بعد الصدمات المتتالية التي شهدتها الدول المنتجة للنفط خلال الخمس سنوات الأخيرة، أصبح الاهتمام بتطوير الطاقة المتجددة والنظيفة، يكتسي اهتماماً متزايداً في الجزائر، بل يفرض نفسه كقطاع لضمان ديمومة مداخيل الدولة خلال الأعوام المقبلة، في ظل ارتفاع النفقات السنوية.
ورغم المزايا الكبرى التي تتيحها مشاريع الطاقة الشمسية والكهربائية، فإنها قد تصطدم بعراقيل وألغام تعوق هذا التحول، وفق ما يقوله متخصصون، في حال لم يتم تسطير خريطة طريق واضحة المعالم، لتكريس نقل التكنولوجيا واستغلال الكفاءات والموارد المالية ضمن واقع استشرافي دقيق.
تحرك دبلوماسي
وعاد النقاش من جديد في الجزائر خلال الأشهر الأخيرة حول إمكانية إحياء مشروع "ديزرتاك"، وهو عبارة عن خطة لإنتاج الطاقة الكهربائية المستخلصة من أشعة الشمس بشراكة ألمانية، رغم حل الشركة الألمانية صاحبة الفكرة مطلع الألفينيات، ولكن هذه المرة بحلة جديدة وتصور مختلف، يتيح إنتاج آلاف الكيلو واط من الكهرباء في الصحراء الجزائرية، وتموين القارة الأفريقية وتصديرها لعدد من الدول الأوروبية أو حتى الآسيوية.
ومع إفصاح الحكومة الجزائرية عن نيتها لإنجاز محطات جديدة لإنتاج الطاقة الشمسية، أبدى عدد من الدبلوماسيين الأجانب اهتماماً لافتاً بقطاع الطاقة المتجددة التي باتت محور نقاشات في محادثاتهم مع مسؤولين حكوميين جزائريين، عبروا خلالها عن رغبتهم في التوجه نحو الاستثمار فيها.
الوقت يداهم المشاريع
يهدف البرنامج الوطني لتطوير الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح)، إنتاج 22 ألف ميغا واط بحلول 2030، وهو ما سيسمح برفع حصة الكهرباء من مصادر متجددة إلى ما يفوق 27 في المئة من الإنتاج الوطني للكهرباء.
وعلى هامش ملتقى وطني نظمته الجزائر، أخيراً، حول الأمن والانتقال الطاقوي، دعا متخصصون في الطاقة إلى "تسريع" الانتقال الطاقوي في البلاد، من خلال "فتح المجال أمام المستثمرين الخواص بما في ذلك الأجانب" مع تحسين مناخ الأعمال بغية تشجيعهم على الاستثمار على المدى الطويل في مشاريع مرتبطة بالطاقة المتجددة.
وقال رئيس الجمعية الوطنية "نادي الطاقة"، داود صحبي، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية، "من أجل ضمان الأمن الطاقوي والمالي للبلاد، يجب إطلاق جميع المشاريع المرتبطة بالطاقات المتجددة وإعطاء تسهيلات للمؤسسات بما في ذلك المؤسسات الناشئة بغية تطوير هذا القطاع سريعاً ومن دون تضييع الوقت".
ويعتمد برنامج الطاقة المتجددة على نموذجين، الأول يهدف لإنشاء محطات كبرى للطاقة الشمسية، يذهب أغلب إنتاجها للتصدير، والثاني فهو "دمقرطة" الطاقة الشمسية عبر تعميمها وتبسيطها وتوفيرها للمواطن البسيط في كل منزل، من خلال تشجيع الاستهلاك الذاتي وربط المناطق المعزولة في مختلف المجالات: الفلاحة والسكن والمدارس.
اتفاقيات تعاون
لا يقتصر الأمر على الطاقة الشمسية، إذ وفي تصريح لافت، كشف وزير الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، بن عتو زيان، عزم بلاده الجزائر تخصيص 25 في المئة من قدرات نقل أنبوب الغاز الذي يربطها بإيطاليا "ترانسماد - إنريكو ماتاي"، لنقل الهيدروجين الأخضر النظيف المنتج في جنوب الجزائر إلى أوروبا، وفق تقارير إعلامية جزائرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأخيراً، أعلنت شركة سوناطراك الحكومية استعدادها لإطلاق مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالشراكة مع شركة "إيني" الإيطالية بالجنوب الجزائري انطلاقاً من مصادر متجددة وهي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وقالت الشركة النفطية الحكومية الجزائرية، إنه جرى توقيع اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة المتجددة، تتعلق بإنتاج الطاقة الشمسية والوقود الحيوي والهيدروجين، واستكشاف الليثيوم، ووصفته بـ"خطوة مهمة لتعزيز الشراكة المثمرة بين سوناطراك وإيني، من أجل تنمية مستدامة وتحقيق انتقال الطاقة".
