على عكس ما خططت له إسرائيل انتهى مهرجان الأغنية الأوروبية "يوروفيجن"، في تل أبيب بخيبة أمل إسرائيلية... فالصواريخ التي خشيت تل أبيب من أن تشوش على مهرجان المسابقة وصلت إليه بقوة، ولكنها كانت صواريخ سياسية، وذلك عندما رفعت المغنية العالمية مادونا علم فلسطين إلى جانب علم إسرائيل على ظهري مشاركين اثنين من فرقتها، لتفاجئ مشاهديها وتغضب السياسيين الإسرائيليين.
كذلك رفعت فرقة آيسلندا العلم الفلسطيني خلال عرضها، ما تسبب بتعرضها لتهجمات واحتجاجات من قبل إسرائيليين ومنظمي المهرجان. أما الضربة الصاروخية الأقوى التي أربكت إسرائيل برمتها، كانت نجاح هاكرز فلسطينيين من غزة في اختراق بث "اليوروفيجن" على التلفزيون الإسرائيلي الرسمي باللغتين العربية والعبرية، وبث صور لقصف مواقع إسرائيلية بصواريخ أُطلقت من غزة، بعنوان "إسرائيل ليست آمنة"، ما تسبب بتوقف المهرجان عن البث، وتطلب الأمر دقائق طويلة حتى عاد البث مجدداً.
بالتزامن مع هذه المفاجآت التي طرأت على المهرجان، صرخت حناجر آلاف المتظاهرين في الخارج من يهود وفلسطينيي 48 ضد المهرجان وسياسة إسرائيل تجاه غزة وتحكيم الطوق على الضفة الغربية. وشارك نواب عرب في الكنيست في هذه التظاهرات والأعمال الاحتجاجية. وفي حديث لـ "اندبندنت عربية"، قالت النائب عايدة توما إن "هذه التظاهرة أُقيمت في قلب تل أبيب لنُسمع السياح والمشاركين، الذين وصلوا للمشاركة في المهرجان، حقيقة سياسة إسرائيل، وإن هناك واقعاً مختلفاً من الذي تريد إسرائيل إظهاره أمامهم وكأنها دولة ديمقراطية وحضارية"، مضيفةً "نريدهم أن يعرفوا أن الوجه الحقيقي الذي تسعى إسرائيل إلى إخفائه عنهم هو وجه الاحتلال والقمع والتشريد وحصار غزة".
هذه الأجواء مجتمعة، أدخلت رئيس الحكومة في موقف محرج صبيحة الأحد 19 مايو (أيار) 2019، مع افتتاح جلسة حكومته الأسبوعية. فبينما كان الإعلام الإسرائيلي والعالمي منشغلاً في أعلام فلسطين في المهرجان وفي اختراق التلفزيون الرسمي، تجاهل نتانياهو كل ذلك وافتتح جلسة حكومته بإظهار نجاح المهرجان الفني والأمني وتفاخر بالفرقة الإسرائيلية التي حصلت على المرتبة الـ 23.
فقد تعرّض نتنياهو، منذ حوالى الشهر، لكل من وقف ضد إقامة المهرجان الأوروبي في تل أبيب من إسرائيليين وفلسطينيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان في الدول الأوروبية. ورأى أن إلغاء المهرجان يشكل ضربة لصورة إسرائيل، وسيكون له تأثير على مسابقات دولية يُفترض أن تكون إسرائيل بين المتنافسين على اختيارها.
ضربة اقتصادية
حال التأهب والحذر الأمني الذي أعلنته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منذ أكثر من شهر، خشية تنفيذ حماس وتنظيمات فلسطينية التهديد بإلغاء المهرجان والتشويش عليه، نشر الخوف والرعب، ليس فقط بين الإسرائيليين إنما أيضاً وسط الأجانب والسياح، الذين كانوا حجزوا لحضور المهرجان قبل أن يتراجعوا ويلغوا الحجز.
فبينما أعلنت بلدية تل أبيب وصول 20 ألف سائح وزائر في هذه الفترة، لم يصل أكثر من خمسة أو ربما سبعة آلاف أجنبي، من بينهم 1500 صحافي. وباتت فنادق المدينة شبه خالية، وذلك لأن المئات اختاروا حجز فنادق بعيدة عن تل أبيب والبلدات التي كانت مهددة بالقصف من قبل حماس، علماً أن فنادق تل أبيب رفعت خلال الفترة الماضية أسعار غرفها أكثر من الضعف، استعداداً لسياح الـ "يوروفيجن" الأوروبيين، غير أن معظم هذه الغرف بقيت فارغة.
وكلّف تنظيم الـ "يوروفيجن" قرابة 200 مليون شيكل، دفعت هيئة البث الرسميّة منها 110 ملايين شيكل، في حين استثمرت بلدية تل أبيب عشرات ملايين الدولارات، وكذلك وزارة السياحة، لكن عوائد هذه الاستثمارات ما زالت غير واضحة.
أزمة المتدينين
ما لم يتوقعه نتنياهو أن تشكل الأحزاب المتدينة، التي يفاوضها على تشكيل ائتلاف حكومي، حالة إرباك جديدة في هذه الفترة، إذ هدد بعضها بوقف التفاوض معه بسبب إقامة المهرجان يوم السبت 18 مايو 2019، باعتبار أنه يدنس قدسية السبت لدى اليهود. وأصدر التيار الحريدي المتزمت الذي أبدى مواقف حادة من تنظيم الـ "يوروفيجن"، لأسباب دينية، فتاوى عدة بعضها من الحاخام الرئيس لإسرائيل دافيد لاو، الذي دعا الحريديين إلى إطالة يوم السبت 20 دقيقة، نظراً إلى "التدنيس الجماعي للسبت" الذي يمارس خلال التجهيزات لمسابقة الـ "يوروفيجن".
وأعرب لاو عن أسفه "لأن هذه ليست المرة الأولى التي يدنس فيها السبت أمام العالم كله"، لذلك، أضاف في الفتوى "أطلب من كل واحد منكم أن يطيل السبت 20 دقيقة".
أما الزعيم الديني، الحاخام حاييم كنيبسكي، فدعا إلى صلاة جماعيّة منتصف ليل الجمعة -السبت في كل الكنس في البلاد.
والأسبوع الماضي، أوقف رئيس حزب "يهدوت هتوراه" المتدين يعكوف ليتسمان، اتصالاته مع نتنياهو للبحث في تشكيل حكومته المقبلة، بسبب "تدنيس السبت" خلال الـ "يوروفيجن"، ما اضطُر نتنياهو إلى إرسال رسالة له، أوضح فيها أن "المهرجان هو عبارة عن مسابقة دولية تحكمها معايير دولية غير خاضعة لقرار الحكومة الإسرائيلية، وتُدار بشكل حصري من قبل هيئة البث الرسمية لا من قبل حكومته"، مضيفاً "أن حكومته غير معنيّة بتدنيس السبت وأن معظم المشاركين في المسابقة من خارج البلاد وليسوا يهوداً".
يشار إلى أن هولندا هي التي فازت في هذا المهرجان، وعليه فهي مخولة باستضافة المهرجان السنة المقبلة. أما إسرائيل، فقد حصلت على المرتبة 23 من بين 26 فرقة شاركت في المهرجان.