لقد مر علينا أسبوع حافل! ولا أعتقد أن أياً منا سيتفاجأ على الإطلاق بأن رئيس وزرائنا دجال رخيص يمتهن الكذب. إنه رجل طرد من أكثر من وظيفة بسبب اتهامه بالكذب، وأنه يضع مصالحه الأنانية الشخصية قبل الوعود التي قطعها بشكل رسمي لشريكات حياته، وأيضاً، وحتى أخيراً أي الشهر الماضي، حينما حاول إعادة كتابة الشروط البرلمانية من أجل حماية أحد أصدقائه من النواب الذي كشف أنه متورط بالفساد بسبب ترويجه لمصلحة شركات كبيرة مقابل حصوله على دفعات مالية كبيرة.
لا أعتقد أن أياً منا سيعتبر مسألة عدم إمكانية الوثوق في بوريس جونسون إطلاقاً، خبراً جديداً. إذ إنه، مع من حوله، يعتقدون أنه بإمكانهم البقاء فوق القوانين والعهود التي يعيش وفقها الآخرون. ولذا، تناولوا الخمور وأكلوا الجبنة، بينما كانت البقية الباقية من البريطانيين يضحون بألم (في محاولاتهم حماية الآخرين من انتشار الجائحة ملتزمين بشروط الإغلاق الحكومية).
دفعت مهارات بوريس جونسون في الكذب إلى جعله لا يعير أي اهتمام لتمسكه حتى يومنا هذا، بأنه لم يكن على علم بإقامة أي من الحفلات غير الشرعية التي تمت تحت سقف مقر إقامته. حتى بعد انتشار تسجيل الفيديو لأقرب معاونيه فيما هم ينفجرون ضحكاً على حساب عامة الشعب، وحتى بعد قيام واحدة من هؤلاء المعاونين بتقديم استقالتها وهي تذرف الدموع ندماً بسبب هذه الحوادث، ما زال لدى بوريس جونسون من السفاهة والقدرة على الادعاء أن تلك الحوادث [حفلات أقيمت بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة] لم تتم وأنه مصدوم مثلنا تماماً.
في المحصلة، فإن جونسون هو إما كذاب أو غبي. بصراحة يبدو لي كأنه كذاب وغبي في الوقت نفسه. إذ يعتبر أنه من غير الجائز أن يرتب موظفون تدفع لهم أجور مرتفعة مأخوذة من جيبي وجيبك، مثل تلك المسرحية الهزلية التي تشبه الحفلة التي لم تحدث، ثم يعلنوا استقالتهم بسبب أمر لم يحدث. ثم يجرؤ (جونسون) على اتهام أي كان ممن يتساءلون عن تلك التصرفات الطائشة بأنهم "يسيسون القضية". هل تلاحظون الفارق؟ إنه يعتبر اهتمام الناس بتصرفاته السيئة هي المشكلة. كفى استهزاءً بعقولنا.
يعتمد بوريس جونسون على حقيقة أن الناس يعلمون أنه كذاب. ويتمنى أن يتمكن من الصمود حتى مرور العاصفة عبر إقناع الناس أن السياسيين يشبهون بعضهم بعضاً، ويسعى لأن يعمم تلك الصفة علينا جميعاً. لقد شكل ذلك ناموس تصرفاته طوال فترة جلوسه على كرسي رئاسة الوزراء. وأنا لا أجرؤ هنا على الاعتراف بأن تلك التصرفات نجحت في بعض الأحيان.
