بعد أيام قليلة من عطلة الرابع من يوليو (تموز) في الولايات المتحدة، أصدر رجل أعمال، يبلغ من العمر 37 عاماً، في دنفر اسمه إريك فورهيس إعلان الاستقلال الخاص به، وقال فيه، إن الشركة التي أسسها "شيب شيفت" قبل سبع سنوات لمساعدة الناس على تبادل العملات الرقمية من دون إتاحة أسمائهم للحكومة ستبقى خدماتها متاحة لمن يريدها، حتى وإن اختفى الجميع.
وكتب فورهيس على "تويتر"، حيث لديه ما يقرب من 525 ألف متابع، "شيب شيفت هي إنشاء نظام مالي غير قابل للتغيير وبلا حدود، لنكن مباشرين: لا يجوز إدارة المال والتمويل من قبل الحكومات، فالناس أحرار تماماً كحرية تعلم اللغة والرياضيات والحب، أي طواعية ومن دون قاعدة مركزية".
ومنذ ذلك الحين، أصبح إعلان "فورهيس" الصادر في 14 يوليو، موضوعاً ساخناً للمحادثات في الدوائر التنظيمية الأميركية، حيث رأى بعض المسؤولين أنه ينذر بمرحلة جديدة في معركة منع غسيل الأموال على سلاسل الكتل، دفاتر الأستاذ الرقمية لمعاملات العملات المشفرة.
ولطالما شعر المنظمون بالقلق من أن سرية تجارة العملات المشفرة، التي يتحكم فيها حامل "المفتاح الخاص"، وهو شكل من أشكال كلمة المرور المشفرة في العملات المعدنية، والتي تخلق فرصاً لإخفاء أصل الأموال وملكيتها. واليوم، يخشون من أن تجعل تقنيات "بلوك تشين" الجديدة الأمر أسهل للمجرمين والفاسدين، الذين يعتقد أنهم يقومون بغسل مئات المليارات من الدولارات سنوياً، لنقل الأموال في جميع أنحاء النظام المالي العالمي.
جاذبية "ديفي" والتمويل اللامركزي
تغذي مخاوف غسل الأموال من بوابة العملات المشفرة نمو ما أصبح يعرف بالتمويل اللامركزي أو "ديفي"، وهي شركة بأصول تقاس الآن بعشرات المليارات من الدولارات. وتعمل أنظمة "ديفي" تحت أسماء مثل "يوني سوابو سوشي سواب"، و"بان كيكس سواب"، وتسعى منصات "ديفي" إلى استبدال الوسطاء الماليين مثل البنوك أو الوسطاء ببرامج تعرف باسم العقود الذكية، والتي تعمل عادة على "إثيريوم بلوك تشين"، والتي من شأنها أتمتة نشاط السوق، وعلى الرغم من أن وضعها القانوني ضبابي، وتباين هياكلها، فإن "دي أيه أو أس"، (المنظمة المستقلة اللامركزية، التي تسمى أحياناً شركة مستقلة لا مركزية، وهي منظمة ممثلة بقواعد مشفرة كبرنامج كمبيوتر يتسم بالشفافية ويسيطر عليه أعضاء المنظمة ولا يتأثر بحكومة مركزية)، تعد وسيلة للسيطرة على منصات "ديفي" في أيدي مجتمع من أصحاب المصلحة، وغالباً ما يعهد إليهم برموز الحوكمة التي تمنح حقوق التصويت، بدلاً من شركة مركزية.
وتكمن جاذبية منصات "ديفي" في أنها ستخفض التكاليف وتسرع التداول باستخدام الأصول الرقمية، في حين يكمن القلق السائد بين المنظمين في أنهم سيحلون محل الكيانات ذاتها التي تلجأ إليها الحكومات للمساعدة في إنفاذ قوانين مكافحة غسل الأموال المصرفيين والوسطاء ومرسلي الأموال الذين يقفون بين الناس والأسواق.
وما يثير القلق، بشكل خاص، مصير إحدى الركائز الأساسية لنظام مكافحة غسيل الأموال، وهو مطلب الشركات المالية، وهو مستند، "اعرف عميلك"، يعني التزام تقديم مستند "اعرف عميلك"، أنه من المفترض أن يعرف الوسطاء أسماء مستخدميهم، ومراقبة معاملاتهم، والإبلاغ عن الأنشطة التي تثير شكوكاً بشأن غسل الأموال للسلطات.
