تخطط قيادة الجيش العراقي خلال الفترة المقبلة لتعزيز "قدراته النارية"، عبر سلسلة عقود وقعتها الحكومة العراقية لتوريد مدافع ومسيرات ودبابات وآليات مدرعة، لسد النقص الحاصل في بعض فرق الجيش الذي تسببت به حرب السنوات الثلاث ضد تنظيم "داعش".
المعارك العنيفة ضد التنظيم التي انتهت بتحرير المدن العراقية، أدت إلى تضرر نسبة كبيرة من آليات الجيش ومعداته في مختلف الأصناف، بشكل يصعب إرجاع بعضها إلى الخدمة، كما أن عمليات الصيانة والتأهيل لم تشمل سوى آليات "الهامفي" الأميركية، وبعض المدرعات والدبابات الروسية والأميركية الصنع.
ويتكون الجيش العراقي من 14 فرقة عسكرية وقيادات القوة الجوية والبحرية والبرية والدفاع الجوي ومديرية الاستخبارات العسكرية ودوائر أخرى، ويبلغ عدد منتسبيه 350 ألفاً بين جندي وضابط، تنتشر قطعاته في كل المدن العراقية باستثناء مدن إقليم كردستان.
عقود جديدة
وكشف قائد القوات البرية الفريق الركن قاسم المحمدي،عن عقود جديدة لاستيراد طائرات مسيرة ومدفعية متطورة فضلاً عن معدات أخرى.
وقال في تصريح لوكالة الأنباء العراقية، إن "قيادة القوات البرية تشكل أكثر من 72 في المئة من عدد القوات العراقية، كونها تمسك الأرض، وتقوم باقي القطعات بدور الإسناد لدعم قواتنا"، مبيناً أن "هناك جهوداً لتطوير القوات البرية ومواكبة التحديثات وحاجتها إلى الأسلحة الحديثة من الدبابات والمدافع والبنادق".
وبشأن ملف التسليح، أشار المحمدي إلى أن "هناك اتجاهين في التسليح، الأول الأميركي ويضم عديداً من المدرعات وكثيراً من المعدات الموجودة، والثاني وهو المنشأ الروسي ويضم مثلاً دبابات تي- 90 التي تضاهي نظيراتها من طراز أبرامز الأميركية. وهناك خطط لزيادتها وزيادة الفرق والألوية من أجل زيادة قدرات الجيش العراقي".
ويمتلك العراق 140 دبابة "أبرامز" و90 دبابة "تي -90" حصل عليها خلال الأعوام الثلاثة الماضية، فضلاً عن امتلاكه نحو 350 دبابة من طرازي "تي 72" و"تي 55" وبعض الدبابات الصينية التي أُعيد تأهيلها من مقابر دبابات الجيش العراقي السابق.
مسيرات هجومية
وأضاف المحمدي أن "هناك عقوداً كثيرة تشمل طائرات مسيّرة مسلّحة تُحلق في الأجواء العراقية لمدة 30 ساعة، وقادرة على معالجة الأهداف والمراقبة المستمرة باتجاه مختلف المناطق، وأثبتت قدرتها وفعاليتها، فضلاً عن شراء مدفعية فرنسية ذات دقة عالية وأسلحة ذات نواظير ليلية، لافتاً إلى أن عديداً من المعدات العسكرية، بموجب عقود وقعها العراق خلال الفترة الماضية، وصل قسم منها إلى الميناء وقسم تتم صناعته من قبل شركات السلاح لدعم القوات المسلحة العراقية.
تنافس شرقي غربي
وتحدث قائد القوات البرية العراقية عن وجود تنافس لدى الشرقيين والغربيين من أجل إثبات قدرتهم، مشيراً إلى أن العراق يؤيد تنويع مصادر الأسلحة، ولديه رغبة جادة من أجل تطوير الأسلحة العراقية وإمكانية تصنيع البعض محلياً.
وافتتح العراق في نهاية عام 2019 ثلاثة خطوط لإنتاج العربات القتالية المدرعة والألغام والطائرات المسيرة، بالشراكة مع شركة عراقية خاصة، وبموجب الرخصة العالمية لشركة "أرمسترونغ" الصربية و"تاك" الأميركية.
