دعت الحكومة البريطانية شركات النفط والغاز إلى المساعدة في صياغة وثيقة من الأحكام والقواعد المتعلقة بما إذا كانت أعمال الحفر الجديدة تنسجم والتزام المملكة المتحدة مواجهة تغير المناخ. وتأتي هذه الدعوة بعد أشهر فقط من حض رئيس الوزراء بوريس جونسون دول العالم خلال "القمة الـ26 للتغير المناخي" Cop26 على التوقف عن استخراج الوقود الأحفوري.
ودلّت مشاورات انطلقت بصمت قبل أيام قليلة من عيد الميلاد، بعد عودة النواب إلى دوائرهم الانتخابية، على أن الحكومة ستعطي الإذن بالقيام بعمليات تنقيب جديدة للنفط في البلاد، على الرغم من تنبيه علماء إلى أن مثل هذا الاستكشاف لا يتوافق والتزامات التوصل إلى انعدام الانبعاثات الحرارية في المملكة المتحدة بحلول السنة 2050.
الوثيقة التي توصف "في معظمها" بأنها متعلقة بصناعة النفط والغاز، توفر للقطاع "فرصةً للمساهمة في تحديد توجهات سياسة المملكة المتحدة في هذا الإطار، إلا أن حماة البيئة اعتبروا أن الحكومة تعيش "في عالم الوهم والخيال" لاعتبارها أن أعمال حفر جديدة يمكن أن تتوافق والإجراءات المتخذة لمواجهة حال الطوارئ المناخية.
إد ميليباند وزير شؤون تغير المناخ في حكومة الظل "العمالية"، رأى أن الوثيقة "تمهد على ما يبدو، الطريق لتبرير أعمال أكثر خطورة كما جرت العادة".
وكان تقرير صادر عن "وكالة الطاقة الدولية" International Energy Agency، بتكليف من ألوك شارما الرئيس البريطاني لمؤتمر "كوب 26"، قد حذر في العام الماضي من أن إنتاجاً جديداً للنفط والغاز، لا ينسجم وقرار الوصول إلى انعدام الانبعاثات التام بحلول السنة 2050، لكن مراجعةً محلية منفصلة من جانب حكومة المملكة المتحدة خلصت إلى القول إن الحفر يمكن المضي فيه، لكن استناداً إلى بعض الشروط.
هذه الشروط سيحددها الآن قطاع النفط والغاز بنفسه. وتؤكد الحكومة أنها تريد "حماية مستقبل" صناعة النفط والغاز في البلاد، التي رحبت بالخطوة باعتبارها تشكل دفعاً محتملاً لـ"ثقة المستثمرين" في الوقود الأحفوري، الذي يرى العلماء أنه يجب التخلص منه على مراحل.
وكان وزير الأعمال البريطاني كواسي كوارتينغ قد اجتمع في هذا الإطار مع مديرين تنفيذيين في صناعة النفط في عشاء خاص، بعد أيام قليلة من انطلاق "القمة الـ26 للتغير المناخي"، قبل وضع مسودة المشاورات. وحض بوريس جونسون خلال القمة الدولية قبل أيام فقط، الدول الملوثة للبيئة في العالم على التوقف عن استخراج الفحم الحجري، لكن يبدو أنه اعتمد من جهته نهجاً مختلفاً حيال احتياطات الوقود الأحفوري في المملكة المتحدة.
تجدر الإشارة إلى أن "اندبندنت" كانت قد أطلقت في الفترة التي سبقت انعقاد مؤتمر "كوب 26"، حملة بعنوان Stop Fuelling the Climate Crisis - استهدفت تسليط الضوء على إنتاج الوقود الأحفوري في المملكة المتحدة من خلال تقارير استقصائية.
وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية في بريطانيا Department for Business, Energy and Industrial Strategy (BEIS) دعت خلال المشاورات "قطاع النفط والغاز في المملكة المتحدة ومجتمع الاستثمار" كما المنظمات غير الحكومية، إلى تقديم أفكار عن الاختبارات المطلوب أن تجتازها مشاريعها كي تعتبر متوافقةً والأهداف الموضوعة لحماية المناخ.
وأعلنت الوزارة في بيان لها أن "المشاورات التي تم إطلاقها اليوم ستمنح الأطراف ذات الصلة، بما فيها الجهات المعنية بقطاع النفط والغاز، فرصة لإبداء الرأي والمساهمة في وضع سياسة جديدة تنسجم ومتطلبات حماية المناخ". وأضافت أن "الاستجابة من جميع الأطراف المعنية ستكون موضع ترحيب، على الرغم من أنه من المتوقع أن تكون الجهات المشاركة في هذه المشاورات في معظمها من أصحاب المصلحة في الصناعة".
