تسود الشارع السوداني حالة من القلق في ظل استمرار الأزمة السياسية وما رافقها من تعطيل لأهم مؤسسات الدولة، ممثلة في مجلس السيادة، بسبب خلافات المكونين العسكري والمدني، فضلاً عن تواصل اعتصام القصر الجمهوري الذي تنظمه مجموعة منصة التأسيس المنشقة عن قوى الحرية والتغيير إلى يومه الرابع، واستمرار الحشد لتظاهرات الخميس 21 أكتوبر (تشرين الأول) الذي يعتزم المجلس المركزي للحرية والتغيير إطلاقها بشعار "مليونية الطوفان"، في وقت أعلنت عديد من التنظيمات والاتحادات المهنية دخولها في عصيان مدني مفتوح في حالة حدوث انقلاب عسكري تحت أي مبرر كان.
دور المبعوثين
لكن مصدراً حكومياً رفيعاً أكد لـ"اندبندنت عربية" أن حل هذه الأزمة مرهون بتخلي المكون العسكري عن شروطه التعجيزية، والانخراط في حوار شفاف مع المكون المدني من أجل الوصول إلى معالجات حقيقية ومنطقية في كل القضايا موضع الخلاف، متهماً العسكريين بأنهم خلقوا الأزمة القائمة، وهي انقلاب حقيقي.
وبين المصدر أن اتصال رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، لم ينقطع مع العسكريين بخاصة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ نشوب الأزمة، وكذلك مع أطراف من المجتمع الدولي، متوقعاً أن يكون للمبعوثين الدوليين المتوقع حضورهم إلى الخرطوم خلال اليوم وغداً دور مؤثر في تقريب وجهات نظر الشقين العسكري والمدني، والدفع نحو إنهاء الخلافات السياسية، كما توقع أن تحدث مبادرة تشكيل خلية الأزمة التي يرأسها رئيس الوزراء اختراقاً مهماً اتجاه حل جذري يقود البلاد إلى استقرار حقيقي للفترة الانتقالية.
واعترف المصدر بتأثير الأزمة في ديناميكية وحركة الجهاز التنفيذي الذي أصبح شبه مشلول، منوهاً بأن ما ذهبت إليه بعض مكونات قوى الحرية والتغيير بخاصة من الحركات المسلحة بأنها مهمشة، كلام غير صحيح، ولا يسنده عقل أو منطق، لأنه تمت مشاركتها وفقاً لما جاء في اتفاقية السلام التي وقعت في جوبا مطلع أكتوبر 2020.
خطوة متقدمة
في السياق ذاته، اعتبر رئيس لجنة السياسات في المكتب السياسي في حزب الأمة القومي السوداني، إمام الحلو، تشكيل خلية للأزمة السودانية اتجاهاً سليماً، بحيث تكون كل الأطراف محل الخلاف من المدنيين والعسكريين في خلية تناقش القضايا كافة، فضلاً عن أسباب الأزمة ومقترحات حلولها، لافتاً إلى أن التوجه من حيث المبدأ مقبول بأن يجلس كل الفرقاء في مائدة واحدة، وهو خطوة متقدمة.
وتابع الحلو، "إذا وافق العسكريون على مقترح الخلية فيكون حل الأزمة قطع نصف الطريق، لكن موقفهم بتجميد عمل مؤسسات السلطة الانتقالية خطأ كبير، وليس من حق أي جهة اتخاذ هذا القرار، لأن هذه المؤسسات ملك الشعب السوداني، وأن تعطيل دولاب العمل الحكومي يعد تجاوزاً صريحاً غير مقبول، وفي الوقت ذاته فإن جميع مكونات المجتمع ضد أي إساءة إلى القوات المسلحة السودانية، ولا تقبل التقليل من مكانتها مهما كان الأمر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب بأن يكون الحوار هو المبدأ لمعالجة قضايا الوطن، إضافة إلى ضرورة سرعة استكمال مؤسسات السلطة الانتقالية بخاصة المجلس التشريعي.
نجاح الانتقال
في غضون ذلك، أكد عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، حرص والتزام الحكومة بمكوناتها المختلفة بالعمل على إنجاح الفترة الانتقالية وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة تفضي إلى حكومة مدنية منتخبة.
وأشار لدى لقائه السفير البريطاني في الخرطوم، جيلز ليفر، والمبعوث الخاص للحكومة البريطانية للسودان وجنوب السودان، روبرت فيروزر، إلى الجهود المتواصلة للعبور بالمرحلة الانتقالية إلى مبتغاها عبر تحقيق السلام والأمن والاستقرار بالبلاد.