لم يرغب فورهيس وحلفاؤه في مجال العملات المشفرة أبداً في معرفة عملائهم، وهم يعتقدون الآن أن ابتكارات "ديفي" في الأشهر الأخيرة ستمكنهم من التحرر من مثل هذه الالتزامات، كشركة، خضعت "شيب شيفت" لضغوط تنظيمية في عام 2018 وبدأت في جمع تفاصيل المستخدمين، بصفتها "دي أيه أو أس"، منظمة مستقلة لا مركزية، لم تعد "شيب شيفت" ترى شرطاً لإجراء فحوصات "اعرف عميلك" أو (نو يور كلاينت)، كما يقول.
وقالت المتحدثة باسم الشركة فيرونيكا ماكجريجور في بيان، "لا تقدم الشركة أي خدمات منظمة"، في الوقت الحاضر، لا توجد جهات تنظيمية رسمية لـ"دي أيه أو أس"، أو "شيب شيفت"، وهي ليست بورصة، وليست وسيطاً مالياً، ولا تحتفظ بأي أموال، إنها ببساطة واجهة مفتوحة المصدر للمستخدمين للتفاعل مع الأصول الرقمية الخاصة بهم.
الصراع القانوني وصناعة الخدمات المالية
يقول المسؤولون التنفيذيون في الصناعة، إن النتيجة الأكثر ترجيحاً لهذه التطورات ستكون الصراع القانوني. في أحد جوانب المعركة، يوجد مطورو البرمجيات، بدافع من المثل التحررية والاعتبارات التجارية، الذين يتطلعون إلى قلب صناعة الخدمات المالية رأساً على عقب، ومن ناحية أخرى، يتساءل المنظمون عما سيتبقى للتنظيم في السنوات المقبلة.
يقول ديفيد جيفانز، الرئيس التنفيذي لشركة "سايبر تريس"، وهي شركة استخبارات للعملات المشفرة بدأت في عام 2015 بتمويل من وزارة الأمن الداخلي الأميركية للمساعدة في منع الجرائم المالية لـ"فايننشال تايمز"، "لقد سمح هذا بموجة لطيفة من الابتكار، وهو أمر رائع. ولكنه يسمح بموجة من الابتكار من قبل الأشخاص الذين يحاولون غسل الأموال من خلال النظام".
لقد ظهرت مجموعة من الشركات التحليلية للمساعدة في الكشف عن النشاط غير المشروع في الصناعة، لكن أدواتها مناسبة بصورة أكبر لاكتشاف الجرائم التي تحدث على "بلوك تشين" نفسها، مثل السرقات والاحتيال ومدفوعات برامج الفدية، أكثر من تحديد مقدار الأموال من الجرائم المرتكبة في مكان آخر، والتي تجد طريقها إلى أسواق التشفير.
وتستفيد هذه الجهات الرقابية من حقيقة أن معاملات "بلوك تشين" حيث تجمع البيانات لتحديد الأنماط المشبوهة للنشاط أو العناوين، عبر التركيز على هذا النوع من جرائم "العملة المشفرة الأصلية"، بمعنى أنها "تعتمد عملياً على العملة المشفرة أو تتشابك معها بطبيعتها"، وتقدر شركة "تشيناليسيس"، وهي شركة متخصصة في مجال التحليلات الجنائية المشفرة، أن النشاط غير المشروع مثل 0.34 في المئة من حجم معاملات العملة المشفرة في عام 2020، بانخفاض عن 2.1 في المئة في عام 2019، حيث ارتفع المستوى العام لنشاط التشفير العام الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول "تشيناليسيس" إنها تعلم أن الجهات الفاعلة السيئة مثل تجار المخدرات "يغسلون أموالهم غير المشروعة عن طريق تحويلها إلى عملة مشفرة وإرسالها إلى جميع أنحاء العالم". لكنها تضيف أنه "من الصعب التحقيق في هذا النشاط في الحالات الفردية أو تحديد حجمه بشكل إجمالي" لأن هذه الأموال تنتقل "إلى العملة المشفرة مباشرة من العملات الرسمية "فيات" (عملة تصدرها الحكومة ولا تدعمها سلعة مثل الذهب) بدلاً من الانتقال من العناوين غير المشروعة المعروفة"، على "بلوك تشين"، حيث لا أثر لكيفية جني الأموال في الأصل.
من المفارقات في ثورة "ديفي" أنه على الرغم من كل الحديث عن استبدال البنوك والوسطاء، لا تزال صناعة العملات الرقمية تعتمد على لاعبين خاضعين للتنظيم مثل خط الدفاع الأول ضد غسيل الأموال، وينظر إلى هذه الشركات، ببرامجها المكلفة لمكافحة غسيل الأموال، على أنها حراس "المنحدرات" التي تربط بين عالم العملات الرقمية والعملات المشفرة، كما هي الحال في الأفلام الغربية القديمة، من المفترض أن تتخلص البنوك والوسطاء من الأشرار عند المرور.
