لم يكن شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، شهراً عادياً بالنسبة إلى الطبقتين السياسية والشعبية في العراق، إذ لا يزال الشهر "ساخناً" في أحداثه وأيامه، بعد أن جرت في العاشر من أكتوبر الحالي الانتخابات العراقية المبكرة، وما تبعها من تداعيات سياسية وشعبية، كون الكتل الفائزة لن يكون بمقدورها الذهاب بعيداً في تسمية الرئاسات الثلاث وتشكيل الحكومة الجديدة.
ازدحامات مرورية وإجراءات أمنية مشددة
وتشهد العاصمة العراقية بغداد منذ أيام ازدحامات مرورية وإجراءات أمنية مشددة في المنطقة الخضراء، مقر الحكومة والبعثات الدبلوماسية. وعند جسر المعلق المؤدي إلى المنطقة، يتجمع عشرات المتظاهرين المحتجين على نتائج الانتخابات، الذين يعتصمون وسط بغداد، وقد تقدموا مساء السبت باتجاه المنطقة الخضراء عبر الجسر، وسط انتشار مكثف للفرقة الخاصة بالتحرك داخل المنطقة الخضراء، كإجراء أمني احترازي تحسباً لوقوع أي طارئ.
وقدمت القوى السياسية المنضوية في الإطار التنسيقي الشيعي (باستثناء التيار الصدري) اعتراضها على النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة، بعد أن أسفرت نتائجها عن خسارة كثير من المقاعد.
دعوة صالح للتدخل
وانتقدت القوى المعترضة على نتائج الانتخابات التي اجتمعت مساء الأحد 24 أكتوبر في مكتب زعيم "ائتلاف دولة القانون"، نوري المالكي، طريقة المفوضية ووصفتها بـ"الانتقائية في التعامل مع الطعون القانونية".
وذكر بيان للقوى الوطنية المعترضة (الإطار التنسيقي) أن "الاجتماع ناقش الأحداث والوقائع التي تثبت وجود خلل كبير فيما أعلن من نتائج، وما أدت إليه من توترات سياسية واجتماعية".
واتفقت القوى المجتمعة على "تأكيد رفضها ما أعلن من نتائج ورفضها طريقة المفوضية الانتقائية في التعامل مع الطعون القانونية"، مطالبة بالنظر بجدية في جميع الطعون المقدمة لها وإجراء العد والفرز اليدوي الشامل، ولجميع المحطات وبشفافية كاملة، وتصحيح الأخطاء التي رافقت عملية احتساب الأصوات وإعلانها.
ودعا المجتمعون رئيس الجمهورية برهم صالح إلى "التدخل باعتباره حامياً للدستور لمنع اتجاه الأحداث نحو ما هو أخطر".
وأعربوا عن شكرهم القوات الأمنية لحمايتها المتظاهرين "السلميين المطالبين بالعدالة واستعادة الحقوق على الالتزام والانضباط العاليين، ونعرب عن دعمنا المطالب المشروعة واستمرار جميع الفعاليات المتاحة دستورياً لتحقيق ذلك".
الصدر يلوح باللجوء إلى الطرق الدبلوماسية الدولية
في المقابل، جدد زعيم التيار الصدري الفائز في سباق الانتخابات العراقية المبكرة 2021، مقتدى الصدر، رفضه تدخل دول الجوار في الشؤون الداخلية للبلاد، ملوحاً باللجوء إلى الطرق الدبلوماسية الدولية لمنع ذلك.
وقال الصدر في بيان إن "سياسة العراق في التعامل مع دول الجوار في المرحلة المقبلة تقوم على أساس عدم تدخل دول الجوار في شؤونه الداخلية وعدم تدخله في شؤونها، وتفعيل العلاقات الثنائية في جميع المجالات الأمنية والتجارية والدبلوماسية".