وتوقف العمل في هذه الخطوط خلال عام 2020، إلا أنها استأنفت العمل في الفترة الأخيرة، وسيُنتج ثلاثة أنواع من العربات القتالية بمستوى تدريع يصل إلى المستوى السابع.
وكانت المصانع العسكرية العراقية تنتج قبل أبريل (نيسان) 2003 عدداً محدوداً من بطاريات المدفعية والهاونات وقذائف الهاون والذخائر وبعض المعدات الخفيفة، وأيضاً طائرات المراقبة ذات المديات القصيرة، وصواريخ الصمود التي يبلغ مداها نحو 150 كيلومتراً، إذ منع العراق بموجب القرارات الدولية المتعلقة بغزو الكويت من صناعة صواريخ ذات مديات تتجاوز 150 كيلومتراً وهذا المنع قائم حتى الآن.
السلاح الفرنسي
ويبدو أن عملية تسليح الجيش العراقي وتحديث منظومته الدفاعية كانت ضمن أولويات الحكومة العراقية، واتجهت البوصلة نحو المعسكر الغربي من خلال مفاوضات أجراها وزير الدفاع العراقي جمعة عناد في العاصمة الفرنسية باريس في ديسمبر (كانون الأول) عام 2020، وسلسلة لقاءات أخرى مع مسؤولين فرنسين كان آخرها منتصف الشهر الماضي، مع المدير الدولي للمديرية العامة للتسليح والتجهيز الفرنسية اللواء أوليفير لوكوانت، بحث خلالها سبل تعزيز التعاون والتنسيق المشترك بين العراق وفرنسا في مجال التسليح، بحسب وزارة الدفاع العراقية.
وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، إن العراق عازم على تطوير منظومته العسكرية واستكمال بنائها وتسليحها بأحدث الأسلحة. وأضاف في لقاء تلفزيوني "هناك خطوات واضحة لتطوير المنظومة العسكرية العراقية واستكمال قدراتها في كافة مفاصل وزارة الدفاع، ونعمل على تطوير منظومة الدفاع الجوي"، مبيناً أن "هناك زيارات أجراها وزير الدفاع إلى أكثر من دولة، وسنشهد خلال الفترة المقبلة تطوير منظومة الدفاع الجوي ومجالات أخرى".
لماذا فرنسا؟
بدوره، قال الخبير الأمني والاستراتيجي معن الجبوري، إن التسلح عامل مهم لأي جيش لتطوير قدراته، عازياً سبب اتجاه العراق نحو فرنسا في تسليح الجيش، لتطور باريس في الصناعة العسكرية. وأضاف "عامل التسليح مهم وأساسي لأي جيش لتطوير قدراته القتالية، لا سيما الجيش العراقي الذي يعمل في مناطق ساخنة، وخاض معارك شرسة ضد داعش وتنظيمات أخرى خارجة عن القانون"، لافتاً إلى أنه "من الصعب إدارة زخم القوات المسلحة وتحقيق الانتصارات من دون تسليح متطور يتناسب مع متطلبات المعركة".
وبيّن الجبوري أن "داعش يستعمل تكتيكات متطورة، لذلك على الجيش العراقي أن يطور إمكاناته التسليحية بما يتناسب وحجم معارك التحرير التي يخوضها للقضاء على داعش، والقيام بضربات استباقية ونوعية، وهذا الأمر يتطلب سلاحاً وتكنولوجيا حديثة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواصل تنظيم "داعش" هجماته في مناطق تقع عند أطراف محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين، مستهدفاً القوات الأمنية العراقية والمتعاونين معها من سكان هذه المناطق، عبر كمائن بالعبوات الناسفة أو بهجمات خاطفة على القرى ليلاً.
