تنعقد قمة المناخ العالمية (كوب 26) في العاصمة الاسكتلندية، غلاسكو، وسط تظاهرات أنصار البيئة، وبعد زخم إعلامي يحذر العالم من أنه يقترب من "نقطة اللاعودة" في تغير المناخ إذا لم يتصرف بسرعة وحسم للحد من الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
وبغض النظر عما يمكن أن تتوصل إليه القمة من اتفاقات ملزمة لنحو 230 دولة أعضاء في اتفاقية المناخ العالمية، فإن الوعي العام عالمياً بشأن خطر التغيرات المناخية آخذ في الازدياد. وما أعلنته بعض الدول الكبرى من أهداف طموحة لخفض انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 يصب في إمكانية تحقيق المستهدف الذي حددته الأمم المتحدة بوصول العالم إلى معدلات "صفر كربون" في غضون نحو ثلاثة عقود.
ومن أبرز تلك التعهدات، مبادرة الانفاق على "الاقتصاد الأخضر"، أي منخفض أو منعدم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في الولايات المتحدة بحزم مالية بتريليونات الدولارات في الولايات المتحدة، وكذلك مبادرة "السعودية الخضراء" باستثمارات بلغت عشرات مليارات الدولارات. وحتى الآن، هناك تريليونات أكثر تم التعهد باستثمارها في التحول الاقتصادي نحو الطاقة المتجددة وتكنولوجيا خفض الانبعاثات في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا.
"صفر كربون"
يخلط البعض بين هدف الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية وبين كلام مرسل في الإعلام وحتى تصريحات البعض بأن عصر النفط والغاز والفحم، وكل أنواع الوقود الأحفوري الذي ينتج عن حرقه انبعاثات كربونية، يوشك على نهايته. وهذا غير صحيح تماماً، على الرغم مما نشهده من توجه نحو توليد الطاقة من مصادر متجددة مثل الشمس والرياح، وغيرها.
فما زال النفط والغاز المحرك الرئيس للاقتصاد العالمي، وحسب معظم الاقتصاديين والمحللين سيظل كذلك لعقود مقبلة. وليس أدل على ذلك من مطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن في قمة العشرين في روما الدول المنتجة للنفط والغاز بزيادة إنتاجها. كما أن كندا مثلاً تستثمر بشكل هائل في مشروعات إنتاج النفط والغاز بمعدلات تفوق بمراحل استثماراتها في الطاقة المتجددة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حتى ما يعتمد عليه الترويج لتلك المقولات، خصوصاً عبر وسائل التواصل على الإنترنت، من التوسع في استخدام وسائل النقل التي تعمل بالكهرباء وغير ذلك فهذا لا يعني الاستغناء عن النفط والغاز. فالسيارات الكهربائية تستخدم الكهرباء التي يتم توليدها بكثافة أكبر لتلبية الاحتياجات الجديدة. وما زالت غالبية محطات توليد الطاقة في العالم تعمل بالنفط والغاز، وحتى الفحم الذي تفوق معدلات الانبعاثات من حرقه بمراحل الانبعاثات من حرق النفط والغاز.
أما هدف صفر انباعاثات كربونية فيعني ببساطة هو وصول أي مصنع أو شركة أو مؤسسة أو دولة إجمالاً إلى تساوي ما يصدر من انبعاثات كربونية عنها مع ما تقوم به من تصيد للكربون من المنبع أو من الجو وإعادة استخدامه بصورة بيئية سليمة أو تخزينه. ولا يعني صفر انبعاثات التوقف عن الاستخدامات الصناعية وغيرها للمواد المسببة للانبعاثات، بل يعتمد على مدى ما تمتصه تلك القطاعات والدول من الكربون وتحول دون إسهامه في الاحتباس الحراري للغلاف الجوي.
