أخذت الموازنة السعودية في الاعتبار التوقعات المقبلة، وفي ظل اقتصاد هو الأكبر عربياً، تضع السياسة الاقتصادية التحفظات دائماً في الاهتمام تجنباً لأي متغير قادم، فحال عدم الاستقرار المحيطة بالمتحورات الجديدة من فيروس كورونا والتنبؤات الاقتصادية العالمية وتقلبات النفط إضافة إلى التضخم يضع موازنة 2022 في حال ترقب بل تحد.
وفي الوقت ذاته، يؤكد محللون اقتصاديون أن الموازنة العامة للعام المقبل تعكس متانة الإجراءات وسلامة المسار المالي في مواجهة مختلف التحديات والظروف، مع الاستمرار في استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية وفق مستهدفات رؤية 2030.
ونوه المحللون الذين استطلعت "اندبندنت عربية" آراءهم إلى أن قيمة الإنفاق الحكومي المقدرة للعام المقبل ستسهم في تعزيز الأهداف المالية والاقتصادية لمرحلة ما بعد الجائحة، إذ تظهر الموازنة تركيز السعودية على فعالية الإنفاق وتحقيق أهداف الموازنة المتوازنة بحلول 2023.
وتستهدف السعودية التحول لتحقيق فائض في موازنتها للمرة الأولى منذ ثمانية أعوام بقيمة 90 مليار ريال (24 مليار دولار) في موازنة عام 2022، مستفيدة من ارتفاع أسعار النفط بالتزامن مع التعافي النسبي من تداعيات جائحة كورونا.
وأقر مجلس الوزراء السعودي الموازنة العامة للعام المالي 2022 بإيرادات تصل إلى 1045 مليار ريال (278.7 مليار دولار)، ونفقات تبلغ 955 مليار ريال (254.7 مليار دولار).
وبحسب بيان الموازنة يتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 7.4 في المئة في 2022، مقابل 2.9 في المئة للعام الحالي.
في السياق ذاته، يتوقع أن ينمو اقتصاد السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، بنسبة 7.4 في المئة في عام 2022، بعد أن نما بنسبة 2.9 في المئة هذا العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير الموازنة إلى أن النمو سيكون مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط و"التحسن المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، على افتراض أن الاقتصاد يواصل التعافي تدريجياً من آثار جائحة كوفيد-19".
وتوضح تقديرات المحللين بأن انتعاشاً تدريجياً في طريقه إلى الاستمرار في ظل الحفاظ على المبادرات التي نفذت خلال السنوات الماضية.
ويرى المتخصصون أن الأولويات للتنويع الاقتصادي بات في مقدم الاهتمامات، وفي الوقت ذاته تتطلع الرياض نحو تعزيز مركزها اللوجستي والمالي إقليمياً، فضلاً عن تعزيز موقعها كوجهة سياحية عالمية.
وتعرض الاقتصاد السعودي لانكماش العام الماضي، إذ أضرت أزمة فيروس كورونا بالقطاعات الاقتصادية غير النفطية المزدهرة، بينما أثر الانخفاض القياسي في أسعار النفط على موارده المالية، لكن المؤشرات انتعشت هذا العام حيث تم تخفيف قيود الجائحة عالمياً ومحلياً.
ارتفاع أسعار النفط
في المقابل، قال رئيس قسم الأبحاث في "الراجحي كابيتال" مازن السديري، إن تسجيل الموازنة أول فائض منذ ثمانية أعوام في العام المقبل، جاء بدعم رئيس من ارتفاع أسعار النفط وإجراءات الإصلاح، تزامناً مع التعافي النسبي من تداعيات جائحة كورونا.
وذكر السديري أن موازنة 2022 تتماشى بشكل عام مع تقديرات "الراجحي كابيتال" البالغة 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار).
وأضاف أن حصة الإيرادات النفطية وغير النفطية لعام 2021 هي 60 في المئة إلى 40 في المئة على الترتيب بالنسبة إلى عام 2022، متوقعاً أن تصل عائدات النفط إلى 655 مليار ريال (174.7 مليار دولار)، فيما تقدر الإيرادات غير النفطية بمبلغ 400 مليار ريال (106.7 مليار دولار)، وبذلك يصل إجمالي الإيرادات المقدرة في 2022 إلى 1055 مليار ريال (281.3 مليار دولار).
وأكد السديري أن تقديرات 2022 تستند إلى توقعات حقيقية على المدى القريب، مع وجود محركات لأسعار النفط والإنتاج إلى جانب الفوائد من الإصلاحات العامة.
وتابع، "تقديرات عامي 2023 - 2024 تستند إلى هيكلية التقديرات الاستراتيجية التي تعتمد على أساس أسعار النفط التاريخية مع التعديلات على التضخم ونمو الناتج المحلي الإجمالي".
تقليص الإنفاق
بدروه، أفاد كبير محللي الاقتصاد الكلي في المجموعة المالية "هيرمس" محمد أبو باشا، بأن الفائض المتوقع في موازنة العام الجديد سيلقى دعماً من تقليص الإنفاق المرتبط بجائحة كورونا، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج.
وأضاف أن هناك انخفاضاً في الموازنة الاستثمارية، مما يسهم في تحويل عبء الاستثمار إلى صناديق الدولة وعلى رأسها صندوق الاستثمارات العامة الذي سيحصل على مزيد من التحويلات من الموازنة، مما يعزز قدرة الصندوق السيادي على تنفيذ خططه الاستثمارية المطلوبة، وتحقيق أهدافه بزيادة إجمالي أصوله.
