هل تشكل القمة الروسية - السورية التي انعقدت في موسكو، الإثنين 13 سبتمبر (أيلول)، نقطة تحول نحو وضع جديد يخرج سوريا من حالة المراوحة بين التوتر والتأزم والتشرذم إلى مسار الحل السياسي ومعالجة أزمتها السياسية والاقتصادية والمعيشية الحادة؟
زيارة الرئيس السوري بشار الأسد المفاجئة إلى موسكو ولقاؤه مع الرئيس فلاديمير بوتين، تخللتها مواقف لافتة من كل منهما حيال ما تعانيه بلاد الشام، وفتحت الباب على تكهنات كثيرة في شأن إمكان إطلاق العملية السياسية المتعثرة من جهة، وحول تحرك مفترض من قبل موسكو للتخفيف من حدة الأزمة المعيشية التي تتسبب في اهتزاز الاستقرار في مناطق سيطرة النظام، من جهة ثانية، لكن القمة أطلقت كثيراً من التكهنات حول ما قصده بوتين في انتقاده لوجود القوات الأجنبية في سوريا، وهل يشمل في حديثه القوات الإيرانية إضافة إلى التركية والأميركية وقوات التحالف الدولي الموجودة لمقاتلة تنظيم "داعش"؟
الزيارة بناء على طلب الأسد
الزيارة تمت بناء على طلب الأسد بعد أن شهدت العلاقة بين الحليفين خلال الأشهر الثلاثة الماضية تمايزات واضحة في التعاطي مع العديد من العناوين على الساحة السورية، آخرها الاتفاق الذي رعته القوات الروسية وفرضته في محافظة درعا بين النظام ومسلحي المعارضة في بعض القرى، والذي أدى، في مطلع شهر سبتمبر، إلى وقف النار وفك الجيش السوري حصاره على درعا البلد وتسليم السلاح الثقيل وبعض المتوسط، وخروج المسلحين المتطرفين (حوالى 60 مقاتلاً) إلى محافظة إدلب، وترحيل البعض الآخر بناء على إصرار جيش النظام إلى خارج سوريا، وعودة النازحين الذين خرجوا منها جراء القصف العنيف، مع انتشار وحدات من الجيش النظامي، لا سيما اللواء الثامن من الفيلق الخامس (الذي يقع تحت النفوذ الروسي، بمؤازرة الشرطة العسكرية الروسية لتثبيت الأمن).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أن الزيارة تمت بعد انتقادات لاذعة للنظام وللأسد، ظهرت تباعاً في وسائل الإعلام الروسية لا سيما بعد تجديد انتخابه لولاية رابعة في مايو (أيار) الماضي، واتهم بعض كتاب هذه المقالات من المعروفين بأن مواقفهم صدى لتوجهات وزارة الخارجية الروسية والبعض الآخر يعكس رأي وزارة الدفاع، الرئيس السوري بأنه ومحيطه أفشلا اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، التي اتفق على إنشائها منذ عام 2018 في "سوتشي" لوضع الدستور الجديد، ويجنح نحو العودة إلى التصعيد العسكري بدل السعي إلى الحل السياسي، كما أن الدبلوماسيين الروس لم يخفوا انزعاجهم من عدم استقبال دمشق للمبعوث الأممي الخاص بسوريا غير بيدرسون منذ أشهر، لأنها تعتبره منحازاً للمعارضة حول أفكار تعديل الدستور السوري، في وقت تتفق موسكو معه على وجوب وقف المراوحة في جولات اجتماعات اللجنة الدستورية.
اتفاق درعا وهيبة الدولة السورية
وفي معلومات متصلين بالمسؤولين الروس، أن الأسد وجد في الضغط الروسي من أجل الحل في درعا بدلاً من ترك الجيش السوري يحسم المعركة مع المعارضين فيها إضعافاً لنظامه، وأنه فضل مناقشة الأمر في زيارته لموسكو. وتشير هذه المعلومات إلى أن الأسد قرر استكشاف الموقف الروسي الحليف بانتقاله إلى روسيا لمعرفة تفاصيل نظرتها إلى الوضع الميداني، فضلاً عن عدم ارتياحه لإصرارها على تنفيذ اتفاق درعا ومعارضتها قيام الجيش باستعادة المنطقة بالقوة، وأفادت المعلومات بأن الأسد أبلغ الجانب الروسي بأن إجبار قواته على التراجع وفك الحصار كما حصل في الاتفاق في درعا يساهم في إضعاف هيبة الدولة والجيش، ما ينعكس على سطوتها في مناطق أخرى، مهما كانت سيطرة النظام عليها، ما شجع على قيام تظاهرات فيها ضده بحجة الاحتجاج على الأوضاع المعيشية، فتعود إلى التمرد على النظام والسلطة.
طلب موسكو العودة لاتفاق إبعاد ميليشيات إيران
يشير العارفون إلى أن بوتين ناقش مع الأسد ضرورة إطلاق العملية السياسية بجدية، خصوصاً أنها تقوم باستقبال رموز من المعارضة للبحث معهم في هذا التوجه، وكذلك إنجاح عمل اللجنة الدستورية، كما أن البحث جرى في إبعاد القوات التابعة لإيران في المنطقة الجنوبية إلى مسافة تضمن الحدود مع الأردن ومع الإسرائيليين بناء على اتفاق مسبق حصل عام 2019 بين روسيا وإسرائيل والأردن ومصر والولايات المتحدة الأميركية، في وقت كانت الميليشيات الموالية لإيران والحرس الثوري تشارك الجيش السوري النظامي في حصاره منطقة درعا.
