لم تسفر الصدامات العنيفة بين أنصار الكتل الشيعية الخاسرة في الانتخابات وقوات الأمن العراقية عن نتائج تذكر على المستوى السياسي، سوى تعقيد الموقف في البلاد وإرسال رسائل مهمة حول رفض هذه الكتل تشكيل حكومة أغلبية سياسية يطمح إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
والتصعيد الذي جرى مع بدء الصدر مفاوضاته مع عدد من زعماء الكتل السياسية، وأهمها زعيم تحالف تقدم محمد الحلبوسي وقادة تحالف قوى الدولة عمار الحكيم وحيدر العبادي، حقق نتائجه بوقف التفاوض.
وأعلن مكتب الصدر، أن الأخير غادر العاصمة بغداد، وأوقف لقاءاته بالكتل السياسية احتجاجاً على العنف المتصاعد بين أنصار الكتل الخاسرة والقوات الأمنية العراقية، الذي أدى وفق مصادر غير رسمية إلى مقتل ثلاثة أشخاص.
وطالبت أغلب الكتل السياسية المتظاهرين والقوات الأمنية بتهدئة الأوضاع وعدم التصعيد، محذرة من تطور الأمور بشكل يؤثر على الاستقرار الأمني في البلاد.
محاولات تهدئة
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن تشكيل مقر متقدم برئاسة ضابط برتبة عليا وممثلي عن الأجهزة الأمنية، من بينها هيئة الحشد الشعبي، بهدف العمل على إدارة وتأمين منطقة الاعتصام قرب الجسر المعلق في المنطقة الخضراء لمنع الاحتكاك بين القوات الأمنية والمتظاهرين.
وقال بيان لقيادة العمليات المشتركة العراقية، إن "القيادة توصي وتذكر المتظاهرين بضرورة الالتزام بقواعد حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي"، داعية "القوات الأمنية إلى ضبط النفس والالتزام بأفضل الممارسات المهنية لحماية حرية التعبير وحقوق الإنسان".
وتأتي توجيهات الكاظمي بعد يوم من الصدامات التي شهدتها بوابات المنطقة الخضراء، التي تضم مقرات الحكومة والبرلمان وعدد من المؤسسات الرسمية والبعثات الدبلوماسية، ومنها السفارة الأميركية.
ومنذ صباح أمس السبت، بدأ أنصار الفصائل الشيعية الموالية لإيران بنصب الخيم ايذاناً بعملية اعتصام جديدة قرب عدد من البوابات، بعد حرق خيمهم من قبل قوات مكافحة الشغب ليل الجمعة بعد سلسلة من الاشتباكات بين الطرفين.
مخاوف من انهيار الأوضاع
وأدى تصاعد حدة الأحداث قرب المنطقة الخضراء إلى زيادة المخاوف من تأثيرها على الوضعين الأمني والسياسي في البلاد، وعلى تشكيل الحكومة المقبلة.
وكان الصدر دعا مساء، الجمعة، إلى عدم تحويل التظاهرات السلمية من أجل الطعون الانتخابية إلى أعمال عنف واستصغار الدولة.
وأضاف، في تغريدة له، أن "على الدولة عدم اللجوء إلى العنف ضد المتظاهرين السلميين، فالتظاهر السلمي حق مكفول عقلاً وشرعاً وقانوناً".
وتابع: "أوجه كلامي للمتظاهرين، وأقول إن الحشد الشعبي مقاوم، وأمنيتي ألا تتلطخ سمعتهم بغير ذلك"، في إشارة منه إلى أن أغلب المتظاهرين هم من الفصائل الشيعية الموالية لإيران، مؤكداً أنه سيقوم بالدفاع عن "حقوق أفراد الحشد المنضبطين وشهدائهم ضد الإرهاب وستكون حكومة الأغلبية الوطنية مدافعة عنكم بعيداً من المشاريع السياسية الداخلية والخارجية التي تريد النيل منكم من أجل مغانمها الحزبية".
احتواء الموقف
وأشار الباحث في الشأن السياسي أمير الساعدي إلى وجود حراك من جميع الأطراف لاحتواء التصعيد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "جميع المعترضين والفائزين يرفضون التصعيد واستعمال العنف المفرط، سواء من المحتجين عبر استخدام الحجارة، أو من قبل الأجهزة الأمنية باستعمال الرصاص الحي"، مشيراً إلى أن وزارة الصحة أعلنت عدم وجود أي اصابة باستخدام الرصاص الحي، وأن الجرحى أصيبوا بالحجارة والرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع.
