أصبح اتفاق أوسلو الموقع بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل أكثر من 25 سنة اتفاقاً من جانب واحد يلتزم به الفلسطينيون وحدهم في ظل تنكر إسرائيل لمعظم بنوده، وتحويله من اتفاق انتقالي مؤقت مدته خمس سنوات، إلى اتفاق دائم، بحسب منتقديه. ووفر الاتفاق لإسرائيل فرصة تهويد القدس المحتلة ومضاعفة الاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية والقدس والسيطرة على مصادر المياه الجوفية، وإجهاض إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967. وفي حين كان اتفاق أوسلو يهدف إلى أن يكون جسراً ينتهي بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، فإن إسرائيل استغلته لإنهاء حل الدولتين من خلال تحويل المدن الفلسطينية إلى جزر معزولة تتوسطها المستوطنات والطرق الاستيطانية.
علاقة مصلحية
ولم تبقِ إسرائيل من الاتفاق إلا ما يحقق مصالحها كالتنسيق الأمني، في ظل تنكرها لكل ما عليها من التزامات، والتي كان آخرها رفض السلطة الفلسطينية استلام أموال المقاصة بعد اقتطاع إسرائيل جزءاً منها.
وفي حين أجّل اتفاق أوسلو حل قضايا الحل النهائي مثل الحدود والقدس واللاجئين والعودة إلى المفاوضات خلال المرحلة الانتقالية (التي انتهت عام 1999)، فإن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عملت على سحب هذه القضايا من طاولة المفاوضات عبر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، ودعوتها إلى شطب حق عودة اللاجئين وشرعنة الاستيطان.
وفي اعتراف لافت، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق عمير بيرتس أن "اتفاق أوسلو كان ولا يزال في مصلحة إسرائيل ومصدر قوة لها"، واصفاً إياه بأنه "أحد أهم الآليات لمنع الهجمات الإرهابية في إسرائيل". وأضاف بيرتس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يهاجم اتفاق أوسلو منذ سنوات، لكنه لم يصوّت أبداً لإلغائه طيلة السنوات العشر له في الحكم".
"الكلمات أفضل من الصواريخ"
ودعا وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إلى إحياء التعاون مع السلطة الفلسطينية ودعم الرئيس الفلسطيني، مضيفاً أن عباس "يطلق جملاً قاسية وشنيعة ضد إسرائيل، لكن إطلاق الكلمات أفضل من إطلاق الصواريخ". وتظهر تصريحات بيرتس المنافع الكثيرة التي تجنيها إسرائيل من اتفاق أوسلو من خلال التنسيق الأمني مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، الذي يحول دون وقوع هجمات ضد قواتها وضد المستوطنين. ولا يترك الرئيس الفلسطيني محمود عباس مناسبة خلال السنوات الأربع الأخيرة إلا ويكرر أن السلطة الوطنية الفلسطينية أصبحت "بلا سلطة، وأن الاحتلال أصبح من دون كلفة"، مضيفاً أن استمرار الوضع القائم سيدفع الفلسطينيين إلى مطالبة إسرائيل بتحمّل مسؤولياتها.
إعادة النظر
كما هدد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية بأن "منظمة التحرير الفلسطينية ستعيد النظر بكل الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وسحب الاعتراف بها"، مشدداً على أنه لا يمكن الاستمرار بالاعتراف بها في ظل عدم اعترافها بدولة فلسطين. لكن المحلل السياسي خليل شاهين يستبعد إمكان إقدام منظمة التحرير على قطع العلاقات مع إسرائيل وسحب الاعتراف بها، مرجعاً ذلك إلى عدم توافر الإرادة السياسية لدى حركتَي "فتح" و"حماس"، ولعدم جاهزية الوضع الداخلي لذلك.
ويقول شاهين إن "التنسيق الأمني مع إسرائيل أصبح أحد مكونات وجود السلطة الوطنية الفلسطينية وضمانة لبقائها". وشدد شاهين على ضرورة "إعادة العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من سلطة فلسطينية وحكومة احتلال لها اليد العليا في كل شيء، إلى شعب تحت الاحتلال وقوة احتلال".
ودعا أحد مهندسي "اتفاق أوسلو" يوسي بيلين الفلسطينيين إلى "إعلان وفاة السلطة الفلسطينية"، مضيفاً أن "نتنياهو فعل كل ما هو ممكن لنسف اتفاقية أوسلو من دون إلغائها رسمياً، وتحويلها من اتفاقية مؤقتة إلى دائمة، للإبقاء على الوضع القائم ومواصلة التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية".
وقال بيلين إنه لا داعي للخوف على معيشة موظفي السلطة الفلسطينية، لأنه ستتم استعادة الوضع الذي ساد قبل "اتفاقية أوسلو"، إذ ستكون إسرائيل مسؤولة عن كل شيء وستدفع الثمن الكامل للاحتلال، مشيراً إلى أن القيادة الفلسطينية ستستأنف حينها نشاطها داخل منظمة التحرير الفلسطينية.
كما وصف مدير مركز "مسارات" لأبحاث السياسات هاني المصري اتفاق أوسلو "بفخ وقع فيه الفلسطينيون ولا تنفع محاولة التمرد عليه". وأضاف المصري أن الحل الأمثل هو الانسحاب من اتفاق أوسلو بشكل كامل، مشيراً إلى أنه "كان خطأً تاريخياً ساهم في إقامة إسرائيل الكبرى مع استبعاد إمكان إقامة دولة فلسطينية مستقلة".