وأفيد بأن كتيب القواعد سيتم إعداده "بالاستناد إلى الملاحظات المستخلصة من هذه المشاورات" التي ستستمر حتى أواخر شهر فبراير (شباط) المقبل.
الوزير المعني بملف المناخ في حكومة الظل ميليباند، لم يبد حماسةً للوثيقة، فقد قال لـ"اندبندنت" إنه "لا يوجد اختبار حقيقي لقياس انبعاثات حقول نفط جديدة مثل (حقل) (كامبو)"، مشيراً إلى أن الحكومة كانت تبدي "شكوكاً في ما إذا كان ينبغي حتى النظر في تأثير إنتاج النفط والغاز في المملكة المتحدة على الانبعاثات على مستوى العالم"، وأنها كانت "تطلق خطابات فارغة في شأن خفضها إلى 1.5 درجة"، وأنها تفتقر إلى "خطة عادلة لنقل العمال المتضررين".
واعتبر إد ميليباند أن "هذه السياسة لا تعبر عن حكومة ملتزمة تحقيق نتائج على مستوى المناخ، ولن يكون من شأنها سوى تأخير خطوات إنقاذ المناخ".
الجماعات المدافعة عن البيئة رأت أنه لا يمكن القول إن المملكة المتحدة تكافح جدياً التغير المناخي، من دون التوقف عن منح رخص جديدة في مجال استخراج النفط والغاز، كما قامت به بعض الدول الأخرى.
داني غروس الناشط في مجال حماية المناخ التابع لمنظمة "أصدقاء الأرض" Friends of the Earth، قال "إن الفكرة القائمة على أن مشروعاً جديداً للنفط أو الغاز يمكن أن يكون (رفيقاً للمناخ) هو محض خيال".
وأضاف: "لقد أكد لنا العلماء مراراً عدة، أن الموافقة على حدوث تطويرات جديدة، تتعارض وهدف حصر غازات الدفيئة في العالم في حدود 1.5 درجة مئوية. وعلى الرغم من ذلك، يواصل قادتنا قول الشيء والقيام بنقيضه، من خلال إطلاق إعلانات متفاخرة لا تقدم الكثير على أرض الواقع لدى تفحصها من قرب".
وأشار الناشط البيئي إلى أن ترك الباب مفتوحاً لرخص النفط والغاز في المستقبل، من شأنه أن يسبب "تخلف المملكة المتحدة على نحو كارثي عن أهداف المناخ، ومن أكثرها أهميةً مسألة التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري".
ولفت غروس إلى أنه "في الوقت الذي تتولى فيه الحكومة البرطانية رئاسة (المؤتمر الـ26 للتغير المناخي) حتى أواخر السنة المقبلة، فإن الأشهر الآتية يمكن أن تتيح للمملكة المتحدة فرصة أن تكون قدوةً جيدةً في المجال البيئي، في حين أن نهجها الراهن يعد غير مكتمل ومن شأنه أن يقوض المصداقية المناخية لبريطانيا".
وكانت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن قد دعت خلال انعقاد قمة "كوب 26"، إلى إغلاق حقل النفط الجديد في كامبو، لأسباب تتعلق بحماية المناخ - غير أن وزراء الحكومة البريطانية اتخذوا موقفاً بدا أقل إلحاحاً حياله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، خلصت مراجعة أجريت بتكليف من الحكومة البريطانية عما إذا كان ينبغي منح أي رخص جديدة إلى القول، إن هذه الأخيرة لا تتعارض بالضرورة مع تحقيق الأهداف المناخية، لكنها قد تصبح كذلك.
لكن المسار الذي اعتمدته "وكالة الطاقة الدولية" في اتجاه تحقيق صافي الصفر من الانبعاثات الحرارية بحلول السنة 2050، والذي تم وضعه في مايو (أيار) من عام 2021، يشير إلى أنه في ظل سيناريو متوازن، "لا توجد حقول نفط وغاز جديدة جرت الموافقة على تطويرها" بعد عام 2021.
الدكتور دوغ بار مدير تنسيق السياسات في منظمة "غرينبيس المملكة المتحدة" Greenpeace UK، اعتبر أن العروض الملموسة التي قدمتها الحكومة، ترقى إلى مستوى مجرد مقترحات "قد تحظى بتأييد الجهات المعنية في الصناعة"، لكنها تبدو مخيبة للآمال "في ما يتعلق بمواءمتها الراهنة مع أزمة المناخ التي نواجهها".
