على الرغم من إتمام مصالحة خليجية شاملة، وتجنيب دول المقاطعة الرباعية خلافاتهم مع قطر ودخول الدول المتصارعة في نسق تصالحي، إلا أن الخلافات بين الدوحة والمنامة تبدو أعمق وأكبر من كل الجهود، إذ لا تزال تواجهان مشكلات يظهر صداها على سطح التصريحات الرسمية بين حين وآخر، كان آخرها اتهام البحرين اليوم لجارتها بالاستمرار في حملات التشويه عبر منابرها الإعلامية وتحديداً قناة الجزيرة.
إذ أكدت وزارة الداخلية البحرينية في بيان لها أن "حملات التشويه القطرية المعادية للمملكة عبر المنبر التحريضي قناة الجزيرة، ومن بينها ما بثته تلك القناة من محادثة مزعومة بين شاب بحريني وأحد منتسبي الأجهزة الأمنية، فضلاً عن ترديدها المعتاد لمزاعم التعذيب ومنع زيارات النزلاء، وما تسميهم الأطفال المسجونين، إنما تأتي في إطار ممنهج وفي توقيت مدروس اعتادته مملكة البحرين من جانب هذه القناة والدولة الراعية لها، حيث تشتد وطأة هذا التحريض كل عام بالتزامن مع الاجتماع السنوي للمجلس العالمي لحقوق الإنسان في جنيف".
ولم يكن هذا هو الانتقاد الأول الذي توجهه المنامة بشكل رسمي للقناة التي تتخذ من الدوحة مقراً لها، والتي يبدو أنها باتت حجر عثرة في طريق إصلاح العلاقات بين البلدين.
استهداف برامج حفظ حقوق الإنسان
وأشار البيان إلى أن الاستهداف من قبل قناة الجزيرة ليس غريباً، بل أنه يستهدف برامجها المستحدثة لحفظ حقوق الإنسان، وآخرها برنامج "العقوبات البديلة". مضيفاً، "كان الأجدى أن تسعى قطر لتطوير قوانينها وبرامجها التي تحفظ حقوق الإنسان، بدلاً من الطعن في نجاحات الآخرين"، في إشارة إلى الأزمة التي تشهدها قطر بسبب قانون الانتخابات الذي وصفته منظمات دولية بالعنصري والتمييزي.
وأشارت المنامة إلى ما سمّته "منهجية قناة الجزيرة القائمة على التحريض وشراء الذمم في إطار الحملة ضد البحرين وشعبها".
وتطرق البيان إلى المادة الإعلامية التي أطلق عليها "الأطفال المسجونين في البحرين"، والذي رأت فيه أنه أمر تكذبه الحقائق وينفيه الواقع الميداني، وأكدت أن النزلاء في الفئة العمرية من 15 حتى 18 عاماً يقضون عقوباتهم المحكوم بها في مركز إصلاحي خاص، وقالت "إن مركز رعاية الأحداث والذي تشرف عليه الإدارة العامة للشرطة النسائية يشمل الفئة الأقل من 14 عاماً، ويخصع لإجراءات قانونية ورعاية حقوقية".
الجزيرة أزمة لا يمكن تجاوزها
ويظل ما تبثه قناة الجزيرة أزمة تظهر إلى السطح في كل مرة تحاول الدولتان الخليجيتان الانخراط في مسارات مصالحة العلا، فعلى الرغم من تخفيف القناة من نبرة انتقادها لدول المقاطعة الأخرى بعد الاتفاق، إلا أن الأمر في ما يتعلق بالمنامة لا يزال يحدث مشكلات باستمرار.
وكان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أكد في تصريحات صحافية سابقة "أن موضوع قناة الجزيرة لم يطرح في قمة المصالحة الخليجية"، مؤكداً على استقلاليتها بعيداً من الحكومة، وهو ما تقول المنامة بعدم صحته.
وسبق لوزارة الإعلام البحرينية أن وجهت انتقاداً مشابهاً إلى المحطة القطرية بعد عرضها برنامجاً ادعى تعرض سجناء معارضين للتعذيب في سجن "جو" المركزي.