وتمثل سلسة جبال وتلال حمرين الممتدة بين ثلاث محافظات عراقية شمال البلاد، وهي ديالى وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات الإرهابيين على مناطق واسعة من هذه المحافظات، وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
وأسفرت هذه الهجمات خلال عام 2021 عن مقتل وإصابة المئات من الأجهزة الأمنية من جيش وشرطة و"حشد شعبي" وعدد من المدنيين، لكنها بدت محدودة قياساً لما شهده مطلع 2020 ونهاية عام 2019 من ارتفاع كبير في معدل عمليات "داعش".
المسيرات ضرورة
وشدد الجبوري على ضرورة تطوير منظومة الدفاع الجوي لحماية سماء العراق، لا سيما في ظل وجود الطائرات المسيرة المفخخة، معتبراً أن منظومات الدفاع الجوي هي جزء مهم في الإسناد الأرضي.
وتواجه القيادة العامة للقوات المسلحة مشكلة افتقاد العراق لمنظومة دفاع جوي تتصدى للطائرات المسيرة، التي تقوم بصناعتها بعض الفصائل المسلحة، والتي تهاجم مقار أمنية عراقية تضم قوات أميركية بين الحين والآخر، واستهدفت في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد.
وأشار الجبوري إلى أن تسلح العراق بطائرات حديثة ضروري جداً لتوجيه ضربات نوعية وسريعة، لا سيما أن بعض التضاريس لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال الطائرات، و"نحتاج إلى كل أنواع السلاح التي يحتاجها الجيش من مدفع ودبابات وغيرها".
ولفت إلى أن العراق لديه عقود تسليح متنوعة حالياً مع روسيا وفرنسا وما يسمى بالمعسكر الاشتراكي، معتبراً أن تنويع مصادر السلاح يعطي مرونة للمتخصصين للحصول على ما يحتاجونه وفق المرحلة الحالية.
إعادة تنظيم الجيش
من جانبه، شدد الخبير العسكري ماجد القيسي على ضرورة إعادة تنظيم القوات المسلحة العراقية وفق المنظور الصحيح، والعمل على تسليحه وفق العقيدة العسكرية.
وأضاف القيسي وهو لواء سابق في الجيش العراقي، "وقبل التفكير بالسلاح، يجب العمل على إعادة تنظيم القوات المسلحة وفق المنظور السليم لناحية العدد والتشكيلات وحجم القوة، ومن ثم الذهاب إلى تسليح الجيش العراقي وفق سياسة مدروسة بالشكل الصحيح".
مراقبة التسليح
وبين القيسي أن "تنوع مصادر التسليح يحتاج أموالاً طائلة وبُنى تحتية وقاعدة من ساحات وميادين وغيرها، للتدريب على السلاح"، لافتاً إلى أن "عملية التسليح يجب أن تُراقب بشكل واضح كي لا يشوبها الفساد أو العشوائية في التفكير، ويجب دراسة ما نحتاجه من السلاح".
واعتبر أن السلاح الأفضل للجيش هو السلاح السهل الاستخدام والتدريب والإدامة وغير باهظ الثمن، ويتماشى مع العقيدة العسكرية للجيش العراقي، مؤكداً أن السلاح الذي فيه تكنولوجيا عالية في بعض الأحيان يشكل عبئاً على الدول.
هيكلية للتسليح
وشدد على ضرورة وضع هيكلية التسلح من قبل القيادة السياسية ومناقشتها بشكل صحيح من قبل المتخصصين لتلبية احتياجات الجيش، ورأى أن الاعتماد على دولة واحدة في التسليح يمثل تقييداً سياسياً.
وأكد على ضرورة حيازة العراق منظومة دفاع جوي لحماية أجوائه، مشدداً على ضرورة وضع الحلول للتحديات المستقبلية والتزود بالسلاح الملائم لهذه التحديات.
ومنذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، لم يتم تجهيز العراق بمنظومات دفاع جوية متطورة وحديثة، قادرة على منع أي خروقات جوية، واقتصر الأمر على تزويد بغداد بمنظومات دفاع جوية ذات مديات قصيرة مثل "بانتسير" الروسية و"أفينجر" الأميركية، إضافة إلى مدافع مقاومة للطائرات من مخلفات الجيش السابق، أُعيد تأهيلها.