أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي أنه بالتعاون مع مجموعة تداول السعودية، ينوي تأسيس منصة تدعى "منصة الرياض الطوعية"، والتي تهدف لتداول وتبادل تأمينات وتعويضات الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذه المنصة التي أعلن الصندوق عزمه على تأسيسها ضمن الجهود والمبادرات الرسمية وغير الرسمية التي تقوم بها السعودية للمساهمة في الخطة العالمية لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحرارية، ستكون الأولى من نوعها في المنطقة، والنموذج الوحيد للشركات والقطاعات المختلفة بالشرق الأوسط، التي تبحث عن نماذج عادلة ومجدية اقتصادياً للمساهمة في خفض الانبعاثات، من خلال شراء أو بيع أرصدة تعويض الكربون المكافئ عالي الجودة.
ماذا يعني هذا؟
تداول انبعاثات الكربون نهج دولي يستخدم لإغراء الشركات المتضررة من سياسات خفض إطلاق الكربون في الهواء للمشاركة بفاعلية في السياسة البيئية، وتقوم على تحديد سقف لنسبة الانبعاثات المسموح بها للشركات والمؤسسات المنضوية التي قبلت الانضمام للمظلة، ومن ثم يتم تقسيم هذه النسبة بين هذه المؤسسات.
هذه الآلية تحول كميات الكربون التي يملك الأعضاء حق إطلاقها في الأجواء إلى سلعة يمكن تداولها، بحيث يحق للدولة أو الكيان الذي تسبب بانبعاثات أقل من حقه المقرر، وفق المنصة، أن يبيع الزيادة إلى دول أو كيانات أخرى منضوية في المنصة وتحتاج إلى استهلاك وقود إضافي سيتسبب في زيادة انبعاثاتها على حقها المسموح.
وتستخدم هذه الآلية عادة كوسيلة لتحفيز الشركات عن طريق تحويل عملية خفض الانبعاثات إلى سلعة يمكن بيعها والتكسب من ورائها، وأيضاً تساعد الشركات التي لديها حاجة لكسر السقف المقرر في منطقتها وضمان أن يكون كسراً استثنائياً لا يضر بالمستهدفات العامة لاتفاق باريس للمناخ دون أن تقع في ورطة ضريبية، خاصة في الدول التي تفرض ضرائب على الانبعاثات.
كيف يتم تقدير سعر "تأمينات الكربون"؟
لا يزال موضوع تحديد قيمة الانبعاثات في السوق بالنسبة لمتداولي تأمينات الكربون محط جدل، إلا أن كل منظمة مشابهة تضع معياراً يتفق عليه الأعضاء مثل أن يتم احتسابها بطريقة سوقية عن طريق تقييم تكاليف الصناعة الباعثة للغازات الدفيئة، إلا أنها طريقة تقييم متذبذبة لعدم وجود أسعار سوقية ثابتة لجميع السلع.
هناك تقييمات أخرى، كأن يتم احتساب تأثير الانبعاثات على صحة الإنسان، أو مقدار تأثيرها المستقبلي على النظام البيئي، إلا أن المعيار الاقتصادي هو الأكثر فاعلية واستخداماً.
التأمينات مقابل الضرائب
يأتي هذا النموذج مقابل فكرة فرض الضرائب على الانبعاثات، إذ تنجح بعض الصناعات في الضغط لإعفاء نفسها من ضريبة الكربون، أو التحايل عليه، لكن مع تداول الانبعاثات يكون لدى الملوثين حافز لخفض الانبعاثات. إلا أن مؤيدي الضرائب يرون أنها أداة أقل فاعلية في حماية البيئة من الغازات، وأبطأ في التأثير، إذ تعد الضريبة أسهل في التطبيق على نطاقات أوسع، فقد أثبتت فورية النتائج في بريطانيا وكندا بعد سنها ببضعة أشهر، بالإضافة إلى أنها توفر الحوافز الصحيحة للملوثين والمخترعين والمهندسين لتطوير تقنيات أنظف، بحسب أنصار الضرائب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يرى "تجار الكربون" أن نظام التداول يعد نموذجاً أكثر فاعلية لخفض الانبعاثات، إذ تملك هذه الطريقة سقفاً تنازلياً عادة ما تكون محددة بنسبة مئوية تنخفض بناء عليه كل عام، مما يعطي اليقين للسوق ويضمن أن الانبعاثات ستنخفض بمرور الوقت. عكس الضريبة التي تملك سقفاً غير ثابت وتقديرياً لتحقيق الأهداف.
برامج مماثلة
يوجد في العالم عدد من برامج تداول مماثلة، مثل نظام الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات "EU ETS"، الذي يتم تنسيقه بشكل عام مع أهداف الانبعاثات المنصوص عليها في إطار بروتوكول "كيوتو"، وهي الخطوة التنفيذية الأولى لاتفاق الأمم المتحدة المبدئي في شأن التغير المناخي الموقعة في 1992.
وهناك أيضاً مخطط تجارة الكربون الوطني الصيني، وهو الأكبر في العالم، بدأ العمل في عام 2021، ويستهدف نطاقاً يبلغ 3.5 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مخصصة لـ1700 منشأة تعهدت طوعياً بتخفيض ثاني أكسيد الكربون.
ويضم النموذج الصيني سبع مقاطعات ومدن، وهي بكين، وتشونغتشينغ، وشنغهاي، وشنتشن، وتيانغين، وغوانغدونغ، ومقاطعة هوبي.
وهناك نماذج أخرى مثل النموذج الهندي، والأميركي، والأسترالي، والكندي، والياباني، والنيوزيلندي، والبريطاني، والكوري الجنوبي، التي تختلف في تفاصيلها، إلا أنها تتفق على الفكرة العامة.
منصة الرياض
أما نموذج "منصة الرياض" الذي أعلن عنه اليوم فهي منصة طوعية تضم عدداً من الجهات التنظيمية، ومنها اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة، التي باشرت للتو وضع وتحديد المنهجيات والأطر التنظيمية والفنية ونماذج الحوكمة التي ستسير عليها.
وقال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تعليقاً على الإعلان، إن الخطوة تأتي ضمن الجهود الرامية "لمواجهة تحديات تغير المناخ وتحفيز المؤسسات على تقليل انبعاثاتها الكربونية، وامتداداً لجهود تحسين البيئة وتقليل الآثار السلبية الناجمة من التطور الحضري" التي تتسبب في الاحتباس الحراري.
وأوضح ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة الذي أطلق المنصة، أن الصندوق "يعمل على عدد من المشاريع النوعية التي تستمد طاقتها من مصادر متجددة، وتستخدم مواد مستدامة، ويحرص الصندوق على توظيف خبراته في المجالات المالية لصناعة بيئة مناسبة لهذه المنصة، استناداً على علاقاته وشراكاته وقوة محفظته الاستثمارية، وذلك تماشياً مع الجهود الدولية الهادفة إلى المساهمة في تحسين أثر الاستثمارات على المناخ والبيئة.