بدأ المجلس العسكري الانتقالي في السودان و"قوى الحرية والتغيير" في تبني خيارات جديدة بعدما تباعدت مواقفهما، إذ يدرس العسكر انتخابات مبكرة، وتتجه المعارضة إلى عصيان يمكن أن يصل إلى إسقاط المجلس، بعدما حقق الإضراب نجاحاً نسبياً وسط مخاوف من انزلاق السودان إلى فوضى أو انقلاب دموي في البلاد. يتزايد القلق وسط النخب السياسية ورموز المجتمع السوداني، بعد توقف المفاوضات بين المجلس العسكري والمعارضة، وتصاعد لهجة الطرفين، وتفكيرهما في خطوات لتعزيز مواقفهما، ما يهدد باتخاذ طرف خطوات أحادية تزيد المشهد التهاباً. وسادت المجالس السياسية في الخرطوم مخاوف من لجوء "العسكر" إلى استخدام القوة لفرض نفوذهم بعدما نسجوا تحالفات سياسية غير معلنة في الداخل وتواصلوا مع قوى خارجية، ما يدفعهم إلى التفكير في تجاوز المعارضة، في حين ارتفعت أصوات في "قوى الحرية والتغيير" خصوصاً من قوى اليسار، بإسقاط المجلس العسكري.
العسكر ضد التصعيد
عبّر الفريق شمس الدين الكباشي، رئيس اللجنة السياسية والناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي عن استيائه من المعارضة وإضرابها السياسي، قائلاً "لكننا لن نمنعهم، فهم يمارسون حقهم في التعبير... إلا أن الوقت غير مناسب لذلك خصوصاً أن ثمة تواصل على مستوى اللجان السياسية لتقريب وجهات النظر". وتحدث الكباشي عن زيارات رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة وأبو ظبي وجوبا وأديس أبابا لإطلاع زعماء الدول التي زارها على مجريات الأحداث في السودان، وعلى الجهود المبذولة مع قوى الحرية والتغيير للوصول إلى اتفاق نهائي بشأن الترتيبات الانتقالية.
المعارضة تلوّح بالعصيان
نفذت المعارضة اليوم (28 مايو الجاري) إضراباً لكن خدمات المياه والكهرباء والاتصالات لم تتأثر، وحقق الإضراب نجاحاً جزئياً في الطيران والمصارف والصيدليات والمستشفيات والنقل الداخلي وبعض المؤسسات الخاصة. وقال القيادي في "قوى الحرية والتغيير" والناطق باسم "التجمع الاتحادي" المعارض جعفر حسن لـ"اندبندنت عربية" إن "مشاركة السودانيين الواسعة في الإضراب توجه رسالة إلى المجلس العسكري عن حجم التأييد الذي تحظى به المعارضة من قبل الشعب السوداني الذي أسمع مطالبه بشأن نقل السلطة للمدنيين بوضوح".
الشيوعي يرفض العسكر
كذلك، أوضح الحزب الشيوعي عضو "قوى الحرية والتغيير" في بيان أن المجلس العسكري الانتقالي لم يخيب الظن في أنه امتداد واضح لنظام حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، متهماً إيّاه بالكذب حول اعتقاله رموز النظام، وتخبطه بتجميد النقابات الموالية للنظام، ومن ثم فك تجميدها في محاولة استباقية لمواجهة الإضراب السياسي، وتراجعه عن تجميد ممتلكات المنظمات التابعة للنظام والأفراد. ورأى الحزب أن المجلس العسكري لم يحترم اتفاقاته وتعهداته لقوى الحرية والتغيير في ما يخص تكوين الحكومة المدنية والمجلس التشريعي الانتقالي. وعوضاً عن ذلك، يصر على الغالبية ورئاسة عسكرية للمجلس السيادي لتنفيذ مخططه ومخطط قوى خارجية، بالتنسيق مع قوى الثورة المضادة في الداخل لاستمرار النظام المستبد بكل سياساته.
الاتحاد الأفريقي يحذر
دعا مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى السودان، محمد الحسن ولد لبات، المجلس العسكري الانتقالي و"قوى الحرية والتغيير" إلى العمل بسرعة على استئناف مفاوضات الانتقال إلى سلطة مدنية. وحذر من فشل المفاوضات، قائلاً "السودانيون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاتجاه للفوضى أو طريق السلم والتفاوض". كما دعا ولد لبات إلى تفادي "توتر الأجواء" وضرورة إيجاد "جو ملائم للشراكة بين الطرفين بالاحترام المتبادل والتخفيف من التصعيد". في سياق متصل، التقى مبعوث الاتحاد الأفريقي ممثلين عن لجنة العلاقات الخارجية لتجمع المهنيين السودانيين وتناول الطرفان تعثر عملية تسليم السلطة للمدنيين في السودان، بحسب القرار السابق من مجلس السلم والأمن الأفريقي، الذي يطالب بسرعة انتقال السلطة إلى المدنيين أو تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي. وقال تجمع المهنيين إن اللجنة تطرقت إلى العقبات التي يضعها المجلس العسكري أمام عملية التفاوض، مشيرةً إلى القرارات والسياسات التي ينتهجها المجلس العسكري لفرض سلطاته كأمر واقع. وأكد مبعوث الاتحاد الأفريقي من جانبه أنه سجل ملاحظات التجمع، وسينقلها في تقريره الدوري لمجلس السلم والأمن الأفريقي. وكانت لجنة تجمع المهنيين السودانيين، في إطار جهودها لعكس رؤيتها للأطراف الدولية والإقليمية، أجرت لقاءين منفصلين مع السفيرين البريطاني عرفان صديق والسعودي علي بن حسن جعفر في الخرطوم. وطلب الوفد خلال لقائه السفير السعودي، دعم المملكة خيارات الشعب السوداني في إقامة سلطة مدنية انتقالية، وأكد الطرفان ضرورة استمرار التعاون بين البلدين.
الانتخابات ليست حلاً
المحلل السياسي الفاتح الحسن رأى أن البلاد ليست في حاجة إلى انتخابات بل إلى فترة انتقالية، تُعاد من خلالها ترتيبات عقد إجتماع جديد، معتبراً المرحلة التي تمر بها البلاد خطيرة وصعبة وتحتاج إلى تنازلات مشتركة من قبل المجلس وقوى الحرية والتغيير.
وأشار الفاتح إلى أن الأولوية اليوم تتمثل في تحقيق السلام وتصفية المشاكل الداخلية، وليست لإجراء انتخابات مبكرة، ستُواجَه بالتشكيك وتكون منقوصة الشرعية.