبت.
وإلى جانب إخراج الناس، جلبت القوات المسلحة على متن رحلاتها إمدادات حيوية مثل وجبات الطعام النباتية التي يجوز أكلها من قبل المسلمين، و250 ألف لتر من قناني المياه لتوزيعها على من كانوا ينتظرون المغادرة.
وقد تقلص الوجود البريطاني في أفغانستان منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2014، حين سلم مركز العمليات الأساسي في محافظة هلماند، مخيم باستيون، إلى القوات الأفغانية وسُحبت القوات المقاتلة.
لكن بقي عدد ضئيل من الجنود في البلاد للمساعدة في تدريب قوات الأمن القومي الأفغانية، إلى جانب القوات الأميركية التي واصلت نشاطها من خلال مهمة قتالية مصغرة.
والعام الماضي، اتفقت إدارة الرئيس دونالد ترمب مع حركة "طالبان" على تاريخ لانسحاب كافة قوات "الناتو"، في إطار ما يُسمى اتفاق الدوحة.
وفي المقابل، تعهدت "طالبان" بمنع تنظيم القاعدة من العمل في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، وبعقد محادثات مستمرة مع الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب.
وفى الرئيس جو بايدن بتعهد سحب القوات، وقال إن الجنود سيرحلون قبل حلول الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
ومن دون دعم الجيش الأميركي، قالت القوات البريطانية، إن مغادرة البلاد هي الخيار الوحيد أمامها.
وسوف تنتقل السفارة البريطانية، كما السفير البريطاني إلى أفغانستان، السير لوري بريستو، إلى قطر مؤقتاً، لكن النية هي إعادة فتح سفارة في كابول في أقرب وقت ممكن.
وقد شدد الوزراء على أن برنامج سياسة إعادة نقل الأفغان ومساعدتهم غير مشروط بفترة زمنية محددة، ويمكن لأشخاص آخرين يُعدون عرضة للخطر مثل النساء والفتيات، التقدم بطلب الانضمام إلى برنامج إعادة توطين المواطنين الأفغان، الذي سيستقبل 20 ألف لاجئ في السنوات المقبلة.
© The Independent