وقال إن الأطراف تمارس الضغوط لتحصيل مكاسب أكبر عند تشكيل الحكومة، بالتالي ستبقى على حافة التوتر، مشيراً إلى أن "قيادات الإطار التنسيقي أكدت ضرورة الصمود والابتعاد عن العنف، وهذا دليل واضح على أن هناك نية لتوتير الأجواء".
وأكد الساعدي، أن "الشارع لن يهدأ ما لم يُصادق على نتائج الانتخابات والتوافق مع هذه الأطراف".
فرض التهدئة
بدوره، قال مدير المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية، معتز عبدالحميد، إن الأوضاع تتجه إلى التهدئة، ولن يكون هناك نزاع مسلح أو محاولات لاقتحام المنطقة الخضراء.
وأضاف عبد الحميد، أن "محاولات دخول المنطقة الخضراء، كانت متوقعة من جانبنا ورد فعل القوات الأمنية كان دفاعياً"، مشدداً على "ضرورة ألا يكون رد الأجهزة الأمنية بهذه الطريقة، لأن جميع الأطراف من العراقيين".
وأكد ضرورة أن "لا يتحول الاعتصام إلى حالة العنف، وأن يتم الاحتكام إلى العقل، فالتجربة الديمقراطية مهمة في حياة العراق والعالم"، قائلاً إن تشكيل الكاظمي لجنة تحقيق يأتي ضمن سياق الحفاظ على التجربة الديمقراطية.
وتوقع عبدالحميد أن تكون هناك لملمة لهذا الموضوع من جميع الأطراف السياسية، مستبعداً أن تتسع التداعيات أو اقتحام المنطقة الخضراء، نظراً لوجود قوات أمنية تحمي السفارات ومؤسسات الدولة.
التصعيد مدروس
من جهته، قال الصحافي باسم الشرع، إن التصعيد كان مدروساً، ويهدف إلى إفشال مفاوضات الصدر مع الكتل الفائزة.
وأضاف أن "التصعيد حمل رسالة واضحة بأن أي تحالف لتشكيل الحكومة من دون كتل الإطار التنسيقي سيعني ذهاب البلاد إلى المجهول أمنياً وسياسياً"، مؤكداً أن ما حصل هو جزء من الضغوط على الصدر لتغيير قراره بشأن تشكيل حكومة أغلبية سياسية وإعادته إلى البيت الشيعي لتشكيل حكومة توافقية كالعادة.
وأوضح الشرع أن التظاهرات والتصعيد سيستمران إلى حين التوصل إلى صيغة ترضي هذه الأطراف الخاسرة في الانتخابات البرلمانية شعبياً ورسمياً.
ولفت إلى أن شكل الحكومة المقبلة لا يبدو واضحاً، خصوصاً مع إصرار الصدر على كسر قاعدة التوافق السياسي التي أضرّت بالعراق، وأنهكت مؤسسات الدولة وجعلت المواطن يكره الديمقراطية والمشاركة فيها، مشيراً إلى أن العزوف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة كان رسالة واضحة على تآكل الدعم الشعبي للعملية السياسية في البلاد.
إشعال نار الفتنة؟
ورفض النائب السابق عن تحالف "الفتح" محمد البلداوي أن يكون هناك ربط بين زيارة الصدر ومباحثاته في بغداد والمصادمات التي جرت بين القوات الأمنية ومتظاهرين، واعتبر أن هناك طرفاً يحاول أن يشعل نار الفتنة، وأضاف البلداوي، "ليست هناك علاقة بين مجيء الصدر إلى بغداد ومطالبة المتظاهرين باستحقاقهم، فالصدر يعمل في اتجاه، ومطالب المتظاهرين في اتجاه آخر تتعلق بالمفوضية، لا بعملية تشكيل الحكومة"، وتحدث البلداوي عن وجود جهات حرقت خيم المعتصمين وسيارات البث المباشر لقناة "بلادي"، وحاولت إشعال فتيل أزمة، وهي نفسها التي قتلت المتظاهرين عام 2019 الذين طالبوا بحقوقهم.
ولفت إلى أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي نفى إعطاء الأوامر باستخدام الرصاص الحي ما يدل على أن هناك طرفاً يحاول إشعال الأوضاع.
وتحالف "الفتح" يعتبر ممثلاً للفصائل المسلحة في البرلمان.