في المقابل، يجب ألا نصدق ذلك. نعم، يرتكب كل السياسيين أخطاء، لكن الغالبية العظمى من هؤلاء يرتكبون أخطاء أو أفعالاً حمقاء، في سياق امتلاكهم هدفاً ما يتخطى مشاعرهم الذاتية بمكانتهم، وسلطتهم وطمعهم. أغلب هؤلاء السياسيين لديهم غاية وهدف لا يتعلق بإرضاء الذات والرغبة في أداء عروض مسرحية هزلية. في ذلك المنحى، يضمن بوريس جونسون لنفسه مكانة خاصة ينفرد بها. لا فكرة لدي على الإطلاق حيال ما الذي يدفع بوريس جونسون على الانخراط في العمل السياسي. وأنا أجهل تماماً القضايا التي يؤمن بها وتشكل قوة الدفع لديه. لا أحد يعلم بماذا يهتم بوريس جونسون، سوى الرغبة بأن يكون الولد الذي يحظى بالشعبية الأكبر بين أترابه. إذ يعتقد، بصدق، أنه أفضل منكم، والقوانين والشروط لا تشمله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لو كان من أسبوع يتحتم علينا فيه تذكر أن لب العمل السياسي غايته خدمة الصالح العام الذي تدفعه رغبة تغيير العالم، لكان تحديداً هذا الأسبوع. وأقول بكل حزن، إن المثال المطلوب جسدته شخصية النائبة هارييت هارمان. فخلال هذا الأسبوع، أعلنت المرأة التي خدمت لأطول فترة في البرلمان البريطاني، وتعتبر "أم المجلس" the mother of the house [وهذا منصب فخري له وزنه ورمزيته في بريطانيا] نيتها عدم الترشح مرة جديدة والاستقالة من عملها كنائبة في البرلمان.
لقد أمضت هارييت هارمان أربعين سنة، هي سنوات عمري كله، في شق طريقها الخاص ضمن المعترك السياسي في "ويستمنستر" (الحي السياسي الحكومي في العاصمة لندن) وخارجه. فلا يمكن لأي كان أن ينفي علمه بالأسباب التي دفعت هارييت هارمان إلى خوض غمار العمل السياسي، إذ كانت واضحة الأهداف على مدى أربعين سنة، من خلال عزمها على تغيير مصير حياة الفقراء وجعل العالم مكاناً أفضل للنساء والفتيات.
لدى سماعي نبأ نيتها العزوف عن الترشح في الانتخابات العامة المقبلة، أرسلت لها الرسالة التالية، "أنا سعيدة بأنكم في النهاية ستحظون بفترة من الراحة. أنا حزينة للنساء اللاتي سيصلن إلى البرلمان ولن تكونوا هناك لاستقبالهن. ولكنني لا بد أن أعبر عن امتناني لكم من صميم قلبي على الحياة التي أتاحتها مبادراتكم، كي ينعم أبنائي بحياة أفضل جراء دفاعكم عن النساء العاملات في وظيفتين من أمثالي، فهن يعتنين بأطفالهن إلى جانب الاعتناء بآبائهن وأمهاتهن من كبار السن وهم على فراش الموت. لقد كنتم مثالاً سعيت دوماً إلى الاحتذاء به داخل البرلمان وخارجه. ولن يكون أي شخص آخر على قدركم ومستواكم".
أمضت هارييت هارمان كل يوم من أيامهما في الأربعين سنة الماضية مركزة بشكل كامل على تيسير أن يستطيع كل مواطن تحقيق أحلامه. لقد اخترعت مع آخرين فكرة توفير الرعاية المجانية للأطفال، ووسعت نطاق الائتمانات الضريبية لتشمل الأمهات كي يتمكن من العمل وتربية أطفالهن في نفس الوقت، كذلك سهلت تفعيل عمل إحدى اللجان المعنية بذوي الدخل المحدود بغية رفع الحد الأدنى من الأجور ليكون متناسقاً مع متطلبات العيش الكريم للعائلات.
لم تكن هارييت هارمان بحاجة إلى شعارات، بل فهمت معنى إرساء العدالة الاجتماعية وتوفيرها للمحرومين منها. لم تكن تعرفني لكنها غيرت حياتي. لن يتمكن لبوريس جونسون وإنجازاته من الوصول حتى لمستوى نعل هارييت هارمان. لقد أفقرت حكومته كل العائلات التي أسهمت هارييت هارمان في تحسين أوضاعها المعيشية.
إن السياسيين جميعاً مختلفون، بعضهم يتمتع بالمكانة الاجتماعية اللائقة، وثمة من هم تافهون. تتقن هارييت هارمان لعبة العمل السياسي، بوريس جونسون يجيد الألعاب الصبيانية في الحفلات. أنا أعرف من أفضل أن يغادر قبة البرلمان.
جيس فيليبس هي وزيرة شؤون الحماية العائلية والعنف الأسري في حكومة الظل التابعة لحزب العمال المعارض، ونائبة عن دائرة بيرمينغهام ياردلي في شمال إنجلترا
© The Independent