إضافة إلى التحدي الذي يواجه تطبيق القانون، هناك أيضاً بعض المطورين الذين يعملون على زيادة صعوبة اكتشاف النشاط غير المشروع، يتضمن أحد الأمثلة صعوبة تتبع عملات الخصوصية، مثل "مونيرو"، و"زدكاش"، و"داش"، ووصفت وزارة العدل الأميركية استخدامها، العام الماضي، بأنه "مثال على نشاط شديد الخطورة يشير إلى سلوك إجرامي محتمل".
يقول جيفانز من "سايبر تريس"، إن عملات الخصوصية "مصممة لتجنب الاكتشاف" من خلال تقنيات تشمل "توقيعات الحلقة، ما يعني أن أطرافاً متعددة تشارك في توقيع معاملة، لذلك من الصعب معرفة أي طرف بدأها بالفعل"، ويرى أن هناك "مساحة في نظام التشفير البيئي لعملات الخصوصية"، ولكن فقط إذا أضاف مطوروها ميزات امتثال لتمكين تمييز العنوان الذي يأتي منه الرمز المميز.
ويقول جيفانز، "إنك تتحدث عن العديد من حاملي الدكتوراه في علوم الكمبيوتر والرياضيات والتشفير الذين يساهمون في هذا المشروع". وأضاف، "إنهم ليسوا أشراراً بالضرورة. إنهم يريدون فقط بناء نظام الدفع الأكثر خصوصية على كوكب الأرض ولا يهتمون حقاً بمن يستخدمه. من منظور فكري إذا كنت ترغب في بناء أكثر الأنظمة خصوصية في العالم، فعليك أن تبدأ ببنائه، لكن الأشرار يستخدمون هذه الأنظمة في واقع الأمر".
تحديات مقبلة
ويقول مايكل جرونيجر، الرئيس التنفيذي لشركة "تشيناليسيس"، "هناك متطلبات مكافحة غسيل الأموال التقليدية، لذلك بمجرد أن تجلب الدولارات إلى متجر، في بورصة تشفير، إلى وسيط، فإنهم ملزمون بالقواعد التقليدية، وسوف يلتقطون ذلك ".
ويضيف جيفانز أن السؤال الذي يواجه المسؤولين الأميركيين هو "كيف يتم تنظيم الشخص الذي يكتب بعض البرامج" من قبل وزارة الخزانة أو لجنة الأوراق المالية والبورصات، ويعتقد جرونيجر أن الأمر قد يستغرق عامين حتى تظهر التحديات القانونية الناجمة عن التداول بالعملات المشفرة.
العملات المشفرة ومعضلة غسل الأموال
ويعمل معظم مبيضي الأموال بشكل جيد مع الأساليب التقليدية، مثل خلط الأموال غير المشروعة في التدفقات التجارية أو تحويلها إلى أصول مثل الممتلكات أو الفن، ولكن في حين يصعب حساب مدى غسل الأموال في أسواق العملات الرقمية، فإن القلق الرسمي لا يمكن إنكاره، وكانت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأميركية، قد وصفت "إساءة استخدام" العملات المشفرة بأنها "مشكلة متنامية"، وقبل شهر، ربطت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، الأصول الرقمية بـ"نشاط غسيل الأموال المستهجن تماماً".
وقالت فرقة العمل الإلكترونية الرقمية التابعة لوزارة العدل الأميركية في تقرير صدر العام الماضي، "المجرمون من جميع الأنواع يستخدمون بشكل متزايد العملات المشفرة لغسل عائداتهم غير المشروعة"، وأضافت، "قد تجد المنظمات الإجرامية بما في ذلك كارتيلات المخدرات، أن العملة المشفرة مفيدة بشكل خاص لإخفاء الأنشطة المالية ونقل مبالغ ضخمة من الأموال بكفاءة عبر الحدود دون اكتشافها".
تفضيل "عدم" معرفة عميلك
يًسلًط تاريخ "شيب شيفت" الخاص الضوء على جاذبية الأنظمة الخاصة. عندما بدأ فورهيس تبادل العملات المشفرة في عام 2014، في العام نفسه الذي وافق فيه على دفع 50 ألف دولار لتسوية مزاعم هيئة الأوراق المالية والبورصات التي تنطوي على بيع أوراق مالية غير مسجلة، لم تطلب "شيب شيفت" من العملاء معلومات شخصية. فورهيس، الذي يرى مخططات "اعرف عميلك" على أنها "غير أخلاقية وخطيرة"، يجادل بأن جمع هذا النوع من البيانات يخلق "نقطة جذب" للمتسللين المتخصصين في سرقة الهوية.
