باتت الإمارات العربية المتحدة على بعد شهر من تطبيق قوانين حديثة لا تجرم "أكل لحم الخنزير والحمل خارج إطار الزواج والعلاقة الجنسية بالتراضي"، وذلك من مبدأ التعايش والتسامح وتقبل ثقافات الآخرين بما يعكس روح الانفتاح، كما تصف ذلك السلطة التشريعية في الدولة الخليجية.
وأعلنت الحكومة الإماراتية عن القانون الاتحادي رقم 31 لعام 2021، بعد إجراء تعديلات حديثة على قوانين العقوبات. وأشارت إلى أن بدء العمل به سيكون في يناير (كانون الثاني) المقبل مطلع 2022.
وألغى القانون الجديد بعض الجرائم التي كان يعاقب عليها قانون العقوبات رقم 3 لسنة 1973، ومنها المواد المتعلقة "بأكل المسلم لحم الخنزير والمجاهرة بتناول الأطعمة والأشربة في نهار رمضان"، و"عقوبة المواقعة بالتراضي والحمل خارج إطار الزواج"، لكن ذلك شريطة أن يعترف أحد الوالدين ببنوة الطفل.
وبحسب الجهات التشريعية، فإن هذه التعديلات جاءت لتقدم الإمارات نفسها نموذجاً للدولة العصرية في المنطقة.
أكثر من 40 قانوناً
ويعتقد الرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي" للمحاماة في الإمارات العربية المتحدة، المحامي حبيب الملا، أن "ما دفع الإمارات إلى اتخاذ هذه الخطوة هو اتباعها نهجاً جديداً في القوانين، لمواكبة التطور الحاصل في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية". ويتابع "قانون العقوبات يعود إلى العام 1987، والعمل إلى 1986، وكان لا بد من إحداث نقلة تشريعية من خلال إقرار أكثر من 40 قانوناً في الستة أشهر الماضية".
ويذكر الملا أن "القانون أسقط العقوبة عن الحمل من دون زواج، وهو ما كان مجرماً في السابق، ودفع العديد إلى إجراء عمليات الإجهاض في الخارج". ويلفت إلى أن "إلغاء العقوبة يتم في حال إقرار أحد الوالدين ببنوة الطفل، لتكون العقوبة في حال إنكار الطفل الحبس عامين". ويعتبر الملا أن "النص يحمي حقوق الأطفال الذين يولدون خارج نطاق علاقة الزواج".
ويضيف الملا، "القانون السابق لم يكن واضحاً في شأن العلاقات غير الشرعية ومصير الأطفال، وجاء في النص الجديد أن يتزوج من ينجبان طفلاً من علاقة أو يعترفان أو يعترف أحدهما بنسب الطفل إليه، ويستخرج الأوراق الثبوتية ووثائق السفر طبقاً للقوانين المعمول بها في الدولة التي يكون أي منهما مواطناً فيها".
ويقول الملا "في حال أنجبت المرأة الإماراتية طفلاً خارج إطار الزواج، في حال اعترافها به، ليس شرطاً أن يحمل جنسيتها الإماراتية لأن ذلك يختص بقانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية والجنسية".
ويشير الملا إلى أن "القانون الجديد ألغى بعض الجرائم التي كان معاقباً عليها في القانون القديم، ومنها المواد المتعلقة بأكل المسلم لحم الخنزير والمجاهرة بتناول الأطعمة والأشربة في نهار رمضان".
رفع التجريم
وفي قوانين الآداب العامة، تنص التغييرات الجديدة على أن عقوبة من ارتكب أفعالاً مخلة بالآداب العامة ستكون غرامة مالية بدلاً من السجن. وأجاز القانون مبدأ المساكنة المشتركة بين غير المتزوجين، وهو ما كان يحصل في الواقع.
ولن يعاقب القانون، وفقاً للتغييرات الجديدة، على ممارسة الجنس بالتراضي. مع ذلك، يعاقب القانون على ممارسة الجنس بالتراضي إذا ما كان عمر أحد الطرفين، ذكراً أم أنثى، أقل من 14 سنة، أو إذا ما حُرمت الضحية من إرادتها بسبب صغر سنها أو جنونها أو إعاقتها العقلية أو إذا ما كان الجاني قريباً من الدرجة الأولى للضحية أو مسؤولاً عن تربيتها أو رعايتها المعتادة أو له سلطة على الضحية القاصر. ويعاقب بالإعدام أي شخص يُدان بممارسة الجنس مع قاصر أو متخلف عقلياً.
