سرّعت الصين في الآونة الأخيرة وتيرة خطواتها نحو إعادة النبض إلى مشروع "طريق الحرير"، وتعد سوريا محطة بارزة ضمن مساعي بكين لاستكمال طوق مبادرتها "الحزام والطريق". ومع توقيع مذكرة تفاهم في مقر "هيئة التخطيط والتعاون الدولي" في دمشق مع السفارة الصينية بالانضمام إلى المبادرة، يكون "التنين الصيني" قد استيقظ في بلد مدمر اقتصادياً بعد عقد من الحروب، سعياً إلى بث أنفاس جديدة واستعادة الحياة مجدداً.
يتناسى السوريون هول النيران التي يقذفها التنين كما تصوره الأساطير، فالبلاد المحترقة أساساً تبتغي بصيص أمل على الرغم من وجود قناعة راسخة لديهم بأن تلك الشراكة الاقتصادية أتت في توقيت مناسب لبكين التي تزاحم الولايات المتحدة على المكانة العالمية، فيما تسير علاقتهما على صفيح ساخن. ولعل إنشاء بكين طريقين، بري وبحري، بالتعاون مع 68 دولة، تربط من خلالهما آسيا بأوروبا وأفريقيا، ويوفران سهولة في تدفق البضائع وانسيابها إلى كل دول العالم، لتحكم الصين سيطرتها التجارية.
موطئ قدم في بلد منكوب
ولا يعتقد متابعون أن الصين تحاول جذب سوريا إلى مبادرة "الحزام والطريق"، بقدر حاجة السوريين الملحة إلى تعاون دولي يسهم في إسعاف اقتصادهم المنهار، بعدما أضحت معيشتهم في أدنى مستوياتها. ووعدت الصين بدفع شركاتها نحو المجالات التي تنشط فيها شركات المقاولات الروسية والإيرانية عبر الاستثمار في مجالات الطاقة والمواصلات والنقل.
في غضون ذلك، رأى رئيس "هيئة التخطيط والتعاون الدولي" في سوريا، فادي السلطي على هامش توقيع مذكرة التفاهم مع الجانب الصيني، أن الانضمام إلى مبادرة "الحزام والطريق" يحمل فائدة كبيرة لبلاده من خلال نقل التكنولوجيا، وإنشاء مناطق تجارية حرة بين الطرفين وتعزيز العمل الاقتصادي، لا سيما في ظل إبداء الشركات الصينية رغبتها في المساهمة بإعادة الإعمار وتنشيط حركة الأفراد ورؤوس الأموال.
في المقابل، اعتبر تقرير نشره المعهد السياسي الأميركي، "نيو لاينز"، أن محاولة الصين الاستفادة من احتياجات سوريا إلى إعادة الإعمار، تأتي نظير إيجاد موطئ قدم لها وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، في حين صرح السفير الصيني لدى دمشق، فينغ بياو للصحافيين عقب مراسم توقيع الاتفاق، بأن "سوريا أصبحت عضواً جديداً في أسرة مبادرة الحزام والطريق، وهذه المبادرة لا تفيد الصين وحدها بل كل الدول المشاركة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عودة السيطرة على الطرق
وأطلقت الصين في عام 2013 مبادرتها الشهيرة، وتحاول كسب كل محطات عبور الطرق الاقتصادية القديمة من غرب وشمال الصين وآسيا والمناطق القريبة من أوروبا وأفريقيا، بينما تأخرت العاصمة السورية في الانضمام نظراً إلى عوامل الصراع الداخلي المسلح فيها.
ورأى الباحث الأكاديمي في شؤون الاقتصاد السياسي، محمد الحاج عثمان أن "استيقاظ العملاق الصيني من جديد في سوريا يطرح فرضيات كثيرة، لا سيما بعد توقيع دمشق رسمياً على الانخراط في مبادرة الحزام والطريق". وأضاف أن "بكين تسابق الوقت لإحراز تقدم اقتصادي، وقبل ذلك إيجاد حيز سياسي ودولي كبيرين، فيما يزداد الصراع مع الولايات المتحدة حدة. وستأخذ الصين بعد الاستقرار الأمني، حيزاً أكبر بكثير في إعادة الإعمار في سوريا، لما تملكه من خبرة في هذا المجال".
ومع ذلك، اعتبر الباحث السياسي، الحاج عثمان أن "الغموض الذي يكتنف الموقفين الروسي والإيراني من هذا الاندماج الجديد مع حليف وافد وله ثقله، يمكن أن يُعد مريباً، إذ إن حضور حليف ثالث بحجم الصين وهيمنته لن يكون مجدياً للجانبين الروسي والإيراني، ما دام يتصارعان خفية على مقدرات الأرض السورية".
وكان نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون آسيا والمحيط الهادي، بيتر بروكس علق في تصريحات سابقة له تعود إلى منتصف أغسطس (آب) الفائت، بأن "دمشق لا تملك كثيراً من الأصدقاء"، وتهتم بحسب قوله، "بالحصول على حليف قوي اقتصادياً وعسكرياً إلى جانب روسيا لموازنة الدور الروسي في البلاد والحصول على مساعدات اقتصادية وبخاصة في ملف إعادة الإعمار".
في المقابل، تحدث وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد عن تعاون بلاده مع الصين وضرورة تعزيزه في لقاء مع وكالة "شينخوا" الصينية. وقال المقداد "الصين لا تفرض أبداً أي طريقة للحياة على شعوب الدول، وسوريا تثق بها، وتثق بكل ما تقدمه من مساعدات ومواقف على مختلف المستويات".
الحاجة إلى الصين كبيرة
ويرى مراقبون أن العلاقة الصينية - السورية جيدة، ولعل المصلحة المشتركة التي تربطهما تجعل المبادرة مثمرة للطرفين. ومنذ عام 2017، مع زيارة مستشارة الرئاسة السورية، بثينة شعبان إلى بكين، أُعيد إحياء فكرة عودة سوريا مجدداً إلى الانخراط في المبادرة الصينية. وعملت بكين خلال السنوات المنصرمة على مدّ البلاد بالمساعدات اللازمة تمهيداً لإدراجها رسمياً ضمن المبادرة.
واعتبر الصناعي السوري، معتز السباعي، المقيم في الصين، أن "الحاجة كبيرة إلى بلد ينظر إلى سوريا بعين الداعم الاقتصادي، ولعل هذا الشرط يتحقق تماماً مع بكين ويختلف مع الأمر مع الروسي والإيراني كحليفين عسكريين في المقام الأول". وأضاف "فاتورة الإعمار لا يمكن أن تُقدَّر وهي تزيد على 400 مليار دولار أميركي وليس باستطاعة السوريين وحلفائهم القيام بذلك بعيداً عن التمويل الدولي الكبير".
إزاء ذلك يتقرب السوريون حضور التنين على أراضيهم التي امتلأت بالنار والحديد، لينفض الغبار عنها من جديد وينعش الوضع الاقتصادي عبر ضخ الاستثمارات وتنفيذ المشاريع التكنولوجية التي طالما وعد بها، في حين لا يتفاءل فريق من الشارع الاقتصادي بالكثير ويتوقع اصطداماً، حين ستقبل الاستثمارات وتصطدم بالعقوبات الأميركية والأوروبية على النظام السوري، إلا إذا كان العملاق الصيني يريد أن يكون أول مَن يكسر الطوق المفروض على دمشق. وإلى ذلك الحين لن يرى مطار دمشق سوى طائرات الشحن صينية تهبط على مدرجاته لإيصال المساعدات الطبية واللقاحات المضادة لفيروس كورونا وحسب.