لا تزال قضية فرار الأمين العام الأسبق للحزب الحاكم في الجزائر، عمار سعداني، إلى المغرب تثير التعجب وتطرح الاستفهام، وبقدر ما استفزت الجزائريين فإنها تكشف عن حجم الضرر الذي ألحقه نظام الرئيس السابق الراحل بوتفليقة بصورة البلاد.
حراسة أمنية مشددة
وفي ظل وضع متوتر بين الجزائر والرباط، أكدت مجلة "جون أفريك" أن الأمين العام الأسبق لحزب "جبهة التحرير الوطني" عمار سعداني، فر إلى المغرب من أجل الاستقرار هناك، وشددت نقلاً عما وصفتهم بـ"مصادر أمنية بالرباط" على "أن الأمين العام السابق للحزب الحاكم في الجزائر تلاحقه سلطات بلاده بسبب فضائح الفساد، وقد وجد في المغرب ملاذاً من أجل الاستقرار هناك".
وكشفت المجلة الفرنسية عن "أن الأمين العام الأسبق لحزب (جبهة التحرير الوطني)، يعيش في المغرب تحت حراسة أمنية مشددة من الأجهزة الأمنية المغربية، منذ أن لجأ للرباط في الربيع الماضي". وأشارت إلى أنه "يرفض التحدث إلى وسائل الإعلام منذ وصوله إلى المغرب"، مضيفة نقلاً عن مصادرها، "أنه لا يريد أن يتم الحديث عنه وإرسال إشارات يمكن أن ينظر إليها الجزائريون على أنها استفزاز". وفي حين وصفت سعداني بـ"الحليف السياسي للرباط"، شددت على أن الجزائريين يرون في لجوئه إلى المغرب طعنة، بخاصة في ظل التوترات بين البلدين.
لا ينوي طلب اللجوء إلى الجارة الغربية
وكان سعداني، الذي شغل خلال مسيرته السياسية منصب رئيس البرلمان، قد "تسلل" نحو فرنسا في بادئ الأمر، مع مباشرة العدالة الجزائرية تحقيقات حول ملفات فساد عقب سقوط نظام بوتفليقة، حيث شملت وزراء ومسؤولين حكوميين ورجال أعمال، ثم تنقل إلى البرتغال مخافة أن يكون "ضحية" صفقة بين الجزائر وفرنسا في إطار اتفاقيات تسليم المطلوبين، إثر صدور بطاقة جلب دولية، ليجد نفسه مرة أخرى مضطراً إلى اللجوء إلى المغرب، وهو الحل الذي يراه الأمين العام لحزب "جبهة التحرير" الأنسب والمطمئن على اعتبار أن البلدين الجارين أصبحا "عدوين".
في المقابل، تداول عديد الأطراف عن مصدر من عائلة سعداني، أن "الأمين العام الأسبق للحزب الحاكم يقيم في بريطانيا منذ سنة تقريباً، ولا يفكر في مغادرتها، كما لا ينوي طلب اللجوء لا إلى المغرب ولا إلى غيره".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اختياره المغرب ليس اعتباطياً
وفي السياق، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه لا يمكن تفسير "فرار سعداني إلى المغرب إلا إذا تذكرنا عدة أمور وقعت عندما كان في موقع قوة وعلى رأس الأمانة العامة للحزب، بينها تصريحه بإمكانية تنازل الجزائر عن دعم الصحراء الغربية، واعتبرها بالتلميح أنها أرض مغربية، كما لعب دوراً كبيراً في إسقاط الجنرال محمد مدين المدعو (توفيق) رئيس الاستخبارات، مما أدى إلى إضعاف الجهاز آنذاك، بالإضافة إلى عدة أنشطة تصب في الاتجاه ذاته، وعليه فإن اختيار المغرب بلد لجوئه ليس اعتباطياً".
للرجل سوابق مع السياسة والفساد
ورافقت سعداني مواقف حول قضية الصحراء الغربية أثارت الكثير من الجدل في الجزائر، حيث قال في حوار سابق، "في الحقيقة، أعتبر من الناحية التاريخية أن الصحراء مغربية وليست شيئاً آخر، واقتُطعت من المغرب في مؤتمر برلين، وفي رأيي أن الجزائر التي تدفع أموالاً كثيرة للمنظمة التي تسمى البوليساريو منذ أكثر من 50 سنة، دفعت ثمناً غالياً من دون أن تقوم المنظمة بشيء أو تخرج من عنق الزجاجة". وعقب هذه التصريحات ردت السلطات الجزائرية على لسان المتحدث باسم الحكومة آنذاك، حسن رابحي، بالقول "إنها تخص صاحبها ولا تساوي مثقال ذرة".
كما قاد سعداني أثناء زعامته حزب "جبهة التحرير"، هجوماً نارياً على جهاز الاستخبارات ورئيسه الجنرال محمد مدين، واتهمه بالتقصير في حماية أمن الجزائر سنوات الإرهاب، وبالتدخل في شؤون الأحزاب والإعلام، ودعاه إلى الرحيل وترك السياسة، ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد.
ووضعت العدالة الجزائرية الأمين العام الأسبق للحزب الحاكم، منذ العام 2018، على لائحة الشخصيات المتهمة بالفساد، لكنه لم يبال، غير أن اعتقال وزير العدل السابق، الطيب لوح، في العام 2019، أربكه وتصاعدت مخاوفه، لأنه كان يراهن على الرجل، الأمر الذي استعجل رحيله نحو فرنسا.
وتعجبت القيادية بحزب "جبهة التحرير الوطني"، إناس نجلاوي، من خبر طلب سعداني اللجوء إلى المغرب، وأبرزت في تصريحات إعلامية، أنه "من غير المنطقي أن يطلب مسؤول سابق اللجوء هرباً من العدالة، في حين لم تصدر بشأنه أي مذكرات توقيف وليس في حالة فرار أو مطلوباً للعدالة"، مضيفة أنه "حين يتعلق الأمر بسعداني يفقد الإعلام المتحيّز المصداقية، فيستغل موقفه من قضية الصحراء لينسج كذبة أبريل (نيسان) حول طلبه اللجوء إلى دولة شقيقة بينها وبين الجزائر ميراث من الحساسيات والمناوشات السياسية".