شنّت شركة "هواوي"، عملاق التكنولوجيا الصينية، هجوماً جديداً على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، معلنةً أنها طلبت من القضاء الأميركي إبطال تشريع "متسلط" يمنع الوكالات الفيدرالية الأميركية من شراء منتجاتها، حسب ما ذكرته الشركة الصينية، وأُدرجت هواوي على اللائحة الأميركية للشركات، التي تمثّل خطراً، ويُشتبه في قيامها بعمليات تجسس محتملة لصالح بكين، إذ قدّمت شكوى في مارس (آذار) في تكساس ضد هذا القانون، بدعوى أنّ الكونغرس فشل في تقديم أي دليل يبرر القيود "غير الدستورية"، التي تستهدف الشركة.
وقال المسؤول القانوني بالشركة سونغ ليوبينغ، في مؤتمر صحافي، إن "الإدارة الأميركية لم تقدم أي دليل يظهر أن هواوي تمثل تهديداً للأمن. ليس هناك لا سلاح ولا دخان. فقط افتراضات".
وأكدت الشركة، أنها قدّمت طلبها خلال الساعات الماضية لدى المحكمة. ولجأت إلى القضاء الأميركي المستعجل ما يعني أنّ الحكم في هذه القضية سيصدره قاضٍ منفرد، وبالتالي لن تضطر هواوي إلى خوض محاكمة كاملة.
ويمنع هذا القانون الأميركي، الذي صدر العام الماضي، الوكالات الفيدرالية من شراء معدات وخدمات من العملاق الصيني الخاص أو التعامل مع شركات أخرى من زبائنه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال سونغ ليوبينغ، أمام الصحافيين في مقرّ الشركة في شينزين جنوبي الصين، إن "النظام القضائي هو الملجأ الأخير لتحقيق العدالة. هواوي لديها ثقة باستقلالية ونزاهة النظام القضائي الأميركي".
وفي وقت سابق، نقل التلفزيون الحكومي "سي سي تي في" عن سونغ ليوبينغ تنديده بالإرادة الواضحة لإدارة ترمب "طرد هواوي من السوق الأميركية"، والحظر "المتسلط" الذي يستهدف عمليات شراء معداتها من جانب الوكالات الفيدرالية.
سلسلة جديدة من الهجمات
يأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تواجه فيه الشركة الصينية الرائدة عالمياً في تقنية شبكة اتصالات الجيل الخامس، سلسلة جديدة من الهجمات من جانب واشنطن.
وفي خضمّ الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، أدرجت إدارة ترمب هواوي على لائحة الشركات المشبوهة في خطوة تمنع الشركات الأميركية من البيع لهواوي معدات تكنولوجية.
وهذا الإجراء يهدد استمرارية هواوي نفسها، إذ إن الشركة الصينية المصنعة معدات اتصالات وهواتف ذكية وحواسيب محمولة، تعتمد بشكل كبير على قطع مصنّعة في الولايات المتحدة.
وذكرت وسائل إعلامية أن شركتي "كوالكوم" و"إنتل"، وهما من بين أهمّ الشركات المصنّعة الرقائق الإلكترونية، أعلنتا أنهما لن تتعاملا مع الشركة الصينية، بعد مهلة وقف التنفيذ 90 يوماً التي منحها البيت الأبيض.
2018.. بداية الأزمة
ومنذ عام 2018 تستهدف واشنطن المجموعة الصينية، وتشتبه إدارة ترمب من دون إعطاء أدلة، بأن الشركة تسمح لأجهزة الاستخبارات الصينية باستخدام بياناتها بهدف التجسس على الاتصالات عبر الشبكات النقالة في العالم.
وتثبت المعركة التي بدأها العملاق الصيني أمام القضاء الأميركي أنه مستعدّ لاستخدام كل الوسائل المتاحة لعدم استبعاده من السباق في السوق الرئيسية لتقنية الجيل الخامس "5 جي".
واتهم سونغ ليوبينغ إدارة ترمب بأنها "تستخدم كل الوسائل التي تملكها، الحكومة والإدارة والقنوات الدبلوماسية. يريدون أن نفلس".
وأضاف "هذا أمر غير طبيعي، يكاد ذلك أن يكون أمراً لم نرَ مثله في التاريخ".
قلق وتوتر مستمر في الصين
من جانب آخر قال محلّلون، إنّ الصين "تبدو قلقة من إمكانية استهداف واشنطن قطاع المعادن في المستقبل، وربما تخشى أن تسارع دول العالم إلى البحث عن إمدادات بديلة لهذه المواد".
وتنتج الصين أكثر من 95% من عناصر الأرض النادرة، التي يصل عددها إلى 17 عنصراً تدخل في صناعة الهواتف الخلوية والتلفزيونات والكاميرات والمصابيح، وتعتمد الولايات المتحدة على الصين بما يزيد على 80% من وارداتها من هذه العناصر.
وهذا يمنح بكين نفوذاً هائلاً إلى حد كبير في المعركة بين الولايات المتحدة والصين حول السيطرة على مستقبل التكنولوجيا المتقدّمة.
في السياق نفسه، أعلنت وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا" الصينية الرسمية، أنّ "حرب واشنطن التجارية مع بكين تعرّضها لخطر فقدان وارداتها من المعادن النادرة، التي تستخرجها الصين، وتدخل في كثير من الصناعات المهمة".
وجاءت هذه التعليقات في أعقاب زيارة الرئيس شي جين بينغ، الأسبوع الماضي، شركة صينية ضخمة لاستخراج عناصر ومعادن الأرض النادرة، واعتبرت هذه الزيارة بمثابة تهديد بعد حظر الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعامل الشركات الأميركية مع عملاق الاتصالات الصيني هواوي.