من جهتها، عبرت شركة "إيني" الإيطالية منتصف عام 2021، عن تطلعاتها إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر مع سوناطراك، ولفت البيان حينها أنه "جرى رسم خريطة طريق للتقييم المشترك للجدوى التكنولوجية والتجارية لمشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة (الطاقة الشمسية والرياح)". وقالت الشركة، إنه من أجل الحفاظ على إمدادات المياه الجزائرية، فإنه سيجري دراسة فكرة استخدام المياه المنتجة من حقول النفط في عملية التحليل الكهربائي التي ينطوي عليها إنتاج الهيدروجين.
سوق جاذبة لرؤوس الأموال
وعلى الرغم من كل هذه المؤشرات الإيجابية، يقول متخصصون، إن طريق الجزائر نحو الطاقة المتجددة يبدو مليئاً بالتحديات، وتطرح تساؤلات عن كيفية تجنيد رأس المال وتوظيفه في مشاريع الطاقات الشمسية، وإنتاج الكهرباء من هذه الطاقة النظيفة.
وفي حوار مع "اندبندنت عربية" يلفت المتخصص الدولي في الطاقات المتجددة، بوزيان مهماه، إلى أن "البرنامج الوطني للطاقات المتجددة، ليس محطات طاقة فقط، فهو أيضاً تعبئة لطيف واسع من المواد والثروات".
ويقول "في الجزائر لقد تم بعث برنامج وطني للتوسع في نشر الطاقة الشمسية، وصولاً إلى تحقيق قدرة إنتاجية من الطاقة الكهربائية ذات المصدر المتجدد قدرها 15000 ميغا واط في آفاق 2035. هذا ما يستدعي تركيب محطات للطاقة الشمسية الكهروضوئية بمتوسط سعة تبلغ 1100 ميغا واط سنوياً".
وأمام هذه الطاقات، فإن ذلك "يتطلب نفقات رأسمالية سنوية تصل إلى مليار دولار. هذا ما يثير اهتمام كثير من المستثمرين من مختلف الدول التي لها فاعلون في مشاريع الطاقات المتجددة عبر العالم، ولديها رؤوس أموال عابرة للحدود"، وفق مهماه.
وفي تحليله يلفت إلى أن "السوق الجزائرية تستوعب مليار دولار سنوياً على مستوى المحطات فقط، على مدى 14 سنة كاملة مقبلة، ما يجعل هذه السوق لمحطات الطاقات المتجددة تمثل وعاء يتجاوز 14 مليار دولار وسوقاً جاذبة لتدفق الاستثمارات الأجنبية".
ويستطرد مهماه قائلاً، "ندرك أن هذا المخطط الوطني للانتقال الطاقوي في إطار مخطط الإنعاش الاقتصادي للحكومة، كفيل ببعث سوق وطنية لمعدات الطاقات الجديدة والمتجددة ولصناعتها. فتركيب محطات للطاقة الكهروضوئية بسعة إجمالية سنوية تصل 1100 ميغا واط سنوياً تتطلب سنوياً (77 ألف طن) من الإسمنت، ومثل ذلك من الحديد الصلب، و(10 آلاف طن) من البلاستيك، و(51 ألف طن) من الزجاج، و (8 آلاف طن) من الألمنيوم، و(22 ألف طن) من الفضة، وما يقارب (6 آلاف طن) من النحاس، الذي سجل، أخيراً، 10000 دولار للطن لأول مرة منذ عقد من الزمن، والنحاس بات يوصف بأنه النفط الجديد، والذي ستدفعه المخزونات المنخفضة إلى 20 ألف دولار للطن مستقبلاً، فعلى أساس سعري للطن بـ(10 آلاف دولار) نجد أن مشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في الجزائر بحاجة إلى تعبئة 60 مليون دولار سنوياً لاستخدام النحاس لوحده فقط".
هذه عينة فقط من المواد الأساسية التي تحتاجها مشاريع الطاقة الشمسية سنوياً (صناعة وتركيباً)، ما يبرز حجم السوق وأهمية الاستثمارات التي تتطلبها خصوصاً مع قرب الإفراج عن النسخة الجديدة لقانون الاستثمار والذي يتوقع من خلاله رفع المعوقات أمام المستثمرين والتخفيف من الضرائب وتبسيط النظام الجبائي والرفع من الحوافز من دون أن نغفل إنشاء شركة مختلطة بين سوناطراك 50 في المئة وسونلغاز50 في المئة مكلفة بتنفيذ البرنامج الوطني للطاقات المتجددة، موضوعة تحت إشراف وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، ومن المحتمل مستقبلاً إنشاء بنك استثماري للطاقات المتجددة، كما يقول مهماه.
وتشير دراسات بحثية إلى أن الجزائر تمتلك أكبر حجم من الطاقة الشمسية في حوض البحر الأبيض المتوسط، بـ4 مرات مجمل الاستهلاك العالمي للطاقة، وهو ما يشكل 60 مرة من حاجة الدول الأوروبية للطاقة الكهربائية. في المقابل تقول الوكالة الفضائية الألمانية، إن الصحراء الجزائرية أكبر خزان للطاقة الشمسية في العالم، حيث تدوم الإشعاعات الشمسية فيها 3 آلاف ساعة سنوياً، وهو أعلى مستوى لإشراق الشمس عالمياً.