وكشف الصدر عن أن "التعامل مع دول الجوار سيكون من خلال فتح حوار عالي المستوى لمنع التدخلات مطلقاً، وإذا كانت هناك استجابة فهذا مرحب به، وإلا سيتم اللجوء إلى الطرق الدبلوماسية الدولية لمنع ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع أن "العراق سيعمل على حماية الحدود والمنافذ والمطارات والتشديد في التعامل مع هذا الأمر"، مؤكداً أن "صدور أي ردود فعل مما يعدّ مساساً بالسيادة العراقية، سيكون باباً لتقليص التمثيل الدبلوماسي أو غيره من الإجراءات الصارمة المعمول بها دولياً وإقليمياً".
وشدد على عدم "السماح بتدخل أي دولة في موضوع الانتخابات العراقية ونتائجها، وما يترتب عليها من تحالفات وتشكيل للحكومة العراقية المقبلة".
وحصلت الكتلة الصدرية على أعلى عدد مقاعد في البرلمان الجديد بواقع 73 مقعداً، بينما جاء في المرتبة الثانية تحالف "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي بـ37 مقعداً، كما جاء "ائتلاف دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، في المرتبة الثالثة بحصوله على 34 مقعداً، كذلك حصل "الحزب الديمقراطي" الكردستاني على 33 مقعداً، فيما حصل "تحالف الفتح" على 17 مقعداً.
وفي وقت سابق، حذر الصدر، من جر العراق إلى الفوضى وزعزعة السلم الأهلي بسبب عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات البرلمانية.
الصدر وإيران
بدوره، كتب الإعلامي رافد جبوري، عبر صفحته في "فيسبوك" "دعوة الصدر لدول جوار العراق بعدم التدخل في الشؤون العراقية هي أقوى رسالة شبه مباشرة يوجهها ضد إيران منذ الانتخابات العراقية".
وأكد "صحيح أن بيان زعيم التيار الصدري يشمل كل دول جوار العراق، وصحيح أن من بين تلك الدول من لها علاقات واسعة ومباشرة بالقوى السياسية العراقية بعيداً عن حكومة بغداد، لكن دور إيران في عمليات تشكيل الحكومات العراقية في الماضي كان الأبرز والأهم والأكثر تأثيراً". وتابع "هذا أمر يعرفه الجميع وأولهم الصدر نفسه، إذ اضطر إلى تغيير موقفه الرافض لمنح ولاية ثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي بعد انتخابات 2010".
وأشار إلى أن "الظروف الآن مختلفة والصدر أقوى من 2010، ولكن أولويات إيران حاضرة بل وظرفها أكثر حرجاً وهو لا يسمح بكثير من التساهل في الساحة العراقية".
وبحسب جبوري، فإن "إيران لن تسمح بأن تكون نتائج الانتخابات العراقية في المحصلة خسارة لها، والصدر كما قلنا سابقاً، ليس عدواً لإيران ولن يشارك في جهد يضعفها استراتيجياً، لكن الجميع يريد تعزيز المواقع على أكثر من مستوى، بحيث إن الأولوية لعملية تشكيل الحكومة التي يريد الصدر أن يكون له المركز الأول في قيادتها، سواء جاءت برئاسة مصطفى الكاظمي أو غيره، بينما يريد خصوم الصدر بزعامة المالكي فرض التعادل على الصدر أو قلب الطاولة بأهداف متأخرة".
وفي المرتبة الثانية، وفقاً لجبوري، "جولة المباحثات بين إيران وأميركا والدول الكبرى من أجل العودة إلى الاتفاق النووي. فبايدن يريد العودة إلى الاتفاق وإيران أيضاً، ولكنها تريد العودة بشروطها وبضمانات لعدم تراجع أميركي آخر".
أما في المرتبة الثالثة، وهي قد تكون الأهم حسب جبوري، باعتبار أن "السنوات الأربع المقبلة قد تشهد تغييرات كبيرة في القيادة في إيران وأيضاً القيادة الدينية الشيعية في العراق في النجف، وهي تغييرات قد تحدث إعادة توزيع لمراكز القوى والسلطة".