في الوقت الذي أتمت محافظة الجزائر العاصمة إحاطة سلالم البريد المركزي بدعائم خرسانية لمنع المتظاهرين من استعمالها منصة لشعاراتهم (بدعوى الترميم)، تتوقع أطراف عدة ناشطة في المسيرات الشعبية، تزايد شعارات مؤيدة لوزير الخارجية السابق أحمد طالب الإبراهيمي.
خلطت رسالة الإبراهيمي ورقة الرايات التي سيرفعها متظاهرون في مسيرات الجمعة الـ14. إذ يمثل الإبراهيمي الشخصية الأكثر توافقية منذ بداية الحراك الشعبي في الجزائر. كما أنه صاحب طروحات تنبذ فكرة الإقصاء. ويعول عليه كثيرون لإعادة استجماع الرأي بين تيارات الحراك والخصومات البارزة داخله.
يقول جمال زواري، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، إن طرح الإبراهيمي "يمزج بين الحلين الدستوري والسياسي لتجاوز ألغام البوتفليقية في النص الدستوري ذاته". كما يغيب عنه "منطق التخوين والغرق في الصراعات البينية على الرغم من تأكيده الواضح والصريح ضرورة الوفاء للعهد الباديسي النوفمبري".
ويلاحظ أن الإبراهيمي، وهو نجل الشيخ البشير الإبراهيمي الرئيس السابق لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، "رفض الإساءة للمؤسسة العسكرية وأشاد بجهودها في إطار تلبية مطالب الحراك وإعادة الكلمة إلى صاحب السلطة، وهو الشعب". كما أنه "عبر صراحة عن استعداده للإسهام في جهود الانتقال الديمقراطي السلس".
"تطرف في الحراك"
لا يمكن نفي وجود حالة من الاستقطاب أصابت المسيرات الجزائرية في الأسابيع الماضية، بشكل خلق فرقاً "تتناحر" الرأي حول معطيات مصيرية، أبرزها الانتخابات أو المرحلة الانتقالية، حضور الجيش أو رفضه.
ويبرز اقتراح اسم الإبراهيمي "ترياقّاً" للأمراض التي صاحبت هذه المسيرات. إذ لم تعد الشعارات موحدة كما بدأت، بل تناقضت التصورات إلى حد كبير في رؤية مخارج الحل. ثم ظهر فريق يناهض حضور المؤسسة العسكرية من الأساس، ما فاقم الجدلية في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي.
وتقوم محافظة الجزائر، منذ مساء الأربعاء، في 22 مايو (أيار)، بتسييج محيط سلالم البريد المركزي، الذي تحول إلى مرجعية رمزية منذ المسيرة الشعبية الأولى، وغالباً ما ترفع فيه شعارات "أكثر راديكالية". وهناك برزت شعارات رافضة لسجن رجل الأعمال أسعد ربراب، ثم شعارات تطالب برحيل رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، وأخرى تؤيده بشدة وتطالب باعتقال خصومه، كالناشط كريم طابو.
وبقدر تشكيك متظاهرين في حجة إغلاق محيط سلالم البريد المركزي، بقدر ما توافقت رمزية القرار مع روح رسالة الإبراهيمي، حيث تنمو رغبة في استعادة وحدة الحراك ولحمته.
ويقول الكاتب الصحافي حميدة عياشي عن رسالة الإبراهيمي الأولى إنها "تمثل أصواتاً على الرغم من اختلافات مساراتها وتقاطعاتها وتعدد مشاربها، وهي محطة يمكن أن يبنى عليها مشروع توافقي، يجمع مختلف توجهات الأطياف الجزائرية من أجل تحقيق ثلاثة أهداف عاجلة".
ويعول حميدة، وهو شخصية تنتقد حضور الجيش في المشهد السياسي، على مبادرة الإبراهيمي "للخروج من حالة الانسداد وتجنب كل انزلاق نحو العنف أو الديكتاتورية"، ثم "تحقيق أرضية يمكن أن تساعد الشعب والطبقة السياسية الجادة والسلطة لتعبيد الطريق أمام مرحلة انتقالية من دون صدمات غير محسوبة العواقب"، وأخيراً "إيقاف حالة الاحتقان التي باتت تهدد الوحدة الشعبية ومستقبل الحراك الشعبي في ديناميته وسلامته".
النخب تطلق مبادرات
منذ تساءل قايد صالح عن دواعي غياب النخب الجزائرية في تقديم إسهامات للخروج من الأزمة، برزت اقتراحات عدة تصب في خانة الحل "الدستوري السياسي". وهو إشكال قد يتم بحث حلول له لتقدم إلى المؤسسة العسكرية، التي ترغب بحل سياسي دستوري في آن واحد.
وفجر خروج الإبراهيمي إلى العلن مبادرات أخرى، لا تتفق معه بالضرورة، لكنها تجتهد في طرح بدائل من "روح الدستور" مثلما اقترح عبد العزيز رحابي، وهو وزير ودبلوماسي سابق، بدلاً من نص الدستور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رحابي إن "الخروج من الأزمة يتطلب حلولاً نابعة من روح الدستور وليس من نصوصه مع تقديم قراءة لينة تخدم مصلحة الشعب... الآن نحن رهينة دستور عاجز لا يوفر مخرجاً للأزمة". وعن تمسك المؤسسة العسكرية بتنظيم الانتخابات الرئاسية ودعوتها لإنشاء لجنة مستقلة لتنظيم والإشراف على الانتخابات، قال رحابي إن "موقفها يقع ضمن دورها الدستوري"، معللاً ذلك بكون المؤسسة العسكرية "توجد اليوم في صلب السياسة بفعل الأزمة، والدستور نفسه لا يعطيها حلولاً ممكنة".
كما كشف رئيس حزب "الجزائر للرفاه" مراد عروج عن مبادرة للحل الوطني، تضمنت إشراف هيئة وطنية على الانتخابات، إضافة إلى تأجيل الانتخابات حتى أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وتشمل المبادرة خطوات متتابعة مثل "رحيل رئيس الدولة ورئيس الحكومة ومسؤولي هياكل الدولة المتورطين، أحزاب الموالاة والمنظمات الموالية ورئيسا غرفتي البرلمان، والاستمرار في محاربة الفساد".