وقال فورهيس، إنه أصبح يخشى إغلاق بورصته إذا فشلت في اتباع قواعد "اعرف عميلك"، وبدأ في البحث عن معلومات شخصية من عملائه، وإلى جانب الاضطرابات في أسواق التشفير، أدى التغيير في سياسة "اعرف عميلك" إلى تدمير الشركة، ما أجبرها على خفض عدد موظفيها إلى النصف تقريباً من 135 شخصاً إلى حوالى 70، كما قال في مقابلة بالفيديو نشرت على موقع "شيب شيفت" الإلكتروني.
تبنى "ديفي" من قبل خصوم "اعرف عميلك" أو "نو يور كلاينت" والتي تعرف بحروف "كي واي سي"، ما يزيد من احتمال أن تصبح المنصات خدمات مالية أشبه بالسيارات ذاتية القيادة التي يمكنها فعل كل شيء تقريباً، ولكن تتوقف عند الإشارة الحمراء. ومع ذلك، فإن تطبيق المكابح التنظيمية قد يكون صعباً، وهناك تساؤلات حول ما إذا كان المسؤولون الأميركيون لديهم السلطة القانونية لفرض قواعد مكافحة غسيل الأموال على مطوري البرامج الذين يقفون وراء مثل هذه البروتوكولات.
في حين يناقش المدافعون عن العملة المشفرة بالفعل أن المنظمين قد ينتهكون دستور الولايات المتحدة إذا حاولوا ذلك، ويقول ميلر وايتهاوس ليفين، مدير السياسات في صندوق "ديفي فند إديوكيشن"، وهو مجموعة مناصرة للصناعة، "إن كتابة ونشر البرمجيات هي حرية التعبير بموجب التعديل الأول في الدستور الأميركي"، وأضاف، "كيف تطلب مسبقاً من الناس تغيير كلامهم بشكل أساسي للامتثال لما تعتقد الحكومة أنه ينبغي عليهم فعله؟".
سيكون النهج الأكثر احتمالاً هو العثور على جزء من الشركات في منصات “ديفي" التي يمكن ربط الالتزامات القانونية بها، ولمح غاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، إلى مثل هذه الاحتمالات قائلاً إن منصات "ديفي" تذكره بأعمال الإقراض في بروتوكول الإنترنت "من الند إلى الند" التي تطورت في الجزء الأول من القرن.
وقال إن "ديفي" لديها "قدر معقول من المركزية"، بما في ذلك آليات الحوكمة ونماذج الرسوم وأنظمة الحوافز، وأضاف، "يريد كثير من المطورين أن يقترحوا أنهم لا [يفعلون أي شيء] أكثر من تطوير البرمجيات"، "إنها تسمية خطأ أن نقول إن منصات "ديفي" مجرد برامج يتم طرحها على الويب."
دعاة "ديفي" ومتطلبات الضريبة
ويقول دعاة "ديفي" إنهم يدركون الصعوبة التي تواجهها السلطات في تشكيل آليات تنظيمية من شأنها أن تعمل من دون الوسطاء الماليين التقليديين، لكنهم يحذرون من أن الاستجابة السريعة قد تدفع ابتكار "ديفي" إلى بلدان أخرى، كما أن لديهم حلفاء في الكونغرس يشاركونهم مخاوفهم. وأظهرت الضجة التي حدثت في مبنى "الكابيتول هيل" هذا الصيف بشأن فرض متطلبات إعداد التقارير الضريبية على "وسطاء" العملات المشفرة، والتي لم يتم حلها بعد، أن الصناعة لديها حلفاء على جانبي الانقسام السياسي في الولايات المتحدة.
وفي النهاية، يريد صناع التشفير أن تمنح منصات "ديفي" المجال الذي يحتاجون إليه لتطويرها. ويجادل هؤلاء المدافعون بأن الأشخاص الذين يفهمون عيوب المنصات بما يكفي لإصلاحها هم مطورو البرمجيات الذين توصلوا إلى البروتوكولات في المقام الأول.
وتقول كريستين سميث، المديرة التنفيذية لجمعية "بلوك تشين أسوشييشن"، وهي مجموعة ضغط في الصناعة، إن مجتمع العملة المشفرة لديه أفكار حول كيفية [الاستجابة]، وأضافت، "مطلبنا من صانعي السياسة، دعونا نأخذ بعض الوقت للتعرف على ذلك".