يحاول أحمد نوفل (25 سنة) طلاء ما تبقى من جدران منزله المحترقة داخل حي رامات أشكول في مدينة اللد (شمال إسرائيل) باللون الأصفر، وعلى الرغم من امتعاضه من اللون، إلّا أنه تجرأ على طلائها والرسم عليها، كنوع من إضفاء البهجة والحيوية على الحي الذي لم يعُد كذلك منذ بداية مايو (أيار) الماضي، بعدما ألقى التصعيد الأخير بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، بثقله على العلاقات بين العرب والإسرائيليين داخل المدن المختلطة (تعيش فيها أقلية عربية)، خصوصاً بعد مقتل فلسطيني وإسرائيلي في أعمال العنف التي اندلعت في مدينة اللد، وامتدت إلى عكا والرملة ويافا وحيفا (مدن مختلطة)، وغدت المدن التي كانت نموذجاً للتعايش مسرحاً لإطلاق النار ونهب المحال التجارية وحرق السيارات بين الجانبين. سكان مدينة اللد التي يعيش فيها نحو 80 ألف نسمة ثلثهم من العرب، يحاولون بحسب نوفل، ترميم الشرخ المجتمعي منذ أشهر.
شرخ مجتمعي
ويتحدث الشاب، قائلاً "يشكك كثيرون بإمكانية عودة الحياة في المدن المختلطة إلى ما كانت عليه قبل التصعيد، لكننا نحاول على الرغم من حساسية الموقف وانكسار الثقة في ما بيننا إلى حد بعيد، أن نبقى على أمل في إحياء روح التعايش مجدداً".
جمعية مبادرات إبراهيم التي تسعى إلى تعزيز التكامل بين الجانبين في إسرائيل، وتتخذ من مدينة اللد مقراً لها، أطلقت حملة واسعة للترويج "للتعايش وحسن الجوار"، شملت نشر صور وفيديوهات لإسرائيليين وعرب يتشاركون حياتهم اليومية، في محاولة من القائمين على الجمعية ردم الهوة التي أحدثتها أعمال العنف الأخيرة.
المدير المشارك للجمعية ثابت أبو راس يقول: "وضعت مبادرات إبراهيم نصب عينيها تشجيع التربية على الحياة المشتركة، من خلال مشاريع تلبي حاجات السكان والفئات العمرية المختلفة بدءًا من المدارس الابتدائية، مروراً بالإعدادية والثانوية. انطلقت نشاطات المنظمة من خلال مشروع اللغة كجسر ثقافي، فداخل المدارس الإسرائيلية هناك برنامج لتعليم الثقافة واللغة العربية المحكيّة اسمه ’يا سلام‘، وفي المدارس العربية، برنامج مماثل اسمه ’العبرية بسلام‘. في الأعوام الأخيرة، نما هذا المجال، لذا طورت المنظمة برنامجاً يلتقي فيه الطلاب معاً بشكل منتظم، كما طوّرنا برنامجاً خاصاً للطلبة في الأعوام التحضيرية قبل الخدمة العسكرية والمدارس الثانوية، يلتقي ضمنه شبان وشابات إسرائيليون في بداية حياتهم كبالغين، مع المجتمع العربي في إسرائيل".
ارتفاع ملحوظ
وبحسب استطلاع الأمن الشخصي للمجتمع العربي في البلدات المختلطة لعام 2020 الذي تصدره منظمة "مبادرات إبراهيم"، فإن انعدام الأمن لدى المواطنين العرب في البلدات المختلطة أعلى بكثير من سكان البلدات العربية، وظاهرة إطلاق النار واستخدام السلاح تقلق قرابة 84 في المئة منهم.
صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، أشارت إلى ازدياد كميات طلبات الحصول على تراخيص حمل السلاح منذ الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة، والهبة التي أطلقها الفلسطينيون في الداخل، لا سيما في ما يُعرف باسم "المدن المختلطة". ووفقاً لمعطيات وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية، فمنذ بدء الحرب على غزة في 11 مايو 2021، بلغ عدد طلبات الحصول على ترخيص حمل السلاح من جانب السكان الإسرائيليين 10850 طلباً، بزيادة سنوية وصلت إلى 28 في المئة، بعدما كان عدد الذين يحملون رخص حيازة السلاح في إسرائيل، نحو 148 ألفاً ونسبتهم 7 في المئة فقط.