تجارة نقاط الكربون
لتحقيق معادلة مساواة الانبعاثات مع التقاطها وحبسها، طرح نظام "نقاط الكربون" في قمة المناخ الشهيرة في كيوتو باليابان عام 2005. وتمنح الدول الموقعة على اتفاقية المناخ عدداً من النقاط يتناسب مع حجم الانبعاثات منها، وتتولى الحكومات التصريح بتلك النقاط للقطاعات والشركات والمصانع. وأدى ذلك إلى سوق جديدة لتجارة نقاط الكربون، بمعنى أن القطاعات أو الدول التي تستنفد نقاطها، أي تزيد انبعاثاتها عما هو مسموح لها، يمكن أن تشتري نقاطاً من غيرها ممن لم تستنفد نقاطها، أي تعتبر سالبة الانبعاثات.
ساهم هذا النظام، الذي هدف وقتها إلى خفض الانبعاثات بحلول عام 2012 في توجه الدول والقطاعات والصناعات المختلفة إلى موازنة تكلفة الانبعاثات مع النقاط المتاحة لها، بل إن البعض استفاد من تجارة نقاط الكربون بإدخال تكنولوجيا حبس الانبعاثات من مصدرها في المصانع وغيرها من النشاطات ليبيع ما لديه من نقاط كربون.
آفاق تكنولوجية
أدى ذلك إلى تطوير تكنولوجيات ما زالت في مهدها لالتقاط الانبعاثات الكربونية من مصدرها أو تصيدها من الهواء وضغطها لتنقل عبر أنابيب أو بالشحن لإعادة استخدامها أو حقنها في طبقات الأرض لتعزيز مواقع تكوين الوقود الأحفوري أو في قاع البحار والمحيطات.
وتتنوع تلك التكنولوجيا بين ما يتم استخدامه في محطات الطاقة أو المصانع، حيث تقوم بحبس الانبعاثات قبل انطلاقها في الجو وتحولها إلى شكل قابل للتقل لإعادة التدوير أو التخزين وما تم تطويره أخيراً لتصيد الكربون من الهواء وضغطه وإعادة تدويره.
تفتح تلك التكنولوجيات آفاقاً أمام استثمارات جديدة في وقت وصلت فيه قطاعات الاقتصاد التقليدي إلى مرحلة تقترب من التشبع. على سبيل المثال، تطور الصين حالياً تكنولوجيا جديدة لالتقاط/ تصيد الكربون وإعادة تدويره لتتمكن من خفض انبعاثاتها الملوثة للبيئة. كذلك تفعل أستراليا على مستوى أقل. وأستراليا من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للفحم في العالم، كما أن الصين من بين دول العالم التي ما زالت تستخدم الفحم على نطاق واسع في توليد الكهرباء.
وحسب أحدث تقرير لوكالة الطاقة الدولية، صدر مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، فإن تكنولوجيا صيد والتقاط الكربون وإعادة تدويره ساعدت على تخليص الغلاف الجوي من نحو 40 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون. ويشير التقرير إلى أنه منذ عام 2017 تم طرح نحو 30 مشروعاً لصيد والتقاط الكربون وإعادة تدويره أو تخزينه في أميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأوسط وآسيا. ويخلص التقرير إلى أنه لدى اكتمال تلك المشروعات سيتضاعف حجم ما يتم التخلص منه من الكربون ثلاث مرات ليصل إلى قرابة 130 مليون طن متري.
ومع استمرار نمو الطلب العالمي على النفط، متجاوزاً مستوى 100 مليون برميل يومياً، ستزيد الانبعاثات، ومعها يزيد الطلب على تكنولوجيا التقاط الكربون وصيده وإعادة تدويره وتخزينه. وتلك فرصة لمزيد من المشروعات في هذا المجال، وتطوير تكنولوجيا جديدة، مثل حبس الكربون المنبعث من وقود سفن الشحن الكبيرة مثلاً وتحويله مباشرة إلى مواد تدفن في قاع مساراتها البحرية، وسينشط ذلك سوق تجارة نقاط انبعاثات الكربون العالمية.