وأثار الرئيس الروسي مع الأسد شكوى الملك الأردني عبد الله الثاني خلال زيارته موسكو في 23 أغسطس (آب) الماضي من أن العناصر الإيرانية والميليشيات الموالية لإيران توجد في المنطقة بلباس الجيش السوري.
وكانت المعلومات الرسمية التي وزعت من الكرملين نسبت إلى بوتين قوله للأسد إن "المشكلة الرئيسة، في رأيي، تكمن في أن القوات الأجنبية موجودة في مناطق معينة من البلاد من دون قرار من الأمم المتحدة ومن دون إذن منكم، وهو ما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي ويمنعكم من بذل أقصى الجهود لتعزيز وحدة البلاد ومن أجل المضي قدماً في طريق إعادة إعمارها بوتيرة كان من الممكن تحقيقها لو كانت أراضي البلاد بأكملها تحت سيطرة حكومة شرعية واحدة".
وفي وقت وجد المراقبون في هذا الكلام إشارة إلى الوجود الإيراني، الذي بات محرجاً لموسكو في علاقتها مع الدول المحاذية لسوريا جنوباً، نظراً إلى ضمانه في السابق أمن الحدود معها، فإنه يمكن اعتباره موجهاً أيضاً إلى وجود الجيش الأميركي شرق الفرات وفي محافظة دير الزور، إضافة إلى توغل الجيش التركي بعمق 35-40 كيلومتراً عرضاً، خصوصاً أن الجانب الإيراني يثير مسألة الوجود العسكري الأميركي وضرورة سحبه، مقابل المطالبة بانسحاب الحرس الثوري الإيراني، إذ تؤكد دمشق وطهران أن هذا الوجود شرعي لأنه بطلب من الحكومة السورية. وذكرت المعلومات أن بوتين اضطر إلى تناول المسألة بصيغة الجمع، لإحداث توازن مع الوجود العسكري الأميركي، إذ إن خروج الجيش الأميركي من الأراضي السورية مطلب مزمن.
إحياء اللجنة الدستورية وتعديل لهجة الأسد
كما أن الضغط الروسي لإحياء اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف لم يلقَ تجاوباً من الأسد، وعوض بوتين للأسد التباين حول الوضع الميداني والموقف السياسي، بامتداح التجديد له ولاية رئاسية رابعة، ومحاولاته الحوار مع المعارضة، في معرض تذكيره بضرورة إطلاق الحلول السياسية.
في المقابل، وصف الأسد العقوبات (الأميركية) بأنها غير متكافئة ولا إنسانية ولا شرعية، ولفتت إشارته إلى أن "جيشي سوريا وروسيا" حققا نجاحات ملموسة في القضاء على الإرهاب، إذ إنه لم يذكر المساعدة الإيرانية لنظامه كما جرت العادة، في وقت كرر الحديث عن جيشي سوريا وروسيا مرتين، كذلك حرص الأسد على تأكيد وجود "عوائق أمام العملية السياسية لأن هناك دولاً تدعم الإرهابيين وليست لها مصلحة في أن تستمر هذه العملية ليتحقق الاستقرار في سوريا".
فالرئيس السوري عدل لهجته في موسكو بعدما كان تجاهل العملية السياسية في خطاب القسم في 17 يوليو (تموز) الماضي، رافضاً الحوار مع "خونة" وانتقد اللجنة الدستورية مؤكداً تمسك الشعب السوري بالدستور الحالي.
كما أن وزارة الخارجية السورية عادت فاستقبلت الموفد الأممي بيدرسون قبل ساعات من قمة موسكو، بناء على إلحاح من الأخيرة، تمهيداً لإحياء اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف قريباً، بعد أن كانت ترفض لقاءه.
دور الكرملين في المساعدات الاقتصادية
وعلمت "اندبندنت عربية" أن الأسد عرض الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا في معرض شكره بوتين على المساعدات التي ترسلها موسكو، وأثار معه إمكان تدخله مع الجانب الأميركي كي يرفع اعتراضه على حصول دمشق على مبلغ مليار ونصف المليار دولار أميركي يحق لها سحبها من صندوق النقد الدولي، بحجة عقوبات قانون "قيصر".
ويتوقع أن تسعى القيادة الروسية إلى بحث حصول دمشق على تسهيلات أميركية تساعد الأسد على معالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة، لاعتقادها أن ترك سوريا لإيران يرسخ نفوذها فيها لا سيما على الصعيد الاقتصادي، حيث تتوسع الاستثمارات الإيرانية العقارية والتجارية خصوصاً في محيط دمشق. والعقوبات التي يفرضها قانون "قيصر" تحول دون عودة الاستثمارات العربية إليها، وهو موضوع كان مدار بحث في اجتماع اللجنة المشتركة الروسية الأميركية في 15 و16 سبتمبر في جنيف، والتي ضمت نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين والممثل الخاص لبوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف، ومن الجانب الأميركي منسق سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريت ماكغورك.
كما أن النظام يطمح إلى تفعيل التجارة مع الأردن بعد تطبيع الوضع في محافظة درعا الحدودية لاستعادة بعض الدورة الاقتصادية عبر التصدير إلى الدول العربية براً. إلا أن دون ذلك عوائق منها الخشية من تهريب المخدرات عبر الحدود البرية، التي تسببت في وقف استيراد الخضار والفواكه من لبنان، وهو ما يوجب إحكام السيطرة من قبل الجيش السوري على هذه الحدود والحد من الوجود الإيراني في المحافظة، خصوصاً أن هناك اتهامات للميليشيات الإيرانية و"حزب الله" برعاية هذا التهريب.