وبحسب محللين، فإن هذا الارتفاع جاء في أعقاب التسهيلات التي بادر إليها وزير الأمن الداخلي الأسبق جلعاد أردان عام 2018، ووسعها وزير الأمن الداخلي الحالي أمير أوحانا، الذي سمح لحراس الأمن بحمل أسلحتهم خارج ساعات العمل، مغرداً على "تويتر" أن "المواطنين الملتزمين بالقانون الذين يحملون السلاح، هم قوة مضاعفة في أيدي السلطات من أجل تحييد فوري للتهديد والخطر".
عضو الكنيست الإسرائيلي بتسلئل سموترتش في معرض تعليقه على التطورات الأخيرة، قال: "لأننا لسنا مثلهم (العرب)، ومحظور علينا أن ننجرف للعنف، المسموح فقط هو الدفاع عن النفس أمام الإرهابيين والمشاغبين والمبادرين للعنف".
وعلى حد قول أحد المسؤولين في الشرطة لصحيفة "هآرتس"، فإن الطلبات تعبّر عن "تخوف المواطنين من عدم وجود الشرطة في لحظة الحقيقة، وهم يفضلون الدفاع عن أنفسهم في حالة وجود خطر على الحياة. وبعد الصور التي رأيناها في اللد والرملة والمثلث، من المنطقي أن يطلب المواطنون تسليح أنفسهم وعائلاتهم".
فيما اعتبرت النائب العربية في الكنيست عايدة توما أنه "من السهل الضغط على الزناد بحجة الدفاع عن النفس"، مؤكدة أن "هذه الإجراءات (تسليح بعض الأفراد، وفي المقام الأول الإسرائيليين)، ستؤدي فقط إلى فقدان السيطرة المفقودة أصلاً، أكثر وأكثر، وزيادة السلاح غير المرخص، بالتالي زيادة حالات العنف في المجتمع العربي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سكان جدد
وفي الوقت الذي يقبل إسرائيليون على شراء السلاح بحجة "الوضع الأمني"، تعمل تل أبيب بشكل حثيث على خطة لتكثيف حملات السكن في أحد أحياء مدينة اللد (حي رمات أشكول) من أجل تعزيز الوجود الإسرائيلي فيه.
الخطة بحسب ما هو معلن، تهدف إلى تطوير المدينة بموازنة استراتيجية تبلغ 6.9 مليار شيكل (قرابة 2 مليار دولار ونصف المليار)، ستدرج 80 في المئة من المباني السكنية القديمة ضمن خطة التجديد العمراني، التي من خلالها سيتم جلب المزيد من السكان إليها عبر مبانٍ شاهقة تصل إلى 25 طبقة. صحيفة "يسرائيل هيوم" أكدت أن التجاوب مع هذه الحملة كان كبيراً، شمل مستوطنين من منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية). فيما أشارت صحيفة "هآرتس" قبل أيام إلى أن "أهل اللد يخوضون صراعاً ضد المخطط".
"أنا مش خاتم"
في المقابل، قاد الأعضاء العرب في بلدية اللد حملة لمواجهة هذا المخطط، تحت شعار "أنا مش خاتم" لتوعية المواطنين من خلال المنشورات والاجتماعات بعدم التوقيع على الخطة، التي من المفترض أن تُنفّذ في حال توقيع 70 في المئة من السكان.
عضو مجلس بلدية اللد محمد أبو شريقي قال "المنطقة المستهدفة يسكن فيها فلسطينيون بنحو 70 في المئة، وهي التي كانت أشد المناطق مواجهة ضد هجمة المستوطنين في أحداث مايو الأخيرة. تقضي الخطة أن يتنازل السكان عن منازلهم مقابل الإقامة في 400 عمارة في مناطق أخرى، عبارة عن شقق سكنية بدل البيوت الحالية، التي تظهر أصالة وعروبة اللد، وتنفيذ الخطة يعني القضاء على الصفة العربية للمدينة التي يسكنها العرب بمعدل 5 آلاف نسمة".
ويضيف "اكتشفنا أن البنايات الجديدة هي لمستوطنين جدد سيسكنون فيها، وتقدم لهم خدمات مأكل ومشرب وتعليم وحضانة وغيرها، وليست كلية عسكرية كما ادّعت البلدية. وكل هذه المحاولات لجلب المستوطنين في المدينة تأتي انتقاماً من أهل اللد، الذين أوجعوا المؤسسة الإسرائيلية بموقفهم الصامد والقوي خلال الأحداث، والذي لم تفق منه هذه المؤسسة إلى اليوم".
ورداً على ما يقوله السكان، كتب أحد أعضاء بلدية اللد اليهود أهارون إيتياس عبر صفحته على "فيسبوك": "عندما نُطلق مشروعاً مهماً جداً يمكّن السكان من تحسين حياتهم، يحاربون ذلك"، مضيفاً "نحتاج إلى العمل على تطوير الثقة بين الطرفين".