وامتدح البرهان العلاقات التاريخية التي تمتاز بالخصوصية بين السودان وبريطانيا، والتي كان لها الأثر والقدح المعلى في التعاون في العديد من المجالات.
فيما نوه السفير البريطاني بأن اللقاء تناول سبل دعم وتعزيز وتطوير العلاقات في المجالات الأمنية بخاصة التعاون بين القوات المسلحة السودانية والبريطانية وتبادل الخبرات والتجارب بين الجانبين. وأشاد المبعوث الخاص البريطاني باهتمام وتأكيدات رئيس مجلس السيادة السوداني بالعمل على دعم وإنجاح الفترة الانتقالية.
وهنأ الحكومة السودانية بعملية السلام التي توصلت إليها مع حركات الكفاح المسلح عبر اتفاقية جوبا لسلام السودان، معرباً عن أمله في انضمام القائدين عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية شمال، وعبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان، إلى مسيرة السلام في السودان.
وبين المبعوث البريطاني أن اللقاء تناول الحوار الاستراتيجي السوداني والبريطاني، مؤكداً اهتمام بلاده وحرصها على بناء علاقات ثنائية متطورة لمصلحة الشعبين الصديقين.
وأشار فيروزر إلى زيارة وزيرة الشؤون الأفريقية البريطانية الخرطوم، غداً الأربعاء، مبيناً أنها ستجري عدداً من اللقاءات مع رئيسي مجلسي السيادة والوزراء للتباحث حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين.
خلية أزمة
وكان مجلس الوزراء السوداني شكل خلية أزمة مشتركة من جميع الأطراف لمعالجة أزمة البلاد السياسية، والالتزام بالتوافق العاجل على حلول عملية تستهدف تحصين وحماية واستقرار ونجاح التحول المدني الديمقراطي، والمحافظة على المكتسبات التاريخية المتعلقة بقيم الحرية والسلام والعدالة.
وأكد مجلس الوزراء في اجتماع ترأسه عبد الله حمدوك أهمية أن تنأى جميع الأطراف عن التصعيد والتصعيد المُضاد، وأن يُعلي الجميع المصلحة العليا لمواطني الشعب السوداني والسودان، مؤمناً على أهمية الحوار بين جميع أطراف الأزمة الحالية، سواء بين مكونات الحرية والتغيير، أو بين مكونات الحرية والتغيير والمكون العسكري بمجلس السيادة الانتقالي.
ولفت المجلس في بيان له إلى أن توقف الحوار خلال الفترة الماضية بين مكونات الشراكة هو أمر يشكل خطورة على مستقبل البلاد، ولذلك يجب أن يتغير، وأن يتم التوافق على حلول للقضايا الآنية وبقية مطلوبات الانتقال الديمقراطي.
وأمن المجلس على الجهود المبذولة لمعالجة قضية شرق السودان، وسعيه الحثيث والتزامه بإيجاد حلول عادلة تحفظ مصالح مواطني شرق البلاد، موجهاً بضرورة استمرار الجهود مع قادة الاحتجاجات بما يؤدي إلى حلحلة الأوضاع الحالية، بما يصنع المناخ الإيجابي والمناسب للتوصل إلى حلول دائمة ورفع جميع أنواع التهميش في الإقليم، وعلى رأسه التهميش التنموي الاقتصادي.
حل الحكومة
ومنذ أكثر من شهر يعيش السودان أزمة سياسية حادة على أثر خلافات بين الشقين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، إضافة إلى خلافات فيما بين المكون المدني للحكومة، إذ انفصلت مجموعة عن قوى الحرية والتغيير ووقعت ميثاقاً سمته أيضاً ميثاق قوى الحرية والتغيير.
وعلى أثر تلك الخلافات السياسية نظمت منذ السبت الماضي مجموعة منشقة من قوى الحرية والتغيير تضم حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم الذي يتولى حالياً وزارة المالية، وحركة تحرير السودان، جناح مني أركو مناوي الحاكم الحالي لإقليم دارفور، إضافة إلى عناصر وتنظيمات وأحزاب كانت موالية لنظام المؤتمر الوطني الذي أطاحته ثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019، اعتصاماً أمام القصر الجمهوري في الخرطوم، مطالبة بتسليم السلطة إلى القوات المسلحة، وحل حكومة حمدوك، على أن يتم تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات السودانية.