يتسارع ازدهار أسعار البيوت في شكل متواصل. ويأتي التفصيل الأخير من "هاليفاكس"، إذ تبين البيانات أن السعر المتوسط للمنزل في المملكة المتحدة بلغ 272 ألفاً و992 جنيهاً استرلينياً (360 ألفاً و331 دولاراً) في نوفمبر (تشرين الثاني)، بزيادة نحو 20 ألف جنيه في سنة. وهذا معدل زيادة سنوي يساوي 8.2 في المئة، في حين أن الارتفاع الفصلي، البالغ 3.4 في المئة، هو الأعلى منذ أواخر عام 2006. وهكذا لم يلجم سوق الإسكان إنهاء العمل بالإعفاء من ضريبة الدمغة كما كان متوقعاً.
أين سينتهي هذا كله؟ الأمر الأول الواجب إيضاحه هو أن هذه الظاهرة ظاهرة عالمية. فوفق أحدث حصيلة صادرة عن وكالة "نايت فرانك" العقارية، ارتفعت الأسعار في الفصل الثاني من هذا العام بنسبة 9.2 في المئة حول العالم، واقتصرت التراجعات على بلدين – الهند وإسبانيا. ودرست "نايت فرانك" احتمال أن تكون السوق قريبة من ذروتها، في ضوء إمكانية رفع معدلات الفائدة حول العالم. ربما لا، بما أن الرفع يبدو أنه لن يحصل.
إذاً، فالظاهرة عالمية وتقبع المملكة المتحدة إلى حد كبير في وسط الترتيب، لكن ثمة مسائل أخرى. الأولى أن كثيراً من المال يخرج من السوق في شكل سحب للأسهم الخاصة. ويحصي بنك إنجلترا كمية المال التي يضعها الناس في أسواق الإسكان أو يسحبونها منها. خلال المرحلة السابقة لآخر انهيار أصاب سوق الإسكان عام 2008، كان الناس يسحبون كمية أكبر من المال من السوق، عادة من خلال إعادة رهن المنازل لجمع مال أنفقوه على أشياء أخرى. ومنذئذٍ هم يضخون المال في السوق، لكن في مطلع هذا العام، انقلبت الأرقام. هم يعاودون مجدداً سحب المال من السوق.
لماذا؟ لا نعرف حقاً، ويبدو الأمر غريباً في ضوء وجود مبالغ ضخمة مما يسمى المدخرات الفائضة. فثمة نحو 150 مليار جنيه من المال الذي كان سينفق في ظروف طبيعية، لكنه تراكم في الحسابات المصرفية خلال الإغلاقات التي فرضت بسبب "كوفيد-19". وربما يتوقع المستثمرون الأكثر دهاءً أن ترتفع معدلات الفائدة، فيقبضون على صفقات جيدة في مجال الرهن العقاري طالما استطاعوا إليها سبيلاً ويضخون المال في مجالات أخرى. أو ربما هم الأشخاص الأكبر سناً من يخرجون المال من السوق، إما ليعطوه إلى أولادهم أو للمساهمة في تمويل التقاعد المبكر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن إن لم نكن نعلم لماذا يحدث هذا، فإننا نعلم أن سحب الأسهم الخاصة غير ممكن إلا حين تتوق المصارف وجهات الإقراض الأخرى إلى تقديم قروض. وهذا شرط فرضته المصارف المركزية والسلطات النقدية حول العالم. وإذ حددت المصارف المركزية معدلات للفائدة قريبة من الصفر، بل وسلبية في حالة المصرف المركزي الأوروبي، لا يتطلب اقتراض المال الرخيص واستثماره في أصول عقارية كثيراً من التفكير. وهذا يعني للبريطانيين، وكذلك على ما يبدو للمواطنين في بلدان أخرى كثيرة، شراء منزل. وفي حين أن عرض المنازل محدود، على الأقل في الأجل القريب، يؤدي ذلك بدوره إلى ارتفاع أسعار البيوت.
والنتيجة هي أن العلاقة بين أسعار البيوت والمداخيل تقفز، وهي الآن عند مستوى هو الأعلى في المملكة المتحدة منذ قرن، فقد أجرت مؤسسة "شرودرز" لإدارة الاستثمارات دراسة لهذه العلاقة في وقت سابق من هذا العام. وخلال معظم القرن العشرين تراوحت أسعار المنازل بين أربع وستة أضعاف العوائد المتوسطة للناس، لكن بحلول نهاية العام الماضي، فاقت الأسعار ثمانية أضعاف العوائد، ووفق حساباتي السريعة، لا بد من أنها تبلغ الآن تسعة أضعاف. ولو صح الأمر، فهذا المستوى هو الأعلى منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر. وبعبارة أخرى، أصبحت أسعار المنازل في بريطانيا معقولة أقل مقارنة بها في أي وقت خلال السنوات الـ140 الماضية. وخلال القرن التاسع عشر أصبحت أسعار البيوت أرخص باطراد مقارنة بالمداخيل. وخلال القرن العشرين، استقرت. أما في القرن الحادي والعشرين، فعاودت القفز.
كيف سينتهي الأمر؟ في تبسيط مفرط، ثمة رأيان واسعان: الاستقرار أو الانهيار. تقول وجهة النظر الخاصة بالاستقرار إن الأسعار يجب أن تتكيف مقارنة بالمداخيل إلى مستوى قريب من النطاق الذي شهده القرن العشرين، لكن ذلك لن يحصل إلا بارتفاع المداخيل. وستبقى أسعار البيوت مستقرة عموماً، وربما ترتفع قليلاً على صعيد القيمة المالية، لكن الراتب المتوسط سيرتفع في شكل أسرع، وبحلول عام 2030 ستعود الأسعار إلى نسبة تساوي رما ستة أضعاف العوائد.
أما وجهة النظر القائلة بالانهيار فترى أننا مررنا بمرحلة مماثلة سابقاً. فأي شخص ذي ذاكرة بعيدة قد يتذكر انهياري أواخر السبعينيات وأوائل التسعينيات. ونشرت المؤسسة البحثية "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة" أخيراً تقريراً يشير إلى أن الأسعار عام 2008 انهارت مما متوسطه 184 ألف جنيه في أواخر عام 2007 إلى مستوى منخفض يقل قليلاً عن 150 ألف جنيه في أوائل عام 2009. لذلك يجب أن يحصل تعديل حاد في مرحلة ما لكن أحداً لا يعرف متى.
أي من وجهتي النظر ستكون أكثر صحة؟ لا يمكن لأحد أن يعرف، لكنني أفضل وجهة النظر الخاصة بالاستقرار... ألا تشاطرونني الرأي؟
© The Independent