ناقش مجلس النواب الأردني اتفاقية "الطاقة مقابل المياه" التي وقعت مع إسرائيل منتصف الشهر الماضي، وبدا من رد الحكومة الأردنية أنها تحاول التنصل من الاتفاقية باعتبارها مجرد دراسة جدوى وإعلان نوايا، على الرغم من تلويح رئيس الحكومة بشر الخصاونة بأن البديل عن الاتفاقية مع إسرائيل سيكون عطشاً حقيقياً للأردنيين.
وفيما انقسم النواب في مواقفهم بين معارض للاتفاقية ومؤيد لها تحت لافتة المصلحة الوطنية، يقول مراقبون إن الحكومة تحاول مساومة مجلس النواب لتمرير التعديلات الدستورية التي تعطي صلاحيات شبه مطلقة للعاهل الأردني، مقابل إلغاء اتفاقية "النوايا" مع إسرائيل أو على الأقل تجميدها في الوقت الراهن.
وشهدت الجلسة جدلاً عاصفاً واتهامات للحكومة بالخيانة، دفعت رئيسها بشر الخصاونة للمغادرة غاضباً، بعد وصف أطلقه أحد النواب بقوله إن "الدم صار ماءً".
طرح الثقة بالحكومة
في المقابل، طالب عدد من النواب في البرلمان الأردني بطرح الثقة بالحكومة الأردنية بسبب توقيعها للاتفاقية معتبرين أنها تشكل تهديداً خطيراً للأمن الوطني.
واعتبر النائب ينال فريحات أن الحكومة تغرق الأردنيين بالكلام والتهديد بالعطش، مطالباً بحجب الثقة عن وزير المياه الذي لم يُراعِ تضحيات الجيش الأردني على مشارف القدس، ولم يأخذ بالحسبان رفض الشعب الأردني كل أشكال السلام مع إسرائيل.
واعتبر نواب آخرون أن الاتفاق يمثل تطبيقاً واقعياً لصفقة القرن، ويشكل دعماً مباشراً لاقتصاد إسرائيل وتكريساً لسياسة الاستيطان، كما أنه يرهن الأردن لتل أبيب التي أقامت سدوداً لمصادرة ونهب حقوق الأردن المائية.
التحالف مع الشيطان
لكن، خلافاً لهذه الآراء، قال النائب غازي الذنيبات خلال مناقشة إعلان النوايا، "لنكن واقعيين، آن الأوان لكل منا لمناقشة مردود الاتفاقية على الأردن لأنها ستمر مثلها مثل غيرها، وأريد تمريرها لأنني أفكر بالعقل وليس بالعواطف، وهي لمصلحة الأردن".
وبين أن الاحتلال الإسرائيلي حصل على كل شيء، من سلام مع الأردن واتفاقية الغاز وبيع المملكة المياه دون أن يكون هناك أي رد فعل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودافع النائب فواز الزعبي عن اتفاقية السلام مع إسرائيل، وقال إنه كان من النواب الذين وافقوا مسبقاً عليها، مضيفاً، "لولا السلام لما كان أحد من الموجودين تحت القبة، وبخاصة أن دولاً عربية كانت تبحث في ذلك الوقت على دمار المملكة".
وأكد أنه شخصياً يتحالف مع الشيطان من أجل مصلحة الأردن الذي يعاني مشكلة المياه وتغيير المناخ.
ومن بين النواب المؤيدين للاتفاقية النائب ناجح العدوان الذي دلل على موقفه باستحضار علاقة المسلمين باليهود والتعاملات التجارية في عهد الدولة الإسلامية الأولى، داعياً إلى تأييد الاتفاقية لأن الماء أهم حاجات الأردنيين حالياً.
مواجهة التغيير المناخي
من جهة ثانية، دعا وزير المياه محمد النجار للتفكير في المسألة من ناحية مناخية. وقال إن فكرة مشروع الطاقة والمياه طرحت لأول مرة قبل ما يزيد على خمسة أشهر، باعتبار أن المنطقة تواجه تغيراً مناخياً متنامياً منذ سنوات عدة، وهو مرشح لمزيد من التغير السلبي خلال السنوات المقبلة.
وكشف عن أن الأردن يعتبر من أفقر 3 دول في العالم من حيث حصة الفرد من المياه لجميع الاستخدامات، ومن المتوقع أن يصل عجز المياه خلال العام المقبل في قطاع مياه الشرب لما يقارب 60 مليون متر مكعب، إضافة إلى العجز في القطاعات الأخرى.
وأضاف، "قد يسجل الأردن حاجة إلى نحو 800 مليون متر مكعب من المياه للاستخدامات المنزلية والبلدية بحلول عام 2040، ستكون معظمها من المياه السطحية من خلال التحلية والتنقية، مع التناقص الشديد للمياه الجوفية".
اتفاقية ضرورية
واعتبر الوزير الأردني أن الاتفاقية مع إسرائيل ضرورية، لكنها ليست الوحيدة لمواجهة مشكلة المياه، لأن مشروع الناقل الوطني سيوفر ما بين 300 – 350 مليون متر مكعب من المياه المحلاة إلى جميع محافظات المملكة، وهو ما لا يكفي حاجة الأردنيين.
ورد النجار على منتقدي الاتفاقية بالقول إنها تمت وفقاً لأحكام المادة 6 من معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية، المصادق عليها بموجب القانون رقم 14 لعام 1994، الذي وافق عليه مجلس الأمة في حينه.
الخصاونة: لن نكون سبباً في عطش الأردنيين
ورد رئيس الوزراء بشر الخصاونة على المواقف النيابية المنتقدة لحكومته، بالقول إن الأردن وصل إلى مستوى مائي يهدد الأجيال بالمستقبل، وإذا استمر المستوى المائي الحالي ستكون حصة الفرد 60 متراً مكعباً فقط سنوياً، فيما يبلغ خط الفقر المائي دولياً 500 متر مكعب سنوياً.
وأكد الخصاونة مجدداً أن إعلان النوايا بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي برعاية إماراتية وأميركية، ليس اتفاقاً، وإنما دراسات جدوى فنية حول مشروعين مترابطين ومتصلين.
ورفض الخصاونة أي مزايدة على الدور الأردني التاريخي في فلسطين، لكنه ثمّن حرص المجلس النيابي على ممارسة دوره الدستوري الأصيل في المراقبة والمساءلة وعلى عرض موضوع يمس أجيال الحاضر والمستقبل لنقاش عام وطني وعقلاني ومسؤول.
وأضاف أن حاجة الأردن إلى مصادر المياه الإضافية لمواكبة احتياجاته المتنامية، هي حاجة ملحة وقائمة، ولا بد من تأمين مصادر مائية إضافية وبسرعة، لأن استمرار الوضع الحالي المائي، يعني العطش الحقيقي.
وتابع، "هذه الحكومة التزمت، وتلتزم، وستلتزم دوماً، بواجباتها الوطنية، ولن تقبل أن يكون ترددها سبباً في عطش للأردنيين وفي معوقات تعترض سبيل الأردن، ولن نتردد بتنفيذ مسؤولياتها تجاه الوطن والأجيال".