ونصت التعديلات على رفع التجريم عن الأفعال التي لا تضر بالغير، وهو توجه محمود ومن شأنه أن يخفف من وطأة القانون بفرض عقوبات على أفعال ليس من شأنها إلحاق الضرر بأحد. ومن أمثلة ذلك الانتحار. فوفقاً للتغييرات الجديدة، تُمنح المحكمة حرية التصرف في إرسال الشخص المدان بمحاولة الانتحار إلى مؤسسة علاجية بدلاً من معاقبته. مع ذلك، فإن أي شخص يساعد شخصاً آخر بأي وسيلة على الانتحار سيعاقب بالسجن.
وينص تعديل آخر في القانون على أن الشخص لن يتحمل المسؤولية إذا ما ارتكب فعلاً ضاراً بشخص آخر بنية حسنة بهدف مساعدة أو إنقاذ ذلك الشخص الذي يحتاج إلى مساعدة عاجلة.
المواقعة بالرضا تلغي عقوبة هتك العرض
ونص القانون الإماراتي الجديد على أن "مواقعة شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وبرضاه فإنه ليس ثمة عقوبة ما لم يتقدم أحد بدعوى، والعقوبة المقدرة الحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر". ويوضح القانون أن ذلك يتم بناء على شكوى من الزوج أو الولي وتسقط العقوبة بالتنازل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول الملا "الصياغة بهذا الشكل موفقة من القانون. فقد رفع سن المواقعة بالرضا إلى 18، واشترط موافقة الزوج أو الولي لإقامة الدعوى. وبذلك عالج بعض الملاحظات على التعديلات التي صدرت في العام الماضي بشأن سن المواقعة بالرضا، وكذلك عدم قدرة الولي أو الزوج على الشكوى".
ومن ناحية أخرى، فإن النص على التجريم بهذا الشكل يعني أنه لم يعد ممكناً اللجوء إلى قوانين العقوبات المحلية لتجريم المواقعة بالرضا بعد أن أصبح قانون العقوبات الاتحادي يغطي هذا الفعل، منهياً بذلك النزاع القانوني حول هذه المسألة.
وتنص المادة 412 من قانون العقوبات الجديد على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على 10000 درهم (نحو 2700 دولار) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل ذكر تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل في طريق عام".
ونصت المادة 413 على أنه "يعاقب بذات العقوبة كل من ارتكب جريمة التحرش الجنسي. ويعد تحرشاً جنسياً كل إمعان في مضايقة المجني عليه بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تخدش حياءه".
جرائم الشرف
ومن أبرز ما تطرقت إليه التعديلات إلغاء المادة 344 من قانون العقوبات التي كانت تخفف ما يسمى بـ"جرائم الشرف". وكانت هذه المادة تعاقب بالسجن المؤقت من فوجئ بمشاهدة زوجته أو ابنته أو أخته حال تلبسها بجريمة الزنى فقتلها أو قتل من يزني بها أو قتلهما معاً في الحال. وكذلك كانت تعاقب بالسجن المؤقت الزوجة التي فوجئت بمشاهدة زوجها حال تلبسه بجريمة الزنى في مسكن الزوجية فقتلته أو قتلت من يزني بها أو قتلتهما معاً في الحال. وكانت هذه المادة تعد من مواد الشرف كون عقوبتها السجن المؤقت، والسجن المؤقت عقوبة مخففة لجريمة جسيمة مثل القتل. وبحسب التعديلات الجديدة، فإن هذه الجريمة ستعامل على أنها جريمة قتل وتعاقب بالمواد ذات الصلة في قانون العقوبات. ويقول الملا "هذا تحول قانوني مهم يؤكد التزام دولة الإمارات بحماية حقوق المرأة وضمان سيادة القانون".
ويختتم الملا قوله بأن "هذه التعديلات تعكس التوجه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي الذي تبنته دولة الإمارات وتمشي عليه وتهدف إلى ترسيخ التزام دولة الإمارات بتوفير بيئة تشريعية تتوافق مع تعددية الثقافات، والالتزام ببناء بيئة اجتماعية واقتصادية تنافسية وآمنة. فبعض هذه التعديلات إنما يراعى التطبيق الموجود أصلاً على أرض الواقع فرفع بذلك الازدواجية بين النص والممارسة الفعلية. وبعض هذه النصوص وإن لم تكن تطبق في الواقع إلا أن بعض الجهات كانت تتخذها ذريعة للمس بالسمعة التي تحققها الإمارات في المحافل الدولية".