في ضوء العنف المفرط الذي استخدمته قوات الأمن السودانية ضد المحتجين خلال مسيرة 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، والذي أدى إلى مقتل خمسة متظاهرين، فضلاً عن عشرات الجرحى، فإن المؤشرات تؤكد أن السودان مقبل على مواجهة غير متكافئة بين الشعب والقوات الأمنية، في ظل استمرار التصعيد الجماهيري لمقاومة قرارات 25 أكتوبر (تشرين الأول) وما بعدها، التي أصدرها القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، وذلك بإعلان حالة الطوارئ وفض الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، ثم تشكيل مجلس السيادة.
فما رؤية وتصور القوى السياسية لمجريات وتطورات الأحداث، وما الحلول التي تراها لإيقاف نزيف الدم في ظل صدور برنامج لتنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة الخرطوم يدعو إلى مواصلة الحراك الثوري من خلال المسيرات المليونية لحين تراجع البرهان عن قراراته؟
عودة الشرعية
في هذا السياق، يقول الأمين العام في حزب الأمة القومي السوداني، الواثق البرير، "واضح أن العسكريين سائرون في طريق التصعيد باستخدام العنف المفرط ضد المحتجين، واعتقال الجرحى من المستشفيات، وهو أمر غير مقبول لأنه تخطى حدود التقاليد والأعراف السودانية، فالشارع السوداني أوصل رسالته للمرة الرابعة بوضوح منذ صدور قرارات 25 أكتوبر، لكن العسكريين يريدون فرض سياسة الأمر الواقع، باعتقادهم أن الأيام كفيلة بإخماد الثورة، وهذه فرضية لن تنجح مع تمسك أهل السودان بكل فئاتهم بمبدأ الحريات، بخاصة جيل الشباب، وعلى العسكر الرضوخ لصوت العقل، وإرجاع الشرعية التي تحفظ للشعب كرامته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع البرير، "نحن في حزب الأمة وقوى الحرية والتغيير نؤكد تمسكنا بمطالب الشعب السوداني وتطلعاته التي ظل ينادي بها منذ اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وستظل هذه المطالب والأمنيات هي برنامج هذه المرحلة، وسنسعى لتحقيقها عبر الطرق والوسائل السلمية. وفي الوقت نفسه، ما زلنا متمسكين بالوثيقة الدستورية وما تضمنته من شراكة مع المكون العسكري، ولا بد من العودة لها، لكن يبدو أن العسكريين حسموا أمرهم وماضون في فض الشراكة، وعلينا كقوى سياسية إعادة الحسابات".
ويضيف، "بلا شك أن ما حدث من عنف خلال مليونية 13 نوفمبر وصل إلى حد القتل هو تطور نحو الأسوأ يؤكد أن العسكر حزموا أمرهم باتجاه التصعيد، متجاهلين دعوات المجتمع الدولي وعقلاء وحكماء الشعب السوداني بضبط النفس"، قائلاً، "ستنخرط كل القوى السياسية في اجتماعات مكثفة بغية الوصول لشكل التحرك الذي يتناسب مع تداعيات الأحداث".
البند السابع
أوضح عضو اللجنة السياسية في التحالف الديمقراطي للمحامين السودانيين محمود الشيخ، أن الأزمة أخذت منحى خطيراً باستخدام العنف لحسم المواقف المعارضة لقرارات البرهان، وهذا أمر يثير القلق لأنه سيدخل البلاد في دوامة الاقتتال، وصولاً إلى نقطة فاصلة يصعب تداركها، فاستمرار ممارسة العنف ضد المحتجين في الشارع سيكون مدعاة لتدخل المجتمع الدولي وتطبيق البند السابع، وأعتقد أنه على الرغم من إحجام روسيا والصين عن التصويت في مجلس الأمن لإدانة انقلاب البرهان، فإن الشعب السوداني خطى أولى خطواته التي قد تجبر هاتين الدولتين على دعم الثورة، بالتالي انحياز القوات المسلحة إليها".
وأضاف الشيخ، "لا بد من الإقرار بأن قرارات البرهان هي انقلاب كامل الدسم، كما أنها صدرت استناداً إلى قانون القوات المسلحة لسنة 2007، تعديل 2017، وهو قانون لا يمكن أن يسود على الوثيقة الدستورية. بالتالي، أدخل البرهان البلاد في أزمة دستورية ستكون نتائجها كالآتي: إذا قرر العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر سيحاكم كمقوض للنظام الدستوري، أما إذا قرر المضي قدماً فيكون مقراً بالانقلاب، والدليل على ذلك ما أصدره من قرار برفع تجميد مواد الشراكة في الوثيقة الدستورية مع حذف عبارة الحرية والتغيير، لذلك أصبحت الوثيقة في حكم العدم لأنها موقعة بين طرفين، ويكون بذلك وضع أيضاً قوى الحرية والتغيير (الميثاق الوطني)، في مأزق سياسي وأخلاقي لأنه بهذا الإجراء ألغى وجودهم في الوثيقة الدستورية".
وقال إن "السودان الآن في وضع دستوري وسياسي معقد لن يحل إلا بتقديم البرهان إلى محاكمة بتهمة تقويض النظام الدستوري، أو أن يقوم الجيش بعزله وإحلال بديل له باعتبار أن جميع قرارات 25 أكتوبر غير دستورية، فضلاً عما تلاها من إعفاءات وتعيينات، وغيرهما. فكان من الأمثل له أن يعلن انقلاباً عسكرياً كاملاً ويمزق الوثيقة الدستورية بالكامل وينصب نفسه رئيساً للجمهورية، لكنه وقع في خطأ كبير، بالتالي فهو ليس سلطة انقلابية ولا سيادية ولا تشريعية ولا تنفيذية، بل يتحرك بسلطات ليس لها قانون، وأصبح المسؤول الأول عن تردي الأوضاع، ولا بديل غير استمرار الثورة من أجل تكوين سياسي جديد".
استقرار سياسي
في المقابل، أشار المتحدث الرسمي باسم حركة العدل والمساواة السودانية محمد زكري إلى أن البلاد تتجه وفق الإجراءات التصحيحية الحالية نحو الاستقرار السياسي بعد تشكيل مجلس السيادة وفق آليات مثلت الأقاليم الستة، فيما يتبقى التوافق حول رئيس مجلس الوزراء الذي سيتم تشكيله من الكفاءات التكنوقراط بحسب ما ورد في الوثيقة الدستورية، إضافة إلى إكمال كل أجهزة الحكم التي كانت معطلة في الحكومة السابقة مثل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وغيرهما.
ولفت إلى أن الشارع السوداني سيهدأ من حراكه الثوري بعد أن يتأكد من أن كل الخطوات نحو السلطة المدنية ستتحقق، قائلاً إن التجربة السابقة كانت خصماً للديمقراطية لأن الأحزاب السياسية التي كانت في السلطة مارست كل أشكال التمكين والإقصاء، مما أضعف الأداء التنفيذي بشكل كبير.
وأكد أن التظاهر حق مشروع ومكفول بالقانون، لكن يجب أن يبتعد المتظاهرون عن عرقلة حركة السير بإغلاق الشوارع والطرق، لأن هذه الأعمال تعطل مصالح الناس.