ونقلت الوكالة الرسمية في البلاد (بنا) في مارس (آذار) الماضي عن وزير الإعلام البحريني علي بن محمد الرميحي قوله "إن البرنامج التلفزيوني الذي بثته قناة الجزيرة القطرية يتناقض مع جميع المبادئ التي نص عليها اتفاق العلا، والتي صرح بها وزير الخارجية القطري بنفسه بعد قمة مجلس التعاون، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتعاون الأمني وعدم التعرض لسيادة أي من دول المجلس ومكافحة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة".
وتساءل الوزير البحريني عن أهداف توقيت البرنامج، داعياً للبحث عن "المموّل للقناة"، وأن هناك كما يقول "توجيهات مباشرة" لكنه لم يسمها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الرميحي إن "البرنامج الذي بثته قناة الجزيرة استقطب ضيفاً غير معروف وليس له حضور سياسي أو اجتماعي في البحرين أو المنطقة، وكل ما نعرفه عنه أنه شخص مطلوب أمنياً وله مرجعية خارجية ويحرض على كراهية النظام، كما أن البرنامج ناقش كتاباً ليس له وجود في أي مكتبة محلية أو عربية أو عالمية، وتم فيه التحريض بشكل مباشر وصريح على كراهية النظام والتشكيك في السلطات الأمنية والقضائية، وهو ما رسم كثيراً من علامات الاستفهام عن تفاصيل البرنامج وتوقيته".
رغم التوجيه الملكي
وكانت المنامة أخذت خطوة واسعة في طريق التقارب مع جارتها بعد أن وجه عاهل البلاد الملك حمد بن عيسى آل خليفة مطلع أغسطس (آب) الماضي إعلام بلاده ومواطنيه على وسائل التواصل الاجتماعي بمراعاة "اتفاق العلا" الذي دعا إلى التمسك بالروابط الاجتماعية والمصير المشترك بين دول المجموعة.
وأكد على هامش استقباله مسؤولين بحرينيين في المنامة "أهمية أن يتسم الخطاب الإعلامي عبر مختلف الوسائل بما فيها منصات التواصل الاجتماعي بما يمثل القيم المجتمعية والعادات والتقاليد النبيلة الجامعة التي ترسخ وحدة الهدف والمصير المشترك لأبناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي كافة، وترسيخ الثقة والاحترام بين المواطنين في مجتمعنا الواحد، والابتعاد من كل ما يخلّ بوحدة الهدف".
المضامين لم تتحقق
التصريح السابق للعاهل البحريني شدد فيه على مضامين بيان العلا، ومن بينها التفاعل مع آمال مواطني دول المجموعة المعقودة بإعادة العمل المشترك بين دولهم إلى "مساره الطبيعي، وتحقيق مزيد من التعاون والتكامل، وما يعزز وحدة الصف والتماسك بينها، والأواصر التاريخية للود والتآخي بين مواطني المجلس"، إلا أن شيئاً من هذا لم يتحقق بين البلدين منذ إعلان العلا.
وأكد ذلك تصريحات سابقة لوزير الخارجية البحريني عبداللطيف الزياني، عندما اتهم قطر بتعطيل خطوات تطبيق مخرجات القمة الخليجية الأخيرة.
واعتبر الزياني أن السلطات القطرية "لم تبد منذ صدور بيان العلا أية بادرة تجاه حلحلة الملفات العالقة مع مملكة البحرين، أو استجابة للتفاوض المباشر حول تلك الملفات"، مؤكداً أنه يتوجب على جارتها الجنوبية "التعامل مع متطلبات التوافق الخليجي ومراعاة مصالح البحرين الاستراتيجية والإسراع في معالجة القضايا العالقة بين البلدين بما يضمن علاقات سليمة وإيجابية بينهما في المستقبل".
وأضاف الوزير حول مدى استجابة الدوحة للدعوة التي وجهتها وزارته إلى الخارجية القطرية، في شأن إرسال وفد لبدء المحادثات الثنائية بين الجانبين حيال القضايا والمواضيع المعلقة، "بناء على مقررات بيان العلا، بعثت وزارة الخارجية البحرينية رسالة خطية إلى وزير خارجية قطر، تضمنت دعوة لإرسال وفد رسمي إلى المملكة في أقرب وقت ممكن لبدء المحادثات الثنائية حيال القضايا والمواضيع العالقة بين الجانبين، لكننا وحتى تاريخه لم نتلق رداً أو جواباً في شأن ما ورد في الرسالة المذكورة.