وبعد حظر التعامل الأميركي مع هواوي، دعا الرئيس الصيني الكوادر إلى التحضّر لـ"مسيرة طويلة جديدة"، في الوقت الذي انتقدت فيه المؤسسات الإعلامية الصينية في تعليقاتها السياسة الأميركية.
وقال تعليق لوكالة "أنباء الصين الجديدة" الرسمية "شينخوا" إنّه "في حين أنّ تلبية الطلب المحلي تمثّل أولوية، إلاّ أن الصين مستعدة لبذل قصارى جهدها لتلبية الطلب العالمي للمعادن النادرة، ما دامت تستخدم لأغراض مشروعة".
وأضافت، "ومع ذلك، إذا أراد أي شخص استخدام معادن نادرة مستوردة ضدّ الصين، فإنّ الشعب الصيني لن يوافق".
وخلال زيارته الشركة التي تستخرج المعادن النادرة، أشار شي إلى أنّ هذه المنتجات "ليست فقط مورداً استراتيجياً مهمّاً فحسب، بل مورد غير متجدّد".
الصين: معاناة أميركا ستكون أكبر
وفي مقالة افتتاحية قالت صحيفة "جلوبال تايمز"، إن "فرض حظر على تصدير المعادن النادرة سلاح قوي إذا اُستخدم في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة".
وأضافت "لكن الصين ستستخدمه بشكل أساسي للدفاع"، مشيرة إلى أنه "بينما قد تتكبد الصين خسائر جراء حظر الصادرات، إلا أن معاناة الولايات المتحدة ستكون أكبر".
وقال رئيس تحرير الصحيفة، في تغريدة على موقع "تويتر"، إن بكين "تدرس بجدية" تقييد صادرات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.
واستغلت الصين مبيعات المعادن النادرة في ممارسة الضغط خلال نزاعات دبلوماسية سابقة.
وأسهمت الصين بنسبة 80% من واردات الولايات المتحدة من المعادن النادرة في الفترة بين 2014 و2017، واستثنت واشنطن تلك المعادن النادرة من الرسوم الجمركية، التي فرضتها في الآونة الأخيرة، بجانب بعض المعادن الصينية الأخرى المهمة.
أميركا: الصين لا تتلاعب بقيمة عملتها
وفي خضم الحرب التجارية، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي أنه ما من شريك تجاري رئيسي استوفى معايير التلاعب بعملته، لكن تسع دول من بينها الصين تستدعي اهتماماً كبيراً في الوقت الذي تفرض فيه واشنطن رسوماً جمركية، وتجري مفاوضات للحد من عجز التجارة.
وقالت وزارة الخزانة، في تقريرها نصف السنوي، الذي قدمته للكونغرس إنها "راجعت سياسات مجموعة موسعة من 21 شريكاً تجارياً رئيسياً للولايات المتحدة، وخلصت إلى أن تسعة منهم يتطلبون اهتماماً وثيقاً بسبب ممارسات العملة".
وكانت إيرلندا وإيطاليا وماليزيا وسنغافورة وفيتنام هي الإضافات الجديدة لقائمة المراقبة، التي تشمل أيضا الصين وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية. وحُذفت الهند وسويسرا من قائمة الدول التي تخضع إلى تدقيق إضافي.
وقالت الوزارة في بيان "لا شريك تجارياً رئيسياً استوفى المعايير التشريعية ذات الصلة لعام 2015" باعتباره متلاعباً بالعملة.
والمعايير الثلاثة، التي تستخدمها وزارة الخزانة لكي تحدد ما إذا كان من الممكن تصنيف دولة كمتلاعب بالعملة هي وجود فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، وفائض كبير في ميزان المعاملات الجارية، ودلائل على تدخل مستمر أحادي الجانب في العملة.
بكين ترد على اتهامات التلاعب في العملة
وأشار لو كانغ، المتحدث باسم الخارجية الصينية، إلى أن بلاده تأمل بأن لا تُجري الولايات المتحدة تقييمات أحادية الجانب بشأن أسعار صرف عملات دول أخرى.
وأضاف، "تحديد ما إذا كانت دولة ما تتلاعب بعملتها أمر لا تقرره الولايات المتحدة".
وتابع، "أجرت منظمات متعددة الأطراف ذات صلة منذ فترة طويلة تقييمات موثوقة لأسعار صرف عملات الدول".
وكان رئيس الهيئة المنظمة للقطاع المصرفي في الصين قال في مقابلة إعلامية سابقة، إن "الحكومة الصينية لم تتخذ على الإطلاق أي تدابير لخفض قيمة عملتها عمداً".
بدورها ذكرت وزارة الخزانة الأميركية إن "واشنطن تعتقد أن التدخل المباشر لبنك الشعب الصيني (البنك المركزي) في سعر الصرف كان محدوداً في السنة الأخيرة".
وأشارت إلى أنها خلصت مجدّداً إلى أنّ الصين "لا تتلاعب بقيمة عملتها الوطنية"، مناشدة في الوقت نفسه العملاق الآسيوي اتّخاذ الخطوات اللازمة لتجنّب استمرار ضعف اليوان.
وقالت الوزارة في بيان "على الرّغم من أنّ الصين لا تكشف عن تدخّلها في النقد الأجنبي، فإنّ وزارة الخزانة تعتبر أنّ التدخّل المباشر من قبل بنك الشعب الصيني كان في العام الماضي محدوداً".
لكنّ تقرير وزارة الخزانة، الذي يصدر مرتين في العام، شدّد على أنّ "وزارة الخزانة تواصل حضّ الصين على اتّخاذ الخطوات اللازمة لتجنّب استمرار ضعف العملة".