وأشار أبو باشا إلى أنه من المتوقع حدوث ضغوط تضخمية في السعودية نتيجة الموجة العالمية الحالية في معدلات أسعار المستهلكين وارتفاع أسعار السلع الأولية، وهذا سيعززه النمو الاقتصادي القوي للمملكة.
تحسن كبير
من جهته، قال القائم بأعمال رئيس أبحاث الاستثمار لدى "كامكو إنفست" جنيد أنصاري، إن موازنة السعودية الجديدة تؤكد أن هناك تحسناً اقتصادياً كبيراً خلال عام 2021، من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض كبير في العجز المالي المتوقع وتحقيق فائض للمرة الأولى منذ العام 2013.
وتوقع أنصاري أن ذلك التوقع مبني على تعافي النشاط الاقتصادي مدعوماً بجهود وإصلاحات الحكومة وارتفاع أسعار النفط، وزيادة تحصيل ضريبة القيمة المضافة وزيادة كفاءة الإنفاق واحتوائه من الحكومة.
وذكر أن التأثير الفعلي لمتحورة "أوميكرون" جاء أقل مما كان متوقعاً في الأصل، ولذلك فمن المنتظر أن يسير التعافي الاقتصادي مع افتتاح مزيد من القطاعات، بما في ذلك النقل والحج والعمرة وكذلك السياحة.
انضباط مالي
وأفاد رئيس الباحثين لدى "سنشري فايننشال" ومقرها دبي، أرون ليزلي جون، بأن السعودية أظهرت انضباطاً مالياً هذا العام في ظل تعرض معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم لضغوط بسبب زيادة إنفاقها الاجتماعي، مما أدى إلى ارتفاع عجزها المالي.
وأشار إلى أن الموازنة الجديدة للعام تظهر أن الاقتصاد يتعافى بسرعة من الآثار السلبية للوباء في ظل اتخاذ الحكومة خطوات جادة في بناء احتياطات مالية للمستقبل، بدلاً من مجرد استنزاف طريقها للخروج من المشكلات.
وقال "إن أهداف الموازنة العامة لعام 2022 تبدو قابلة للتحقيق، إذ إن الاقتصاد العالمي في حال انتعاش مع رصد حجم إنفاق بالموازنة السعودية يبلغ 955 مليار ريال (255 مليار دولار)، وعلى الرغم من أن الإنفاق هو الأدنى منذ العام 2017، فإن هذا الأمر معقول ومن المرجح أن ينمو الاقتصاد غير النفطي بسرعة مع تزايد معدلات التطعيم ضد كورونا، ومن ثم سيقلل التحديات التي تواجهها السعودية، وسيساعد في عودة الأنشطة الاقتصادية لحالها الطبيعية".
سعر متحفظ
وذكر ليزلي أن الموازنة الجديدة تستند إلى سعر نفط يتراوح بين 50 و55 دولاراً للبرميل، وهو سعر متحفظ للغاية في ظل اتجاه الاقتصاد العالمي للانتعاش، والتوقعات بأن تعود العديد من الاقتصادات في جميع أنحاء العالم إلى وضعها الطبيعي بالكامل عام 2022، إضافة إلى زيادة أعداد المسافرين ومن ثم تعزيز الطلب على الخام.
تنويع الاقتصاد
في سياق متصل، أفاد محلل الاستثمار الدولي محمود عطا أن الأمر الملحوظ في أداء الموازنة السعودية هو تحقيق أعلى إيرادات غير نفطية على الإطلاق، وهذا يدل على الجهود الكبيرة المبذولة لتنويع الاقتصاد، وفي ظل الظروف الصعبة التي مر بها الاقتصاد العالمي خلال الفترات الماضية نتيجة الآثار السلبية لجائحة كورونا.
وقال عطا إن الموازنة الجديدة تركز على رفع كفاءة الإنفاق والتنويع في الاستثمارات بما يجنب السعودية التأثر من التقلبات السعرية في أسعار النفط والتي تؤثر مباشرة في الموازنة.
ويري عطا أن الأداء المالي للعام الحالي في السعودية وعلى الرغم من الظروف الاستثنائية الخاصة بالجائحة، إلا أن نسبة الدين للناتج المحلي هي الأفضل منذ أعوام عدة، مع التأكيد على بذل الجهد لخفض مستوياته خلال الأعوام المقبلة.
وأشار مدير الاستثمار إلى أن الأسعار التقديرية للنفط في موازنة عام 2022 تتحكم فيها عوامل عدة، أهمها مدى تطور المتحورة الجديدة لفيروس كورونا (أوميكرون)، وخصوصاً أن آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية لم يحدد حتى الآن مدى خطورتها، وهل يحتاج العالم إلى إغلاقات جديدة، إذ تهدد عودتها الطلب على النفط.
موازنة التفاؤل
في هذا الصدد، توقع المحلل الاقتصادي بالأسواق العالمية محمد مهدي أن يظل النفط الخام مرتفعاً حول مستوى 70 دولاراً للبرميل. مضيفاً، "تظهر التقديرات فائضاً في الموازنة بنسبة 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعكس التفاؤل الذي يتوقف على مستوى إنتاج النفط بحسب تحركات أوبك+".
وقال مهدي إن "التركيز الأكبر على القطاع غير النفطي، إذ يوفر الاستقرار لموازنة الدولة على الرغم من تقلب أسعار النفط".
وأشار إلى أن القطاع غير النفطي سيواصل النمو في العام المقبل من 77 مليار ريال (20.5 مليار دولار) مقدرة لعام 2021 ومدعومة بنمو اقتصادي أقوى ونشاط اقتصادي أكبر، وتوقع أن يأتي الجزء الأكبر من المساهمة في نمو الإيرادات غير الضريبية البالغة 127 مليار ريال (33.90 مليار دولار) بالتزامن مع ارتفاع عائدات النفط.