وأضاف الدكتور بار متسائلاً: "هل يمكن جعل الكربون المنبعث من حرق النفط والغاز من الحقول الجديدة منسجماً وموازنتنا للانبعاثات الكربونية؟ إن جواب (وكالة الطاقة الدولية) هو: لا، لأن لدينا حتى الآن الكثير من انبعاثات النفط والغاز التي تجعلنا نتراجع ونقف خلف المعيار القياسي المتفق عليه عالمياً لارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية. وفيما يتفق مع ذلك مستشارو المناخ التابعون للحكومة، إلا أن المعنيين في صناعة النفط والغاز لا يؤيدون الأمر".
وأوضح مدير تنسيق السياسات في منظمة "غرينبيس المملكة المتحدة" أن "اختباراً حقيقياً لمدى التوافق مع الأهداف المناخية من شأنه أن يضع حداً للرخص الجديدة في مجال النفط والغاز، ويسرع من تقدمنا نحو طاقة أنظف بالنسبة إلى البيئة، وانتقال عادل للعاملين في صناعة النفط والغاز. وإذا كانت المملكة المتحدة تريد أن تؤكد فعلاً قيادتها لموضوع المناخ، فمن الصعب رؤية كيف يمكنها القيام بأي شيء آخر".
كارلا دينير الزعيمة المشاركة لحزب "الخضر" البريطاني، أشارت إلى أنه فيما يحتاج العاملون في صناعة النفط والغاز دعماً للانتقال إلى قطاع آخر، فإن "الطرح الحكومي هذا تفوح منه رائحة "التبييض البيئي"، أو الترويج الكلامي لحماية البيئة من دون أفعال تذكر".
وأضافت دينير أنه "فيما يدور الحديث عن (اتفاق انتقالي لبحر الشمال) North Sea Transition Deal، يتمثل الهدف الرئيس في وضع خطة لمنح رخص جديدة في مجال النفط والغاز لشركات الوقود الأحفوري. إن هذا المنحى لا يتوافق مع تحقيق صافي الصفر بالمعدل الذي نريده. إننا في حاجة إلى إجراء حكومي واضح يتيح لنا قيادة زمام المرحلة الانتقالية، بدلاً من منح نوع من النفوذ لصناعة تظهر في الواقع حقيقة استراتيجيتها المتمثلة في التحول من الإنكار المناخي إلى الخداع المناخي".
لكن، على الخط الموازي، رحب قطاع النفط والغاز بنهج الحكومة البريطانية. وقالت كاتي هايدنريتش مديرة سلاسل التوريد والعمليات في "هيئة النفط والغاز في المملكة المتحدة" Oil & Gas UK (OGUK)، التي تمثل الصناعة: "إن قطاعنا يدعم بقوة طموح حكومة المملكة المتحدة إلى إظهار ريادة دولية في تحقيق انتقال عادل إلى الانعدام التام للانبعاثات بحلول السنة 2050".
وأضافت: "إن صناعة النفط والغاز المحلية في المملكة المتحدة، تضطلع بدور مهم في الحفاظ على أمن الطاقة في البلاد، لكونها مساهماً رئيساً في اقتصادنا، وستكون مهارات القطاع وخبراته واستثماراته أساسية لتحقيق انتقال ناجح للطاقة بوتيرة أسرع".
وأكدت هايدنريتش، "ترحيب القطاع بالشفافية التي يمكن توفرها مثل تلك الآلية المرجعية لاتخاذ قرارات منح رخص مستقبلية من وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية. إن من الأهمية بمكان أن تكون هذه الآلية محصنة بما فيه الكفاية، لكي تضمن مواءمة عمليات منح الرخص المستقبلية مع الطموحات الآيلة إلى مواجهة التغير المناخي في المملكة المتحدة، إلى جانب الحفاظ على ثقة المستثمرين في "الجرف القاري للمملكة المتحدة" UK Continental Shelf (منطقة مائية محيطة بالمملكة المتحدة تحتوي على موارد نفطية وغازية وتمتلك الدولة فيها حقوق التعدين)".
وزير الطاقة والتغير المناخي غريغ هاندز أكد من جانبه "أن آلية التدقيق الجديدة هذه تعد أساسية لخططنا الهادفة إلى دعم قطاع النفط والغاز خلال فترة انتقاله إلى مرحلة انعدام الانبعاثات الضارة. وهي تساعد في حماية مستقبل هذا القطاع الحيوي في المملكة المتحدة، في الوقت الذي نعمل فيه على خلق مزيد من الفرص للوظائف الرفيقة للبيئة والاستثمار في مختلف أنحاء البلاد".
© The Independent